10-مارس-2021

تعبيرية (الجزيرة نت)

ظهر مصطلح حمى الذهب أو "Gold Rush" في ولاية كاليفورنيا في منتصف القرن التاسع عشر تحديدًا، وقد ساهمت حمى الذهب أكثر من إيجاد الذهب؛ في إيجاد تغييرات ديمغرافية لم يتم بحثها أبدًا كهدف مقصود من "بروباغندا" استكشاف الذهب هناك. 

هذه التغييرات كانت ضرورية مع انضمام ولاية كاليفورنيا لاتحاد الولايات الأمريكية بعد الاتفاقية التي عرفت بمعاهدة "غوادالوبي هيدالغو Treaty of Guadalupe Hidalgo"، والتي تخلت بموجبها المكسيك عن كاليفورنيا وأراضٍ أخرى مقابل (15) مليون دولار بنهاية الحرب الأمريكية المكسيكية في العام 1848، ليأتي الإعلان الذي فجر هجرة البحث عن الذهب في العام 1849 قبل ستة أيام من انضمام كاليفورنيا رسميًا للاتحاد! حيث قال الإعلان الذي تسبب في حمى الذهب: "اكتشف مراقب العمال جيمس مارشال والذي يعمل لدى جون ستر في "مناشير الخشب" في جهة كولومبو، ساكرامنتو في 24 كانون الثاني/يناير 1848 -اكتشف الذهب!".

 الآثار السياسية لـ"حمى الذهب" في منتصف القرن التاسع عشر في كاليفورنيا كانت الأكبر مقارنة بالعوائد الاقتصادية

ومن المهم النظر لتداعيات هجرة (300) ألف أمريكي من البيض لمنطقة كاليفورنيا، كجزء من أدوات صناعة الأمة الأمريكية في ترويج الحلم الأمريكي للبيض. وبعد تناقص السكان الأصليين نتاج الأمراض والمجاعة والتطهير العرقي نتيجة للإبادة الجماعية  التي جرت منذ منتصف وحتى نهاية القرن التاسع عشر بين الحكومات المحلية للولايات المتحدة الأميركية والشعب الأصلي القاطن في كاليفورنيا، ليكون "حلم كاليفورنيا" كابوسًا للسكان الأصليين وجيوب المكسيكيين في الولاية، قبل أن تخلص الولاية لإعادة التوطين كبرى والتغييرات الفاصلة في ديمغرافيتها التي ساهم في الدعاية لها ما عرف بحمى الذهب، ليعرف أغلب سكانها الآن بالـ"فورتناينرز" في إشارة للعام 1849.

اقرأ/ي أيضًا: ثورة ديسمبر.. ثورة نساء السودان

بالتأكيد الآثار السياسية لحمى الذهب في منتصف القرن التاسع عشر في كاليفورنيا هي الأكبر مقارنة بالعوائد الاقتصادية، والتي تجاوزت اكتشاف الذهب إلى مجموعة الخدمات والأعمال التي صاحبت هذه الاستكشافات. وقد حكم وجود الذهب قاعدة أساسية "باحثون كُثُر، خاسرون كُثُر. Many Seekers, many losers"، إذ أن بروباغندا حمى الذهب ظلت معنية بالترويج للناجحين من الباحثين، ساعد في هذا أن الرأي العام نفسه أراد تغافل الخسائر الفادحة التي صاحبت تلك الحمى، والأعداد المهولة من الذين أفلسوا نتاج هذه المراهنة على إيجاد الذهب. كما تغافلت عن ضعف تطبيق القانون في الولاية المنضمة حديثًا للاتحاد، وغياب القوانين نفسها، والأهم هو رغبة حكومة الاتحاد في حالة الوهن القانوني هذه لإعادة صياغة الملكيات في هذه الأراضي، وبدلًا من الدخول في صراع لإنفاذ حكم القانون؛ دفعت لهذه الفوضى حتى يتم ترتيبها في ظل واقع جديد. وهذه نفس الملامح التي تتكرر الآن في السودان ووفق تطابق مخيف، مما يجعلنا نتساءل عن مالات التعدين الأهلي وإضعاف نفوذ الدولة في ظل واقع الدولة الحديثة المتضعضع حاليًا وهشاشتها.

