حرب السودان.. مستقبل غامض وحاضر مشتعل
15 أبريل 2025
تدخل الحربُ في السودان عامها الثالث دون أفق حلول واضح، حيث انقضى عامان كانت حصيلتهما انهيار هائل في البنية التحتية، قتلى بمئات الآلاف، بينما يخيِّم شبح الجوع على الملايين الذين فقدوا مصادر دخلهم وظلوا عالقين في مخيمات النزوح ودور الإيواء أو في منازلهم تتهددهم يوميًا القذائف والتدوين العشوائي والممنهج والقصف الجوي والرصاص الطائش في مناطق الاشتباكات.
هُجّر أكثر من 14 مليون من منازلهم، منهم أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون عبروا الحدود إلى دول الجوار وفق تقارير المنظمة الدولية للهجرة.
عامان مرا واجه فيهما السودانيون أهوالاً وكوارث جعلت حياتهم جحيماً لا يطاق
في بداية العام الحالي فقط، وصل أكثر من ألف هارب من هذه الحرب إلى أوروبا، وفق تأكيد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ نيسان/أبريل 2023، حربًا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 14 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفًا.
يواجه السودانيون أكبر أزمة إنسانية في تاريخهم الحديث، فبعد أن كانت الحرب تشتعل في أطراف السودان، في اقليم واحد، أو اثنين، طالت النيران هذه المرة مركز السلطة في السودان، الخرطوم التي يقطنها ثُلث سُكان السودان تقريبًا بسبب النزوح من حروب الأطراف وتمركز الخدمات في العاصمة المثلثة، لذلك يمكن القول إن الحرب هذه المرة شرّدت نصف سكان السودان وألقت بظلالها الكثيفة على النصف الآخر.
تواجه القوى السياسية والمدنية التي تولت زمام الأمور في السودان عقب سقوط نظام البشير اتهامات كثيفة بالوقوف خلف الدعم السريع، إما بالحياد أو الدعم السياسي المباشر؛ مما جعل مساعيِّها لإيجاد حلول تشوبها شُبهة الانحياز وبذلك فقدت القدرة على أن تكون فاعلة ولا تحقق مبادراتها المطروحة اختراقًا ملحوظًا في ظل تفاقم الكوارث الإنسانية من انتهاكات تطال المدنيين كل يوم في مناطق الحرب، آخرها مدينة الفاشر التي تحاصرها قوات الدعم السريع منذ ما يقترب من العام، ليواجه سُكانها شبح الجوع والعطش، بانقطاع الإمدادات من خارج المدينة التي يصر الدعم السريع على السيطرة عليها حتى لو هدمها على رؤوس قاطنيها، ففي الأيام الأخيرة اجتاحت هذه القوات معسكر زمزم للنازحين مخلفةً 500 قتيل من النازحين بعد قصفه لثلاثة أيام على التوالي.
ورغم استعادة الجيش لمدن ومناطق وقرى عديدة في الفترة الأخيرة، إلا أن هذه المناطق المحررة لا زالت تواجه العديد من الأزمات، فلا زالت عمليات النهب تجتاح بيوت المواطنين الذين لا زال معظمهم في دور الايواء أو مناطق النزوح واللجوء، بسبب شُح وندرة الخدمات فيها بعد دمار كافة مراكز خدمات الكهرباء ومياه الشرب النقية، أثناء الحرب، وبعد تحريرها لا تزال مسيِّرات قوات الدعم السريع تواصل قصف محطات توليد الكهرباء ومحطات البنزين مما جعل معظم مناطق السودان تعيش في ظلام دامس وانقطاع شبكات الاتصال معظم اوقات الحرب في العامين المنصرمين.
غير القتل والانتهاكات والترويع الذي حدث للمدنيين في "حرب 15 أبريل" فلا يزال مستقبل الدراسة المجهول يواجه ملايين الطلاب والتلاميذ الذين توقفوا عن الدراسة منذ بدء الحرب التي لا يعرف أحد إلى متى ستستمر، وكيف ستتوقف، لكن قطاعات الصحة والتعليم والأمن والخدمات تواجه انهياراً تاماً يتهدد حياة ملايين السودانيين، الذين يعيش معظمهم من تكايا ومطابخ ظلت تقدم خدماتها للمواطنين العالقين في بيوتهم بمناطق الاشتباك ولا يستطيعون الوصول إلى إمدادات غذائية ولا يملكون ثمن الغذاء ويقفون في الصفوف طويلاً للحصول على وجبة من هذه المطابخ والتكايا التي قامت بها مبادرات شعبية وفردية لمواجهة شُح وندرة الغذاء في مناطق الحرب.
الانهيار الذي أحدثته الحرب شمل كافة مناحي الحياة، ففي الاقتصاد مثلاً تقول التقديرات الابتدائية للخسائر الاقتصادية بأنها تقدر بنحو 600 مليار دولار وتدمير 20 في المائة من إجمالي الرصيد الرأسمالي للاقتصاد، وتُقدر خسائر الناتج القومي الإجمالي بنحو 33 مليار دولار حيث تآكل بأكثر من 50 في المائة؛ وتدهورت قيمة العملة المحلية الجنيه السوداني بعد الحرب، حيث كان واحد دولار يعادل 600 جنيه قبل الحرب، بينما بات الآن واحد دولار يعادل 2700 جنيه بعد الحرب. أيضاً انهار القطاع الصناعي الذي كان يسهم بنسبة 17 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في السودان بحسب وزارة الصناعة قبل شهرين من نشوب الحرب، وأقرت الوزارة بتوقف 40 في المائة من المصانع في عموم البلاد أي 2655 من جملة 6660 مصنعًا.
رغم تحرير ولاية الجزيرة وولاية الخرطوم لا تزال كثير من الأسر لا تعرف شيئًا عن أحبابها المفقودين في هذه الحرب، هل هم في الأسر، هل قُتلوا ودفنوا في الخفاء، هل لا تزال جثثهم في أماكن بعيدة لم يصلوها بعد، تغيب معلومات مهمة عن المواطنين الذين على ما واجهوه من أهوال يواجهون أيضًا المستقبل المظلم الغامض الذي يكتنف حياتهم في ظل استمرار الحرب، وتغيُّر سرديتها كل مرة، وتعدد أجندتها وغموضها؛ في ظل اتهامات بتورُّط قوى اقليمية ودولية ومحلية في تأجيج الصراع وتغذيته.
الحرب هذه المرة شرّدت نصف سكان السودان وألقت بظلالها الكثيفة على النصف الآخر
عامان مرا واجه فيهما السودانيون أهوالًا وكوارث جعلت حياتهم جحيماً لا يطاق، بدءاً من القتل على الهوية والعرق، الجرائم الجنسية والانتهاكات، التجويع، التغييب القسري، انهيار الخدمات، المستقبل الغامض والمصير المجهول للحياة في أرض الوطن الذي تتهدده الحرب المستمرة بالتمزيق والمحو والضياع، وانسداد الآفاق في حلول تُنهي معاناة شعبٍ لم يطلب من الحياة إلا سُترة الحال، ولكنها باتت في ظل الرعب الذي عشعش منذ الخامس عشر من نيسان/أبريل 2023م في حكم المستحيل؛ فلا الثروات التي في باطن الأرض أغنتهم عن جوعٍ ولا الجيوش التي تمتد على كامل الخريطة أمنتهم من خوف، النيلُ وخيرات الأرض هناك، ومع ذلك، ومع ذلك.
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"
الكلمات المفتاحية

