10-ديسمبر-2024
لبرهان - حمدوك - وحميدتي

في خضم اشتعال المعارك بمحاور عديدة في سنار وكردفان وشمال دارفور، وفي قلب العاصمة الخرطوم، وفي مناطق متفرقة من ولاية الجزيرة وشمال النيل الأبيض وجنوبه، برزت اتجاهات متعارضة داخل معسكر الجيش الذي يضم قوى متباينة من الأحزاب والجماعات والحركات والمنظومات الاجتماعية. اتخذت هذه القوى أشكالًا تعبيرية متفاوتة حول مطالب الحركات المسلحة، ومشاركة الإسلاميين في القتال، ورهاناتهم المضمرة، إلى جانب ظهور أصوات تغلّب الجنوح إلى السلم واستئناف عملية التفاوض على أسس عادلة.

منذ قيام الحرب، انقسمت المنظومة السياسية على نحو أكثر حدة واحتدامًا. وعوض أن تسعى إلى إيقاف الحرب وتخفيف أضرارها وخسائرها، انخرطت في تبادل الاتهامات بمن أشعلها

وفي المقابل، تصاعدت نبرة النقد تجاه قوات الدعم السريع من قبل تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" على وقع الانتهاكات المنسوبة إلى هذه القوات شبه العسكرية في قرى الجزيرة، مقرونًا بنقد مماثل للجيش وكتائب الإسلاميين. تم التنويه المكثف والتنبيه الدائم بأن حرب نيسان/أبريل ما كانت لتندلع لولا حدوث الانقلاب على سلطة الانتقال المدنية في الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2021م، وتربص قوى النظام السابق وعناصره بحكومة الثورة، تارة بإشعال الأزمات ومفاقمة الأوضاع المضطربة، وأخيرًا بإطلاق الرصاصة الأولى في المدينة الرياضية صبيحة الخامس عشر من نيسان/أبريل 2023م. وما حدث من ملاسنات حادة عبر الفاعلين الشبكيين المدافعين عن الدعم السريع يشير، في المجمل، إلى حدوث تصدعات بائنة في أبنية ما جرى اعتباره تحالفات هشة أملتها ظروف الحرب ورهاناتها وسردياتها المحكية.

حرب معلنة وحلف مستتر

 منذ قيام الحرب، انقسمت المنظومة السياسية على نحو أكثر حدة واحتدامًا. وعوض أن تسعى إلى إيقاف الحرب وتخفيف أضرارها وخسائرها، انخرطت في تبادل الاتهامات بمن أشعلها. مضت نخب الإسلاميين والقوى الاجتماعية المعارضة للاتفاق الإطاري إلى التشنيع على قوى الحرية والتغيير، ليس لمجرد اصطفافها -بحسب اعتقادهم- إلى جانب الدعم السريع، وإنما بسبب "تورطهم" في انقلاب مصحوب بمعركة خاطفة. ولما فشلت خطة الحرب وهدفها المركزي، لجأوا إلى سيناريو الحرب الشاملة، إما لإقرار تسوية تفرض ذات المشروع، أو لتغيير هيكلي عميق عبر أسنة البنادق وعلى حواف ما تحفره من واقع جديد.

بينما ذهبت السردية الأشهر للحرب إلى أن مكونات الإسلاميين داخل الجيش أطلقت الرصاصة الأولى لتوقف مسار الانتقال وتقضي على الدعم السريع الذي مثّل "فيتو" على إمكانية أي انقلاب تحركه طلائعها. وحيال رواية الحرب ورؤية الساسة حولها، نشأ الاختلاف وتباينت الأحلاف. وفوق هذا وذاك، سعى كل طرف للتبرؤ من ظهيره السياسي، وأنكر كل خلّ خليله. بينما صرح قائد الجيش في لقاء عام بعدم احتضان مؤسسة الجيش لفصائل الـ"فلول" وعناصر "النظام البائد"، أقر الفريق ياسر العطا أن للإسلاميين حضورًا داخل تيارات المقاومة الساندة التي تقاتل إلى جانب الجيش في معركته الحالية، عبر أكبر اصطفاف سياسي واجتماعي داعم لموقف المؤسسة وحقانيتها في حماية الدولة، بحسب ما ذكر. وعلى صعيد مغاير، حاول الجنرال حميدتي أن يدفع شبهة التحالف القائم بين تنسيقية "تقدم" وقواته، نافيًا أن تكون لديه صلة مع القيادي ياسر عرمان أكثر من التوافق العام حول المسار الثوري والديمقراطي، ومؤكدًا أنهم في الدعم السريع كيان قائم بذاته لديه رؤيته ومواقفه المائزة عن أي كيان آخر.