قاعدة الآمال الكثيرة والخيبات الأكثر "Many seekers, more losers" في حمى الذهب لا تعكس خسائر الأفراد وحدهم، ولكن وفق اقتصاد الدولة الحديثة الآن؛ تشكل هذه الخسائر عند الأفراد هدر حقيقي لموارد الدولة، وفِي ظل عيوب هيكلية في الاقتصاد الآن؛ يصبح تغيير نمط الإنتاج عند الأفراد مغامرة كبرى ستقود عاجلًا أم آجلًا لتغيرات غير محسوبة، وستقود لتغيرات اجتماعية وسياسية كبرى على نحو ما خدمت هذه التغيرات السياسة الأمريكية في منتصف القرن التاسع عشر لإعادة تشكيل ولاية مثل كاليفورنيا وفق الآيدولوجيا المركزية للدولة في أمريكا نفسها، وبغض النظر عن البعد الأخلاقي لهذه الآيدولوجيا طوال تاريخها "بوتقة الانصهار وفق نموذج يقهر التعدد"، وجود مغزى واضح وهدف مركزي لتوظيف هذه التغيرات المصاحبة لحمى الذهب في أمريكا منحاز لاتجاهات الدولة هناك، وفي ظل غياب هذا المغزى الاستراتيجي عندنا، تصبح حمى الذهب هذه في السودان حمى فِي الدولة ومن أعراض هشاشتها.

اقرأ/ي أيضًا: وزيرة الخارجية والزخارف اللغوية للاستعمار

وبعيدًا عن هذه المقاربة مع دولة عظمى كالولايات المتحدة، نحن على أعتاب هشاشة اقتصاديات جمهوريات الموز وهشاشة الدولة نفسها في أمريكا اللاتينية، أو هيمنة "كارتيلات" سوق المعادن النفيسة باستنساخ كيانات سياسية هشة في الدولة خاضعة لوكلاء هذه الكارتيلات الوطنيين على نحو ما حدث ويحدث في الكونغو وسيراليون ودول غرب أفريقيا، وما يعرف بالماس الدامي "Blood Diamonds" أو لعنة الذهب، والذي قاد لضعضعة الدولة تحت بوابة تفكيك سيطرة الدولة على مواردها وفي مقدمتها التعدين؛ إما لعجزها أو قدرة المجتمعات على ما يسمى بالتعدين الأهلي. وهو النموذج الأكثر فعالية الآن في تهديد مشروع الدولة الوطنية وسيادتها، ومن خلال انخراط الأهالي في نشاطات تهدد بقاء الدول وتعجل من انهيارها بالاستثمار في ضعف الدولة وعجزها عن إنفاذ القانون.

مصطلح التعدين الأهلي يبدو فضفاضًا من الناحية القانونية

مصطلح التعدين الأهلي يبدو فضفاضًا من الناحية القانونية. وهي صيغة تقوم على مبدأ "متاح للجميع Free-for-All" أو كما تم التعبير عنها في حلم كاليفورنيا في حمى الذهب: "صُبغت حميات الذهب عمومًا بشعور طاغٍ بأن هناك دخلٌ متحرك "متاح للجميع"، بحيث يكون بإمكان أي فرد أن يصيرغنيًا بسرعة خاطفة". 

ورغم ما يبدو أنه صيغة عادلة لتحقيق الثروة؛ إلا أن الفرص لم تكن متساوية أبدًا. وغياب القانون هنا والاستعاضة عنه بصيغة تجاوزتها الدولة في ضرورة احتكارها لادارة الثروات القومية حتى ولو امتلكتها المجتمعات المحلية، يجعل بدائل الدولة في عمليات كالتعدين بتعقيداتها التي تبدأ فور إنتاجها، وهي التعقيدات المرتبطة بتحقيق الثروة عبرها، بدءًا بتنقية الذهب وانتهاءً بتصديره وتحصيل عائداته، وهو أمر ارتبط فورًا بقيام إمبراطوريات خلاف المعدنين تحقق الثروة الأعلى من هذا النشاط الأهلي في مظهره، والذي أتاح نموًا مضطردًا لقوى تنافس الدولة الآن في إدارة موارد البلاد وتجفيف عائدات هذه الموارد، سواء نموذج جبل عامر، والذي احتكر الشيخ موسى هلال، انتاج وتصدير الذهب منه قبل أن يؤول هذا الامتياز لقائد قوات الدعم السريع الآن، بديلًا عن الدولة، والذي بدا أكثر اهتمامًا الآن باحتكار تجارة وتصدير الذهب من إنتاجه، وفق ترتيبات إغفال القانون الذي يتيح له هذا الوجود في السوق والدولة معًا!

