حرب المُسيّرات.. هل أعادت تعريف الصراع في السودان بوصفه عدوانًا خارجيًا؟
12 مايو 2025
تكثفت وتيرة الهجمات بالطائرات المُسيّرة وتواترت، منذ أن أعلن رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في محفل جهير أن المواطنين السودانيين سينعمون بالأمن التام، ولن تحلّق طائرة مسيّرة في فضائهم مرة أخرى. وبدت المفارقة أفدح أثرًا حين صارت المسيّرات هي العنوان الأبرز لتوسع مسرح الصراع ووصوله إلى أقصى نقطة في السودان، بالعاصمة الإدارية بورتسودان، بعد أن كانت حصرًا على مناطق النيل الأبيض، ونهر النيل، والولاية الشمالية، فضلًا عن أم درمان والفاشر.
تراوحت الأهداف بين إصابة قطاعات عسكرية واستراتيجية حيوية تتعلق بمصادر الكهرباء ومستودعات الوقود
وتراوحت الأهداف بين إصابة قطاعات عسكرية واستراتيجية حيوية تتعلق بمصادر الكهرباء ومستودعات الوقود، في ظل اشتعال أسئلة حارقة حول منصات إطلاقها: من داخل أم خارج البلاد؟
مصادر ومنصات الانطلاق
رجّح مصدر أمني، آثر حجب هويته، انطلاق المسيّرات من داخل السودان، ومن كاودا تحديدًا، بوصفها منطقة نائية وبالغة التحصين والحماية، مؤكدًا أن مدى المسيّرات الاستراتيجية يعضد هذا الاحتمال.
وفي المقابل، يرى إبراهيم عبد الله هارون، المختص في قضايا التسليح والأمننة، أن المسيّرات الهجومية بعيدة المدى (CH-95 أو FH-95 الصينية) كانت تنطلق من مطار أم جرس في تشاد أو مطار نيالا، بحسب صور الأقمار الصناعية.
وفي ذات السياق، رجّح هارون انطلاق المسيّرات الانتحارية الأخيرة، التي استهدفت بورتسودان وكسلا، من البحر الأحمر، مدللًا على صحة احتماله بما أعلنته هيئة بحرية بريطانية عن تلقيها بلاغات من عدة سفن قرب بورتسودان، بتعرض أنظمة الملاحة بها لاضطرابات وتشويش.
مختص في قضايا التسليح والأمننة: من يقوم بإطلاق المسيّرات يعمل على إخفاء مصادر ومنصات الإطلاق بالتشويش
وقال المختص في قضايا التسليح والأمننة إن من يقوم بإطلاق المسيّرات يعمل على إخفاء مصادر ومنصات الإطلاق بالتشويش، حتى لا تكتشف رادارات السفن التجارية نشاط هذه المسيّرات، برغم أنها ليست رادارات عسكرية، بيد أنها قادرة -بطبيعة الحال- على كشف مصادرها إذا كانت قريبة وتطير على مستوى منخفض، لأنها تمسح المدى الأفقي. وأكد أن بعض السفن التجارية الكبرى مزودة بكاميرات وأجهزة مراقبة حرارية للحماية من القرصنة، وهي -من هذا الجانب- قادرة على كشف المسيّرات الانتحارية.
وتُثير المسيّرات -أيًّا كان مصدر انطلاقها- أسئلة حول القدرات والإمكانات التشغيلية المتجاوزة لميليشيا الدعم السريع إلى داعميها الإقليميين، مما يعيد تعريف الصراع -بحسب محللين استراتيجيين- بوصفه عدوانًا خارجيًا، وفق قرار مجلس الأمن والدفاع مؤخرًا، الذي أعلن دولة الإمارات العربية المتحدة دولة عدوان.
تعريف الصراع
يرى عمرو صالح ياسين، الأكاديمي المختص في شؤون الدولة والحكم، في إفادة خاصة لـ"الترا سودان"، أن حرب المسيّرات تُعتبر تحولًا نوعيًا في تعريف الحرب، وتُقرأ في إطار ما قام به السودان مؤخرًا من مقاضاة دولة الإمارات في محكمة العدل الدولية، وما حدث لاحقًا من تصعيد عسكري من ذات الدولة، استُهدفت بموجبه مناطق حيوية في مدينة بورتسودان، أدى إلى إعلان الإمارات دولة عدوان من مجلس الأمن والدفاع.
