24-ديسمبر-2021

عاطف الحاج سعيد

فاز الروائي السوداني عاطف الحاج سعيد، بالمركز الأول في جائزة توفيق بكار للرواية العربية في دورتها الثالثة، وذلك عن روايته (نورس يهجره السرب)، في حفل بهيج بتونس، وتفوقت الرواية على (106) رواية مرشحة واستطاعت أن تستفرد بالمركز الأول.

وعاطف لمن لا يعرفه فهو روائي وكاتب ومترجم وأستاذ جامعي سوداني، حاصل على درجة الدكتوراة في اللغويات التطبيقية، وأحد الدافعين والمشجعين للشباب السوداني في مجالات الأدب وحثهم على الكتابة والمشاركة، ومن المؤسسين الفاعلين لمنصة "منتدى الرواية - المِنصة الرَّقمية لمناقشة الرِّوايات السودانية"، التي تناقش الروايات السودانية، وتهتم بالسرد وتجويد اللغة، وإضافة آراء جديدة ووجهات نظر مختلفة للأدب السوداني.

شاركت رواية "نورس يهجره السرب" ضمن (106) رواية أخرى واستفردت بالمركز الأول

 صدر لعاطف أول رواية عن مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي بأمدرمان في العام 2017، وكانت قد فازت روايته "عاصف يا بحر" بالمركز الأول في جائزة الطيب صالح للرواية العربية في العام 2016، ولم يتوقف عند ذلك، بل صدر له عن دار أوراق للنشر بالقاهرة كتاب من إعداده وتحريره، عن تجربة الروائي السوداني عبدالعزيز بركة ساكن بعنوان: "أيقونة الرواية السودانية" في العام 2018.

اقرأ/ي أيضًا: جامعة الفنون الجميلة بهامبورج تعطي فرصة لفنان/ة سوداني/ة

أما روايته "ربيع وشتاء" الفائزة بجائزة إبييدي للرواية العربية 2019، فهي تقدم مقاربة سردية لأوضاع اللاجئين السودانيين في فرنسا، وتمحو أوهام الحلم الذهبي الأوربي، وتناقش الأوضاع القاسية للإجراءات هناك.

ركزت روايته "نورس يهجره السرب" الفائزة بجائزة توفيق بكار للرواية العربية، على قضية مهمة وحساسة ومسكوت عنها، وهي قضية العبور الجنسي، أو التحول الجنسي، وما يلاقيه الإنسان من اضطرابات جوهرية، وصعوبات مجتمعية ونفسية للتعرف على نفسه، والشجاعة الجمّة التي تتطلبها هذه المرحلة حتى تصل إلى مرحلة الاعتراف لنفسك أولًا ثم الاعتراف للمجتمع.

جلست إلى عاطف، المقيم بدولة تشاد الآن، عبر الوسائط الرقمية وأجريت معه حوارًا تناولنا فيه الأدب عامة والأدب السوداني بصورة خاصة، وتحدثنا عن تجربته الشخصية، فإلى مضابط الحوار.


ما الذي يجب أن يفكر به الكاتب الأدبي قبل أن يبدأ في الكتابة؟

  • بالنسبة لي عند استعدادي لكتابة نص جديد أكرر في ذات نفسي مجموعة من القواعد وأظل أرددها إلى أن يكتمل العمل: (لا تكتب نصًا مملًا، لا تجعل النص يترهل، أولي اللغة عناية خاصة، فانت تكتب نصًا أدبيًا تمثل الشعرية عمادًا له، لا تتعجل النهايات دع النص ينمو بهدوء تام، أكتب بحرية واقتل كل رقيب، لا تضحي برؤيتك بسبب غواية الحكاية، ولا تجعل الحكاية تسيطر على النص فانت تكتب رواية وليس أحجية). 

اقرأ/ي أيضًا: بعد 16 عامًا من الإغلاق.. متحف إثنوغرافيا السودان يفتح أبوابه

ماذا نعني بالأسلوب الخاص، وهل لديك أسلوب خاص في الكتابة؟

  • نعم بكل تأكيد فأنا لا أقلد كاتبًا معينًا، وأحذر كثيرًا أثناء كتابتي أن أتنزه في بساتين الكتاب الذين أحبهم وهم كثر: الحبيب السالمي، أنطونيو سكارميتا، الطيب صالح، غابريال غارثيا ماركيز، إزابيل الليندي وغيرهم. رغم أن جميع كتّاب العربية يستخدمون ذات مفردات اللغة العربية وأساليبها عندما يكتبون نصوصهم، إلا أن كل واحد منهم يملك حقل مفردات خاص يقطف منه ليملأ مقطف نصه ويشكل أسلوبه في الكتابة. اللغة تنطوي على رؤية للعالم، وكل مبدع يملك –بالضرورة- رؤية مغايرة للعالم وبالتالي أسلوباً متمايزاً. 

 ما رأيك في الرواية السودانية وتطور السرد في السودان؟

  • الرواية في السودان تنمو وتزدهر ويتكاثر كتابها وهو أمر مبهج.