ومن المهم الوعي بأن مفهوم الدولة العميقة لدولة الإنقاذ في نهايتها يتجاوز هذا التناول السطحي للأفراد والمنتمين للحركة الإسلامية، لعلاقات إدارة الاقتصاد وموارد البلاد والبنية الكلية للاقتصاد نفسها، من خلال صيغ أتاحت تنفذ البعض وتهديد الجميع لهيبة الدولة وقدرتها على إنفاذ القانون في ظل عدم احتفاء الإنقاذ نفسها بالقانون، وخلاف المؤسسات كالشركات الأمنية والمؤسسات الاقتصادية للجيش والتي أرادت الإنقاذ عبرها تعويض فاقد الموارد الاقتصادية ووضع يدها عليه، لكن كثيرًا من الأفراد والمؤسسات قد وجدوا في هذه الصيغة فرصة للثراء، ناهيك عن فساد مؤسسات الدولة وضلوع أفرادها على نحو ما كشفت عنه حملة القطط السمان في أواخر أيام النظام السابق، والتي بلغت جملة المبالغ المستردة عبرها أضعاف ما حققته لجنة تفكيك التمكين بالفعل والدعاية الركيكة لأعضائها؛ لتصبح هي نفسها واحدة من آليات نفاذ الدولة العميقة من خلال عدم تهديد النظام الذي أقامته الإنقاذ فعلًا، ودولتها العميقة الفعلية في علاقات الاقتصاد.

اقرأ/ي أيضًا: ما بعد الثورة إلا ثورة

من المهم النظر للتغيرات الكبيرة في علاقات الاقتصاد في السودان وقدرة الدولة على فرض سلطتها على الثروات القومية، وذهابها لتقسيم موارد الدولة على محسوبيها وتفكيك حتى اقتصادها الريعي من ريع الدولة لريع الأفراد والمؤسسات في يأس من القيام بدورها وتعبير عن ضعف كفاءتها. وعلّ أوضح ملامح هذا الاقتطاع الريعي لموارد الدولة كان في نمو المؤسسات المرتبطة بالبشير وأسرته "وإخوانه وزوجته الأخيرة"، وإذا اعتبرنا أن الفساد في الشركات الأمنية وشركات الجيش هو فساد أفراد أتاحته سياسة خاطئة، ويتجاوز هذا الفساد المؤسسات الأمنية والجيش لمؤسسات الخدمة المدنية والبنوك في تحصيل الضرائب والإعفاءات وعائدات الصادر ودعم شراء القمح والدواء، لكن تظل الصيغة التي تعامل معها البشير مع قائد قوات الدعم السريع هي الأغرب، فإضافة إلى المبالغ التي كانت تدفع له، فقد تم تمكينه من جبل عامر كمكافاة على دوره في اعتقال الشيخ موسى هلال والذي تمرد على سطوة الإنقاذ. وبالنظر لوجود الدعم السريع وشركاته يصبح السؤال الأهم؛ هل هي مؤسسات تتبع للدولة وجزء من القطاع العام؟ هل تظهر منصرفاتها وعائداتها في ميزانية الدولة وتخضع للمراجع العام، أم هي نشاط خاص لقائد الدعم السريع وأسرته؟

 وضع الدعم السريع الآن يشبه -مع تفاوت في حجم الإيرادات- وضع كثير من القوات التي أتت مع اتفاقية السلام