ويعتقد عمرو صالح أن هذه المواقف ذات الطبيعة التصعيدية من أهم الأحداث منذ تفجر الحرب في منتصف نيسان/أبريل من العام 2023م، مؤكدًا أن الخاسر الأكبر فيما جرى هي دولة الإمارات، بحسبان أن الصراع في جوهره لا يتصل بمستوى القوة المادية الصرفة، وإنما يتعلق بالسرديات الناشئة حوله، وأن الحروب الحديثة تُدار بمنصات الإعلام أكثر من منصات الصواريخ والمسيّرات.
عمرو صالح ياسين: بمجرد إطلاق مسيّرات على مدينة بورتسودان، أدرك الجميع أن الحرب الآن لم تعد نزاعًا داخليًا بين جنرالين
واعتبر عمرو أنه بمجرد إطلاق مسيّرات على مدينة بورتسودان، أدرك الجميع أن الحرب الآن لم تعد نزاعًا داخليًا بين جنرالين على السلطة والثروة والنفوذ، كما طفقت تُردد السرديات المخدومة والزائفة في آن.
وقال إن قيمة الحدث تكمن في إعادة تعريف الصراع في المستوى الرسمي والشعبي، وحتى الشعبوي، وفي الإطار المحلي والإقليمي والعالمي، ووصف الحرب باعتبارها عدوانًا سافرًا من دولة الإمارات ضد السودان، ذاكرًا ومذكرًا بأن "مجرد فقدان المشروعية يؤدي بالضرورة إلى تبديد القوة المادية"، بحسب تعبيره.
مثال لذلك -كما يقول عمرو- هو ما فعله عبد العزيز الحلو مؤخرًا بانضمامه لحلف الدعم السريع، وهزيمة المشروعية الداخلية التي كانت ترجّح إمكانية عقد سلام عادل معه، مما أعاد النظر إليه بوصفه شريكًا في حرب العدوان الماثلة، ومنح الجيش قوة إضافية في ضرورة سحقه تمامًا، وتصنيف جماعته كمجموعة إرهابية، وليست كيانًا له مطالب سياسية وتنموية مشروعة.
معادلة ردع جديدة
يعتقد عمرو صالح أن التحول الذي جرى منذ ضرب الدفاعات الجوية في نيالا، ومحاولة خلق معادلة ردع تُقايض أمن وسلامة بورتسودان بأمن نيالا، أمر مهم، ويُقرأ في فعل الجيش الذي ذهب في مسار قطع العلاقات مع الإمارات، واستعادة الخوي، والاختراقات المهمة التي جرت حول الفاشر، مما يعني رفض الجيش لهذه المعادلة.
ويرى صالح أن الإشكال الأساسي لصانع السياسة في الإمارات كامن في عدم إدراكه لطبيعة عراقة الشعب السوداني وارتباطه بالأرض، على النحو الذي لا يجعل الأمور تسير وفق النتائج المرجوة له من الحرب. فممارسته للإرهاب والعدوان السافر يزيد الشعب السوداني عنادًا وتمسكًا بحقه المشروع في الدفاع عن أرضه.
ويؤكد عمرو أن دولة الإمارات لا بد وأنها قد تفاجأت بردة فعل مجلس الأمن والدفاع، والذهاب في المسار الصفري، عوضًا عن المساومة والتفاوض.
عمرو صالح ياسين: السودان لا يمكن السيطرة عليه بمجرد إجراء توافقات سياسية مع نخب الفاعلين السياسيين بغرض الهيمنة على القواعد والمؤسسات
ويعتقد عمرو صالح أن صانع السياسة الإماراتي عاجز عن إدراك الخصوصية السودانية حيال انفصال الفاعل السياسي عن البنية، باعتبار أن السودان لا يمكن السيطرة عليه بمجرد إجراء توافقات سياسية مع نخب الفاعلين السياسيين بغرض الهيمنة على القواعد والمؤسسات. فالسّيطرة على قادة الجيش لا تعني بالضرورة السيطرة على المؤسسة، كما أن الهيمنة على النخب السياسية الصاعدة على أكتاف الثوار في ديسمبر لا تعني السيطرة على ثوار ديسمبر.