مطالب الحركات المسلحة

 أظهرت بعض الوقائع ثقوبًا غائرة في أُطر التحالف السياسي بين الجيش ومن تداعى لنصرته وتأييده من حركات مسلحة، على خلفية ما رشح من تسريبات صحفية حملت حديثًا عن مطالب دفعتها كل من حركة تحرير السودان بقيادة مناوي، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل، بزيادة أنصبتها في السلطة والثروة. الأمر الذي أثار جدالًا وسجالًا كثيفًا حول رهانات القوى المشتركة التي تستميت في الدفاع عن الفاشر وتشارك في معارك الوسط والخرطوم.

عاد السجال مرة أخرى بوقع أشد على خلفية حديث أدلى به الدكتور عبد الحي يوسف لمركز "مقاربات السوري"، نعت فيه الفريق أول البرهان بأوصاف مقذعة، وأرجع الانتصارات التي حظي بها معسكر الجيش في محاور مختلفة إلى كتائب المستنفرين من المقاومة الشعبية. مؤكدًا أن الحرب أعادت الألق للحركة الإسلامية وجعلتها في صدارة المشهد، مما اضطر البرهان أن يرد عليه على رؤوس الأشهاد ويصفه بالشيخ الضلالي والتكفيري، طالبًا من الجهات التي تقاتل على رهانات سياسية وسلطوية أن تسحب عناصرها.

إزاء الحرج الذي أحدثته تصريحات الدكتور عبد الحي يوسف، أصدرت الحركة الإسلامية بيانًا أنكرت فيه صلة الشيخ بعضوية الحركة، موضحة أن فصائل المقاومة تقاتل بصورة موحدة عدوًا صائلًا تحت راية القوات المسلحة بقيادتها المعلنة، وضمن أجندة معركة الكرامة الهادفة إلى حماية الدولة وتحصينها وإنهاء عهود التمردات على سلطانها.

مشروعات التسوية

تنويعًا على ذات المشهد في جبهة الجيش، هرع رهط من أطرافها إلى الانخراط في مشروعات التسوية التي ترعاها أطراف دولية ومنظمات إقليمية في عواصم مختلفة، والتبشير بضرورة إجراء تفاهمات مع كافة القوى السياسية باستثناء المؤتمر الوطني، ومطالبة الإسلاميين بممارسة نقد عميق وصادق لتجربتهم في الحكم، التي تمثل الأزمة الراهنة إحدى خطاياها التاريخية.

أعلن القيادي بالكتلة الديمقراطية مبارك أردول في تصريحات صحفية أن ما جرى من لقاء غير رسمي مع أحزاب فاعلة في تنسيقية "تقدم" رفقة فاعلين معروفين في معسكر السيادة الوطنية مثّل اختراقًا جديًّا، من المأمول أن يحدث توافقًا أعمق حول قضايا الصراع السياسي الذي أنتج الحرب. موضحًا أن وثيقة إعلان المبادئ المقترحة تشكل إطارًا مفاهيميًا لمزيد من الحوار الذي قد ينتهي إلى إخراس صوت المدافع في خاتمة المطاف إذا مضت الأمور إلى غاياتها.

من جانبه، أكد رئيس حزب الأمة - الإصلاح والتجديد، مبارك الفاضل، في مقابلة تلفزيونية أن موقف حزبه الأخير لتغليب التسوية يعود إلى تكلفتها الإنسانية العالية، التي طالت في حدها الأدنى (25) مليونًا ما بين نازح ولاجئ وجائع ومريض، فضلًا عن التقتيل والتعذيب والأسر والإفقار وفقد المداخيل وتوقف عملية الإنتاج. قائلًا إنه سأل الفريق البرهان حول المدى الزمني المتوقع للحرب، فأجاب أنه لا يملك أي مدى زمني. موضحًا أن تقدم الجيش الأخير في محاور مختلفة واستعادة جبل موية وسنجة والسوكي والدندر من شأنه أن يحسن موقف الجيش التفاوضي، باعتبار أن الحرب لا يمكن أن تنتهي إلا على مائدة التفاوض ووفق شروط تسوية مرضية لجميع الأطراف. خاصة أن الدعم السريع أصبح مجرد (عصابات) تسعى للترويع بعد أن خسر رهان استلام السلطة عبر الانقلاب واستلام معسكرات الجيش في العاصمة. وأعرب الفاضل أن التوافق المدني - المدني بين فرقاء الساحة السياسية حال إنجاز الاتفاق السياسي بين أكبر كتلة ضد الحرب سيذهب إلى إقناع كافة الأطراف، بدءًا بقيادة الجيش والدعم السريع والدول الإقليمية الضالعة في الصراع من الخليج والجوار.

لم يكتفِ المباركان (أردول والفاضل)، أشهر دعاة المنهج السلمي بمعسكر السيادة، بالترويج للتسوية السياسية، وإنما انخرطا في نقد مكثف للإسلاميين، ووصمهما بوضع العقبات أمام السلام

لم يكتفِ المباركان (أردول والفاضل)، أشهر دعاة المنهج السلمي بمعسكر السيادة، بالترويج للتسوية السياسية، وإنما انخرطا في نقد مكثف للإسلاميين، ووصمهما بوضع العقبات أمام السلام، والاستثمار في الصراع الدائر بغية استعادة نفوذهم، والاقتراب من تبني سردية الحرب التي تنشط تنسيقية "تقدّم" والدعم السريع في التسويق لها ضمن خطاب المعركة ومعركة الخطاب.  