عاطف: لا تضحي برؤيتك بسبب غواية الحكاية، ولا تجعل الحكاية تسيطر على النص فانت تكتب رواية وليس أحجية

ماذا تقدم المسابقات الأدبية للكاتب؟

  • المسابقات الأدبية هي آلية التنويه الأدبي الأكثر فاعلية في وقتنا الراهن. فيما مضي كانت عملية التنويه تتم عبر الصحافة الثقافية وكبار النقاد، فهم يكتشفون المواهب وينوهون بإنتاجهم الأدبي، ولأن الصحافة الثقافية كانت عالية الجودة والنقاد كانوا شديدي الصرامة فإن الآلية المشار إليها كانت تعمل بكفاءة، لكن بعد انفجار الكتابة السردية منذ نهاية تسعينيات القرن المنصرم، وبسبب كثرة الإنتاج الأدبي وقلة النقاد وظهور نقاد الحيرة الذين يجاملون بنية حسنة ويمدحون نصوص في غاية الرداءة؛ أصبح القرّاء لا يثقون في هذه الآلية، فجاءت المسابقات الأدبية لتقوم بدور التنويه بالأعمال الجيدة والترويج لها. أصبح كثير من القرّاء ينتظرون قوائم البوكر والشيخ زايد وغيرها من المسابقات الأدبية ليختاروا الكتب التي سيقرؤونها. بالطبع للمسابقات الأدبية مساوئ مثلما لها من محاسن. الخطر الأكبر الآن أن هناك نمطًا من الكتابة بدأ ينتشر وسط الكتاب المتلهفين لمال الجوائز أسميه "كتابة الجوائز"، فهم عبر اطلاعهم المنتظم على الأعمال التي تفوز في جوائز بعينها قد حددوا الخصائص الأسلوبية العامة لهذه الأعمال وأصبحوا يقلدونها، ونصبوا، فضلاً عن ذلك، بداخلهم رقيب شرس يمنعهم من أن يرتادوا بعض الآفاق لأن ورود هذه الآفاق لا يعجب البلدان التي تنظم الجائزة المستهدفة، أو هكذا يتوهمون.  

 ما رأيك في التجارب الشابة السودانية في الساحة الأدبية؟

  • تجارب ممتازة تجعلني متفائلًا بمستقبل الكتابة السردية في السودان. هناك كتاب في مقتبل العشرينات ينشرون أعمال تنطوي على كثير من الإبداع، ستنضج تجربة هؤلاء الكتاب مع مرور الوقت وسينتجون نصوصًا عظيمة.

 هل الكتابة أو قراءة الأدب تعتبر رفاهية؟

  • لا بالطبع. قراءة الأدب تبني العقول لأنها تراكم الخبرة. الرواية مثلًا تقدم عالمًا متخيلًا لكن بذرته موجودة في الواقع، فقراءة نص روائي هو بمثابة تجربة حياتية افتراضية تساعد على فهم الحياة بصورة أفضل، إنها مثل جهاز محاكاة الطيران (Flight Simulator) الذي يتدرب عليه الطيّارون فيساعدهم على تحسين كفاءتهم عند قيادة الطائرات. الأدب يربي العقول على النظرة النقدية للأشياء وهي مسألة ضرورية لتطور المجتمعات نحو الأفضل.  

اقرأ/ي أيضًا: "أغاني البنات" في خارطة الفن السوداني

هل أثّر أسلوب الحياة الحالي على استهلاك الناس للكتب وطريقة القراءة؟

  • نعم، وهو تأثر إيجابي. أتاحت تكنولوجيا الاتصال للناس القراءة أكثر، أظن أن متوسط عدد الصفحات التي يقرأها السوداني في اليوم ربما يتجاوز العشرين صفحة، إذا أحصينا عدد البوستات التي يقرأها على الفيس بوك وعدد المقالات التي تحيله إليها هذه المنصة، كما أتاحت هذه التكنولوجيا للناس قراءة الكتب بيسر عن طريق تبادل ملفاتها الإلكترونية على الهواتف الذكية. أذكر أني في منتصف التسعينيات عندما اكتشفت كولون ويلسون وأصابني به ولع شديد كنت أسافر من المناقل إلى مدني مرة كل أسبوع لكي أتمكن من قراءة مؤلفاته التي كانت متاحة في مكتبة المجمع الثقافي بشارع النيل (حالياً قصر الثقافة)، الآن بكبسة زر يمكن أن أحصل على جميع مؤلفاته وأنا مستلقٍ على سريري، فتأمل. الذي اختلف الآن هو الوسيط المستخدم في عملية القراءة، سابقًا كان الكتاب الورقي الذي كان يصعب الوصول إليه، والآن الشاشة الإلكترونية التي تيسر الوصول لكل كتاب.

عاطف: تأثير نمط الحياة الحالي تأثير إيجابي، وأظن أن تكنولوجيا الاتصال أتاحت للناس القراءة أكثر

ما الذي تريد أن تصل إليه من خلال مسيرتك الكتابية على المستويين العام والشخصي؟

  • لا أطمح لتحقيق مكاسب مادية من عملية الكتابة ولا أخطط أن أتفرغ في يوم ما للكتابة لتصبح مصدر رزقي ولا يمكنها أن تكون كذلك. أرغب فقط بأن أكتب نصوصًا سردية تجعل من يقرأها يستمتع ويفكر ويتغير نحو الأفضل. أظن أن من يقرأ "نورس يهجره السرب" سيطور تفكيرًا إيجابيًا نحو مسألة العبور الجنسي أو التحول الجنسي، كما أظن أن الشاب الذي يفكر في الهجرة إلى أوروبا سيطور تفكيرًا واقعيًا حول ما يظنه النعيم الأوروبي عندما يقرأ "ربيع وشتاء"، كل ذلك بجانب المتعة الجمالية التي ينشدها النص ضمن ما ينشد. أنا أستمتع بالكتابة وبعملية التخييل.

اقرأ/ي أيضًا

رحيل الكابلي.. السودان ينعى عبقري اللحن والكلمات

شيخ الناشرين السودانيين مودعًا في نوفمبر