ويؤكد عمرو أن ثمّة انفصالًا بين القواعد والنخب في السودان، يبرز عند المنعطفات الحرجة، وهو أمر نادر الحدوث في أماكن أخرى كان للتدخل الإماراتي فيها أثر ملحوظ. فالجيش والشعب، بحسب اعتقاد عمرو، أكثر عراقةً وانتماءً ونظامية. لذلك، فإن العقبة الكَأْداء التي أفشلت المخطط الجاري هي عراقة الشعب والدولة، وعراقة مخيالها. إذ ظلّ الشعب يُحيل إلى دولة حدودية منذ بدء التاريخ، فالفرق بين سقوط سنّار والمهدية نحو ستين عامًا، وهو ذات المسافة الزمنية بين ثورة أكتوبر وديسمبر. ومن المعلوم أن الذين خرجوا في ديسمبر كانوا ينشدون أشعارًا وشعارات ثورة أكتوبر. والمهدي حين بنى جيوشه، لم يخلق نموذجًا من العدم، وإنما استدعى أمثولة جيوش السلطنة الزرقاء التي عُرفت بشدّتها وبأسها وعنفوانها.
ويختم عمرو قوله بأن عراقة الجيش لا تُقرأ ضمن تاريخ نشأته الحديثة قبل مائة عام، وإنما تُحيل إلى جيوش بعانخي وترهاقا، والإحالة إلى عموم حالة العراقة السودانية التي غيّر سكانها وشعوبها لغتهم ودينهم ثلاث مرات، تُحيل إلى جيوش مركزية ودولة حدودية. مما يعني، لقوى العدوان، بالضرورة إعادة تعريف مصلحتهم والثمار المرجوة من الحرب، إذ ليس في مقدورهم هزيمة الشعب السوداني إلا إذا فكروا في إبادته بالسلاح النووي.
الارتهان للخارج وفقدان السيادة
في المقابل، يرى منتصر إبراهيم، الكاتب والمحلل السياسي، أن ما يحدث في السودان هو بفعل عدوان خارجي، منذ سيطرة الترويكا العربية (مصر والإمارات والمملكة العربية السعودية) على النفوذ الإقليمي في السودان، على حساب تركيا وقطر، بعد الإطاحة بحكومة المؤتمر الوطني، وارتهان المعارضة بالعقوبات الاقتصادية والسياسية في السابق، وجملة أمور أخرى، مثل مشاركة القطاعات العسكرية في تحالف "عاصفة الحزم" ضد اليمن، والتي كانت محصلتها -بحسب منتصر- فقدان السودان لسيادته وقراره الوطني.
منتصر إبراهيم: سباق أطراف الحرب نحو التطبيع مع إسرائيل، وخطب ودّها بكل السبل، أفقد السودان توازنه، وخلخل سيادته
ويعتقد منتصر إبراهيم أن سباق أطراف الحرب نحو التطبيع مع إسرائيل، وخطب ودّها بكل السبل، أفقد السودان توازنه، وخلخل سيادته، فأصبح سوقًا للتقنية الحربية وأجهزة التجسس مثل "بيغاسوس"، حتى انتهى إلى الحرب الراهنة التي عصفت بالفترة الانتقالية، بسبب فرط الاستقواء بالخارج، ومراهنة كل طرف على محوره الذي يمده بالسلاح والمسيّرات. لذلك، ليس من المستغرب أن يتحوّل الصراع إلى عدوان مباشر.
ويردّ منتصر ما يحدث إلى خيانة أبناء السودان، في ظرف دولي وإقليمي بالغ الاضطراب، ومفعم بسباق التسلّح وتجريب تقنيات الحرب من مسيّرات وصواريخ وطائرات، إلى جانب حدة الاستقطابات بين مراكز القوى ودوائر النفوذ، الأمر الذي سيزيد من وقع العدوان.
ويخلص الكاتب والمحلل السياسي إلى ضرورة لملمة الأوضاع، وعقد تسوية سلمية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، درءًا لسيناريوهات التفكك والتجزئة والفوضى الشاملة، إذ ليس من شيء أسوأ من فقدان السيادة بسبب سوء السياسة، مما يفتح الباب أمام كل الاحتمالات.
مختتم
ليس من مراءٍ أن الحرب تأخذ منحى جديدًا، عنوانه الأبرز: المسيّرات الهجومية، بشكليها الانتحاري والاستراتيجي، وإحالة عموم السودان إلى مسرح عمليات عسكرية. غير أن مجمل المشهد الراهن يُعيد تعريف الحرب، بخلاف السرديات السائدة، بحسبانها تارة صراعًا سياسيًا قاد إلى العنف، أو انخراطًا مجتمعيًا واسعًا على مظان استرداد الحقوق الاعتبارية والمادية، أو طموحًا سلطويًا لقوى ومكوّنات عجزت عن إدارة التناقضات بينها؛ وإنما غدا الصراع اليوم حربَ قوى إقليمية ضد دولة السودان، وهذا لوحده متغيّر مهم سيلقي بظلاله على راهن الأحداث ومستقبلها.
الكلمات المفتاحية