ليس القصد هنا تناول الدعم السريع ودوره، وفِي الحقيقة وضع الدعم السريع الآن يشبه -مع تفاوت في حجم الإيرادات- وضع كثير من القوات التي أتت مع اتفاقية السلام، والكيفية التي ستعالج مستقبل هذه القوات ستطرح سؤالًا حقيقيًا عن مستقبل وجود الدعم السريع كقوات مستقلة ويمكن دمج بعض قوات الحركات المسلحة عبره؛ أم أن الاتجاه سيكون لدمج كل هذه القوات بما في ذلك الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية وفق صيغة تكوين جيش مهني يبدو أن إعادة هيكلته تحظى باهتمام أمريكي خاص من خلال الرسائل التي أطلقتها زيارة قائد "أفريكوم"، لكن القصد هو فعلًا ضرورة النظر بجدية في تفكيك بنية الإنقاذ الاقتصادية وضرورة النظر لإدارة الاقتصاد من خلال فرض ولاية الدولة على حركة الاقتصاد والثروات القومية؛ وعدم الذهاب في استنساخ نماذج الإنقاذ في بناء نظام إقطاعي يعمد لتخصيص ريع من موارد البلاد بشكل مباشر للقوى الأمنية والدفاعية على نحو ما تم مع الأجهزة الأمنية الرسمية وقوات حرس الحدود في السابق وحاليًا الدعم السريع، واستنساخ هذا المنهج في التعاطي مع استحقاقات السلام.

يرتبط التعدين الأهلي في السودان بدرجة كبيرة مع الحرب الأهلية، ودور القطاعات الأمنية في ضرورة الهيمنة عليه، والحديث عن وجود موارد للتعدين الأهلي في مناطق تحت سيطرة بعض الحركات المسلحة لا ينفصل عن دعاوى استمرار الحرب وتمويلها. ومع انهيار اقتصاد الدولة بعد انفصال الجنوب والهبوط الكبير في واردات الدولة لغياب عائدات نفط جنوب السودان، اتجهت الدولة نحو تشجيع التعدين الأهلي وفق سياسة معلنة لبنك السودان كان عرابها إضافة إلى د. صابر محمد الخشن، الاقتصادي السوداني الشيخ المك، والذي شغل منصب وكيل وزارة المالية في السابق وأصبح نائبًا برلمانيًا في المجلس الوطني بعد تعاقده. ولم تختلف النصيحة التي بذلها وقتها عن ما طرحه مجلس الوزراء الآن في احتكار شراء بنك السودان للذهب، وتمويل عملية الشراء هذه بطباعة العملة، وخلاف مشاكل تطبيق هذه السياسية والتي تأتي تعبيرًا مباشرًا عن زيادة التضخم عبر طباعة العملة؛ إلا أن الواضح أن الدولة السودانية لم تتخل عن متلازمة اقتصاد النفط وتصور السودان كدولة عماد اقتصادها التعدين. وفي حالة أشبه بإدمان المقامرة؛ مضت الدولة في مغالطة واقعها كمنتجة للنفط باستعجال دخول الذهب في ميزان وارداتها عبر صيغة حملت عيوب أكثر من تلك التي صاحبت استخراج النفط! 

الخسائر الأكبر إضافة للتضخم كانت في عجز الدولة معايرة الذهب وعدم امتلاكها للتقنية اللازمة لذلك، فظلت أسعارها أعلى من أسعار الذهب العالمية نتيجة أخطاء المعايرة هذه، ورغم هذا لم تفلح هذه السياسة في اجتذاب مشتريات الذهب من المعدنين الأهليين، لان نافذة الشراء نفسها كانت نافذة تحصيل ضرائب إنتاج الذهب من هؤلاء المعدنين، مما فتح سوقًا موازيًا ضخمًا لتهريب الذهب، أصبح مرتبطًا بتجارة العملة في السوق الموازي، ولم تكن منافذ التهريب حصرًا على مطار الخرطوم، ولكنها شملت حدودنا البرية مع إثيوبيا وإريتريا أيضًا، وفي الواقع يمكن أن تكون الكميات الأكبر تم تهريبها عبر هذين المنفذين قبل دخول نافذين في أجهزة الدولة في تجارة تهريب الذهب وتسهيل خروجه عبر المطار!