السودان: الحل بالداخل.. لا بالهندسة الخارجية
ها نحن الآن، ومع أول تحرك لإدارة الرئيس ترامب بعد 5 أشهر من توليها السلطة، تعود الولايات المتحدة الأمريكية -بمشاركة السعودية والإمارات ومصر مع استبعاد بريطانيا هذه المرة- لإحياء ما يُعرف بـ"المجموعة الرباعية" في مسعى جديد لتحريك المياه الراكدة ووقف الحرب في السودان

العيد في السودان... قرابين بشرية وأحلام مؤجلة
الأعيادُ هي كرنفالات الفرحة الاجتماعية، وهي المتنفس من كتمة اليومي والعادي والمكرر، ورغم أن طقوس العيد غالباً يحفها التكرار، لكنه تكرار مبهج وظل حنين الناس وانتظارهم لهذه الطقوس وتكرارها مصدراً للفرحة؛ لكن كيف هي الأعياد في ظل الحرب؟

الشمالية في خطاب حميدتي: الحرب مستمرة
في الخطابات الأخيرة لقائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي"، أصبحت مناطق "الشمالية" لازمة رئيسية، تتكرر في مسار تهديدي ثابت بتصعيد الحرب

الواجب المنزلي المُلح لرئيس الوزراء كامل إدريس
في أول خطاب له عقب توليه المنصب الذي ظلّ فارغًا منذ انقلاب 2021، طاف رئيس الوزراء كامل إدريس على مجمل المسائل التي يُتوقّع أن يتحدث عنها كل من يتولّى المنصب في الظروف التي تمر بها البلاد، ولكن من المؤكد أن قطاعًا واسعًا من الناس أنصت إلى مسائل مُلحّة تحتاج إلى المعالجة بشكل عاجل.

تقدّم في حملة تطعيم الكوليرا بالخرطوم وسط دعوات لزيادة الإقبال
بلغت نسبة التغطية التراكمية لحملة التطعيم ضد مرض الكوليرا في خمس محليات بولاية الخرطوم 29% خلال الأيام الثلاثة الأولى من انطلاق الحملة، بحسب ما أعلنت الغرفة الاتحادية لحملة التطعيم، وهي النسبة المستهدفة للفترة نفسها. وتستمر الحملة، التي تستهدف 12 وحدة إدارية، حتى الخميس المقبل الموافق 19 حزيران/يونيو الجاري.

الدعم السريع: أسقطنا طائرة مسيرة بعيدة المدى في نيالا
قالت قوات الدعم السريع إنها أسقطت طائرة مسيرة "طويلة المدى وعالية الحمولة" حلقت في سماء نيالا بولاية جنوب دارفور، مساء الجمعة، 13 حزيران/يونيو 2025.

شجرة الحوصلة
وصلنا إلى البيت المنشود بعد حلول الظلام بقليل. أبهرتني فخامة البنيان، فلم أكن أتوقع في كل الأحوال أن الرجل الذي يقصده صديقي عمر للاستعانة بقدراته يسكن في قصر بهذا البهاء.

أمر طوارئ بتعديل ساعات حظر التجوال في الولاية الشمالية
أصدر والي الشمالية الفريق ركن عبد الرحمن عبد الحميد إبراهيم، أمر طوارئ، بتعديل ساعات حظر التجوال للأشخاص والمركبات في الولاية، لتبدأ من الساعة العاشرة مساء حتى الساعة الخامسة صباحًا.