أبدى سودانيون منتشرون في دول اللجوء، ومن داخل بلادهم التي تجابه حربًا تقترب من إكمال العامين، مخاوفهم من أن تقود سياسات الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، إلى إيقاف برنامج الهجرة العشوائية، الذي يعرف أيضًا بـ"اللوتري"، أو اليانصيب.
أصبح موعد التقديم لـ"اللوتري" موسمًا سنويًا للحالمين بالهجرة داخل السودان
في يوم أمس الإثنين، 20 كانون الثاني/يناير 2025، أعلن عن تنصيب الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، ليكون الرئيس رقم 47 البلاد، ولتكون هذه دورته الثانية في الرئاسة بعد أن حكم البلاد في الفترة ما بين 2017 -2021. وفي يوم التنصيب الجديد، انتشرت في أوساط السودانيين، إشاعة مسنودة إلى أخبار تتعلق بأوضاع المهاجرين في أميركا، مفادها إيقاف برنامج الهجرة العشوائية.
الحلم الأميركي
منذ الإعلان عن برنامج الهجرة العشوائية إلى أميركا "اللوتري"، في العام 1990 من القرن الماضي، تقدم إلى البرنامج الآلاف من السودانيين الحالمين بالهجرة إلى أرض "العم سام"، وتحقيق الحلم الأميركي، مثلما تروج له الثقافة العالمية، التي تقودها وتسيطر عليها الآلة الإعلامية الأميركية.
ومع مرور الوقت، وتفاقم الأزمات الاقتصادية داخل السودان، واتساع استخدام أدوات الاتصال في ظل الثورة الرقمية، أصبح موعد التقديم لـ"اللوتري"، موسمًا سنويًا للحالمين بالهجرة داخل السودان، تنشط فيه استديوهات التصوير، وغرف الإنترنت، والوكالات التي تدعي امتلاكها مفاتيح النجاح.
آدم حسنين، سوداني موجود الآن في السعودية، التي ذهب إليها بعد الحرب في زيارة وبقي هناك حتى الآن، يقول في حديثه لـ"الترا سودان": "عمري الآن فوق الخمسين، لكن قدمت في آخر نسخة من برنامج اللوتري الأميركي، بعد الحرب، ولحظي وصلني قبول، وهو أمر أدهشني، فأنا أحد الأشخاص الذي داوموا على التقديم للوتري، ربما لعقد كامل من الزمان، قبل أن انسحب وأقرر الاستقرار في السودان، بدواعي تقدم العمر وتبدد الأحلام".
يصمت آدم متأملًا حاله، ويتابع قائلًا: "المفارقة المضحكة أو المبكية أن يتم قبول طلبي الآن، وفي هذه الظروف المأساوية التي تمر بها بلادي، لا أعرف حقيقة إن كنت فرحًا بهذا الأمر أو أنني حزين لذلك".
ما اللوتري؟
يُعرف الكاتب المهتم بالشأن الدولي، ناصر النور، برنامج اللوتري بقوله: "هو برنامج الهجرة القانونية إلى أميركا، أو ما يعرف بهجرة اليانصيب "اللوتري"، وبحسب النظام المتبع في البرنامج، تأخذ الولايات المتحدة الأميركية سنويًا أعدادًا هائلة من المهاجرين من مختلف دول العالم".
ويوضح النور أكثر: "هذا العدد المختار يتم برمجته لمقابلة السفارة الأميركية، في كل بلد، عن طريق الأسرة، أو الأفراد المختارين للبرنامج، ويتبع في ذلك ما يسمى ببرمجة المواعيد، ويعني أخذ عدد معين في كل مرة لمقابلة السفارات، بما يشمل القارات والدول من كل العالم، لذا تأخذ الإجراءات بالنسبة لبعض المتقدمين وقتًا أطول من البعض الآخر".
وعن مخاوف بعض السودانيين، ورعايا دول أخرى، من إمكانية إيقاف البرنامج، يقول عامر: "بعودة ترامب، نعم هناك مخاوف والأقوال متضاربة، فهو أشار في خطاب التنصيب إلى الهجرة غير القانونية من الحدود الجنوبية مع المكسيك، لكنه لم يشر إلى الهجرة القانونية أو برنامج اللوتري، ورغم ذلك يتوقع كل شيء من ترامب، فهو كما معروف يأخذ موقفًا متشددًا من المهاجرين، بشكل عام".