إلا أن الطامة الكبرى التي هددت احتكار الدولة عبر بنك السودان لمشتريات الذهب وتصديره، كانت ضلوع مؤسسات تتبع للدولة أو تتمتع بحمايتها في منافسة بنك السودان في هذا السوق، لتكون الأرقام الرسمية لتداول الذهب السوداني أقل بكثير من إنتاج السودان للذهب والذي قارب إنتاج أكثر الدول تصديرًا للمعدن النفيس، ولم ينتبه كثيرون لخروج الفرنسيين من شركة أرياب وبيع امتيازها لرجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، فقد كان واضحًا أن الشركة الفرنسية كانت تعطي أرقام مضللة عن حقيقة إنتاجها من الذهب، كشفته غزارة الكميات المنتجة بشكل بدائي في تخوم مناطق امتيازها في ولاية نهر النيل، وعبر إمكانيات لا يمكن مقارنتها بحجم استثمار الفرنسيين طوال عقود في منطقة أرياب. ليكون إنتاج الذهب الذي تضع الدولة يدها عليه؛ فتات في ظل الاستقلالية التي تمتع بها موسى هلال ولاحقًا حميدتي أسوة بما كان يفعل الفرنسيين في إطلاق يدهم لتصدير إنتاجهم من الذهب!

اقرأ/ي أيضًا: التطبيع مرة أخرى.. الشق المدني يرمم الوعد الكاذب

إضافة لذلك، شارك جهاز الأمن في تدبير صفقات مباشرة لشراء وتصدير الذهب، وهذه ممارسات ما زالت مستمرة حتى الآن، سواء عبر نفس الأجهزة أو من خلال آليات تم استحداثها أصبحت تتيح لأفراد احتكار تصدير الذهب وليس الدولة، وبرأيي أن بنك السودان نفسه لم يعد يسيطر على طباعة العملة لتمويل مشتريات الذهب بشكل حصري. إذا أن حجم هذه التجارة يكشف عن وضع البعض أيديهم على مصادر العملة الوطنية لتمويل أعمالهم بدرجة قادت لشح النقد الكبير الذي سبق سقوط نظام البشير.

اتجاه الدولة لاحتكار الإنتاج لا مناص منه لتعريف الذهب كثروة قومية تخضع لأسس تشاركية

هنالك لعنة تصيب الدول من مواردها الطبيعية، والتعدين الأهلي الآن يشكل وجهًا لهذه اللعنة، ليس على الدولة وحدها ولكن على هؤلاء المدنيين أيضًا، والذين تتضاءل أرباحهم أمام أرباح محتكري تصدير وتجارة الذهب. وإذا أضفنا خسائر الذين لم يجدوا شيئًا والذين يشكلون غالبية المعدنين، إضافة للخسائر الأخرى البيئية والصحية على المدى القريب والبعيد، ومخاطر التعدين في الأرواح التي لم يشر إليها أبدًا نتيجة لبيئة الإنتاج نفسها؛ يصبح اتجاه الدولة لاحتكار الإنتاج لا مناص منه لتعريف الذهب كثروة قومية تخضع لأسس تشاركية تجعل لمناطق الإنتاج نسبة من مدخلاتها خلاف فتات المسؤولية المجتمعية الذي قصد منه ذر الرماد على العيون.

ولتقنين الوضع الحالي للتعدين الأهلي؛ على الدولة تشجيع المعدنين الأهليين للانخراط في جمعيات تعاونية إنتاجية، تعمل على تعظيم إمكانيات الجميع في الفرص وتشارك المخاطر، على أن تعمل هذه الجمعيات كشركات مساهمة عامة تحت إشراف الدولة المباشر من خلال صيغ تشغيل عمليات التعدين المعروفة ومن خلال النسب المعمول بها، على أن لا يسمح بامتداد مساحات التعدين الأهلي مع إمكانية استثمار الدولة بعائداتها من هذه المرحلة في إنشاء شركات للقطاع العام وشركات مساهمة لاستكشاف الذهب وإنتاجه، والأهم تطوير قدراتها الفنية وكفاءتها في إدارة إنتاج الذهب قبل استهلاك الحديث عن إمكانية احتكار تصديره. فأي عملية لسيادة حكم القانون يجب أن تتم من ضمن سلسلة من الإجراءات القانونية المكتملة في كل حلقاتها، وبما يضمن صلاح القوانين وعدلها والتزام الجميع بالإمتثال إليها، وإلزامهم بها، وليس عبر إجراءات انتقائية في وضع القوانين ومناط تنفيذ أحكامها.

اقرأ/ي أيضًا

قوى التهافت على المناصب!

إسرائيل والسودان.. قصف جوي وعداء شعبي