اجتماعات واشنطن.. هل تتفق على وقف حرب السودان؟
تعتزم الولايات المتحدة استضافة اجتماعات على مستوى وزراء خارجية "دول الرباعية" التي تضم واشنطن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، لمناقشة سبل وقف الحرب في السودان، نهاية هذا الشهر.

كر وفر في أم صميمة.. استعار الاشتباكات في شمال كردفان
في شمال كردفان، تدفع قرى صغيرة على الطرقات الرابطة بين مناطق الدعم السريع وسيطرة الجيش، ثمن انتقال المعارك من العاصمة الخرطوم وإقليم الوسط إلى غرب وجنوب السودان

تجدد الهجوم على مخيم اللاجئين السودانيين في أوغندا
تطورت أحداث العنف في مخيم كرياندنغو شمالي أوغندا بشكل متسارع، وكررت مجموعة تحمل الأسلحة البيضاء الهجوم على المخيم الذي يؤوي عشرات الآلاف من اللاجئين السودانيين للمرة الثانية السبت 12 تموز/يوليو 2025.

13 إصابة بينها حالتا وفاة بضربات الشمس بولاية البحر الأحمر
كشفت اللجنة الفنية للطوارئ الصحية بوزارة الصحة ولاية البحر الأحمر، عن تسجيل 13 حالة إصابة بضربات الشمس، بينها حالتا وفاة بولاية البحر الأحمر.

سيول مفاجئة تتسبب بنزوح عشرات الأسر في شمال دارفور
أعلنت مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة أن السيول الناجمة عن أمطار غزيرة اجتاحت بلدة دار السلام في ولاية شمال دارفور خلال يومي 14 و15 تموز/يوليو الجاري

زيادة جديدة في الدولار الجمركي تحدث سخطًا في أوساط المستوردين بالسودان
قال متعاملون في التخليص الجمركي، إن الحكومة نفذت زيادة جديدة في التعرفة الجمركية الخاصة بعمليات الاستيراد، برفع القيمة من ألفي جنيه إلى 2400 جنيه اليوم الأربعاء.

الهلال والمريخ يعتذران عن خوض نهائي كأس السودان
أعلن ناديا الهلال والمريخ في بيان مشترك، أمس الثلاثاء، اعتذارهما عن خوض مباراة نهائي كأس السودان، المقررة في 26 تموز/ يوليو الجاري على ملعب بورتسودان، مبررين ذلك بجملة من التحديات التي رافقت مشاركتهما في البطولات خلال فترة الحرب.