بحسب الأنظمة الدستورية في الولايات المتحدة الأميركية؛ الكونجرس هو الجهة الوحيدة التي تمتلك السلطة لإلغاء قوانين الهجرة، بما في ذلك قانون اللوتري.
ويقتصر دور الرئيس على تنفيذ القوانين التي يقرها الكونجرس فقط، وليس إلغاءها. وأي تغيير في قانون الهجرة، مثلًا، يتطلب الأمر عملية تشريعية جديدة، ولكن بإمكان ترامب، مثلما فعل في السابق، أن يمنع مواطني دول بعينها من دخول الولايات المتحدة بأمر تنفيذي.
ووفقًا للدستور الأميركي يتطلب تغيير قانون اللوتري الخاص بالهجرة، إجراء العملية نفسها التي مر بها القانون لكي يصبح ساري المفعول في المقام الأول. فأي تعديل أو إلغاء يتطلب تمرير قانون جديد من خلال الكونجرس. وهذا يشبه تعديل أي قانون آخر في الولايات المتحدة؛ إذ يجب على المشرعين أن يوافقوا على التغيير المقترح.
دوافع نفسية للهجرة
تقول الاختصاصية النفسية والاجتماعية، الدكتورة مروة محمد إبراهيم، إن قضية الهجرة من الناحية النفسية للأشخاص، ترتبط في الأساس بالرغبة في التغيير، لا سيما بالنسبة للأشخاص الموجودين في بيئات فقيرة وأوضاعهم الاجتماعية متدهورة، فهذا أكثر سبب مشجع على التفكير في هجرة المكان والذهاب إلى آخر، وهذه الظروف كما هو واضح تنطبق على السودان.
وتضيف، في إفادة لـ"الترا سودان": "الدول الأوربية لا تتيح الهجرة القانونية مثلما تفعل أميركا، وتدفع الناس إلى المخاطرة بركوب ما يعرف بـ"السنبك" وعبور البحار والمحيطات في مغامرة قد تؤدي إلى الموت، لذا حين سمحت أميركا باللوتري أو الهجرة القانونية، أتاح ذلك للبعض السفر وتغيير مستقبلهم، وهذا يعود لقانونية اللوتري، بما يعني عدم مواجهتك لمشاكل قانونية حين وصولك إلى الأراضي الأميركية، وهذا أيضًا حفز الرغبة لدى الكثيرين للتقديم، وهذا نلاحظه في المحاولات المتكررة دون يأس من الكثيرين في التقديم السنوي للوتري".
وتقول دكتورة مروة، إن إيقاف اللوتري، أو إشاعة إيقافه، تسبب حالة من الإحباط خاصة لمن وجدوا الموافقة مسبقًا هذا العام. وتضيف: "ترامب في خطابه هدد فعلًا المهاجرين غير الشرعيين بإخراجهم من أميركا، ما ساعد في انتشار الإشاعة والاحباط بين الناس".
اختصاصية نفسية: إذا لم يحصل هذا الشخص على "اللوتري"، يحس بأنه "غير كامل"، لذا أنباء مثل إيقاف "اللوتري" أو منعه من دول بعينها تسبب التوتر والإحباط
وترى دكتورة مروة، أن الشخص الراغب في الهجرة، يكون من الناحية النفسية مهيأ إلى أن هذا الخيار هو الأفضل، ويحقق له جميع طموحاته ورغباته، فإذا لم يحصل هذا الشخص على "اللوتري"، يحس بأنه "غير كامل"، لذا أنباء مثل إيقاف "اللوتري" أو منعه من دول بعينها تسبب التوتر والإحباط لمثله.
مع تضاؤل فرص الحلول السلمية في السودان، يفكر الآلاف من السودانيين، في اختيار بلدان بديلة، وإن كان ذلك بشكل مؤقت، في حين يحلم آخرون بالهجرة نهائيًا عن السودان وأفريقيا، والاستقرار في بلد مثل أميركا، مثلما يحدث في حالة آدم، الذي يختم إفادته لـ"الترا سودان" بقوله: "إذا سافرت إلى أميركا، لا أظن أنني سأعود مرة أخرى إلى السودان حتى إن توقفت الحرب، فليس في العمر بقية، كما أن بلادي تمضي في طريق محفوف بالمخاطر قبل أن تستقر من جديد".