في المقابل، شهدت الجبهة المدنية التي تقودها تنسيقية "تقدّم" وتدير حلفًا مضمرًا مع قوات الدعم السريع مباينة على صعيد المواقف، بعد عهد متواتر من التوافق الضمني والحلف الصامت على عدة أوجه؛ ليس أولها تبني ذات الرواية والرؤية حول الحرب، والتوقيع على إعلان أديس أبابا الذي اعترف بتكوين إدارات مدنية في مناطق سيطرة الدعم السريع بمعزل عن الجيش، وليس آخرها مباركة سليمان صندل، عضو تنسيقية "تقدّم"، لإنشاء إدارة مدنية في الخرطوم، وبين هذا وذاك العمل على نزع شرعية الجيش، والتقليل من انتهاكات الدعم السريع، والمبالغة في التنديد بانتهاكات الجيش والتشنيع عليه.

وبدت المباينة على أشدها في خطاب قائد الدعم السريع الذي أكد فيه أن الاتفاق الإطاري هو السبب القريب المباشر في إشعال الحرب، في نقض واضح للسردية الشهيرة بأن الإسلاميين هم من أطلقوا الرصاصة الأولى بغرض إعاقة مسار تنفيذ الاتفاق الإطاري، وهو ما جعل الناشط الشبكي الربيع عبد المنعم، المؤيد للدعم السريع، يصف تنسيقية "تقدّم" بأنها ضمن قوى "دولة 56" التي هي خصم بنيوي لمشروع التغيير، ومضى إلى ترجيح خيار التحالف مع الإسلاميين، بحسبانهم أكثر صدقًا ومثابرة وجدية، بحسب وصفه. ذاكرًا ومذكّرًا بأن التضحيات التي يبذلها جنود الدعم السريع لن تكون مهرًا لتدوير سلطة (قحت)، التي هي وجه من وجوه دولة (56).

وفي سياق متصل، ذكر يوسف عزت، المستشار السابق لقائد الدعم السريع، أن استناد تنسيقية "تقدّم" إلى رمزية وشرعية ثورة ديسمبر يتناقض مع واقع الحرب، الذي بذلت فيه قوات الدعم السريع جهودًا وتضحيات كبيرة لإقرار مشروع التغيير.

ومن جهة أخرى، دعت رشا عوض، الناطق الرسمي باسم تنسيقية "تقدّم" سابقًا، القوى المدنية للابتعاد عن تأييد السلطات والإدارات المدنية التي تقيمها قوات الدعم السريع في مناطق هيمنتها، والحفاظ على موقف الحياد الذي أعلنته منذ بدء الحرب.

وفيما يبدو، فإن تباين الآراء، ليس في تأييد سلطات داخل مناطق سيطرة الدعم السريع، وإنما في المشاركة فيها، لتمضي هذه الآراء في الاختلاف بين مجموعات متباينة؛ ما بين من يرى أن "تقدّم" ستكون محض أداة في مشروع الدعم السريع، وبين من يرى أن الدعم السريع ستمتثل للمشروع الذي ستطرحه "تقدّم". وهو نقاش خرج من الغرف المغلقة إلى فضاءات الإعلام.

مفارقة السرديات

المفارقة التي حملتها مفاعيل الحرب، التي تجري على جغرافيا واسعة ورمال متحركة، أن بعض القوى المؤيدة للجيش باتت أقرب لتبني السردية المضادة لما أسست عليه مواقفها وخطابها، في مقابل اتجاه العناصر المؤيدة للدعم السريع لتبني سردية متعارضة مع ما ظلت تروج له ضمن آلتها الإعلامية المخدومة.

د. محمد فقيري: تحالفات القوى السياسية السودانية مع القوى العسكرية، ممثلة في الجيش أو الحركات الحاملة للسلاح والمتمردة على السلطة المركزية، كانت جزءًا من السياق السياسي التاريخي لمرحلة ما بعد الاستعمار

وفي هذا السياق، ويرى الدكتور محمد فقيري، أمين الفكر السابق بالمؤتمر الشعبي، أن تحالفات القوى السياسية السودانية مع القوى العسكرية، ممثلة في الجيش أو الحركات الحاملة للسلاح والمتمردة على السلطة المركزية، كانت جزءًا من السياق السياسي التاريخي لمرحلة ما بعد الاستعمار في السودان. وللمرء أن ينظر إلى تحالفات اليسار مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة الراحل جون قرنق، بالضد من السلطة المركزية، بينما تمترست الحركة الإسلامية، بزعامة الراحل الترابي، وراء الجيش في مرحلة ما بعد النميري.

لقد تحالف الإسلاميون مع الجيش في تلك المرحلة بوحي من حس الدولة في وعيهم السياسي –وفق رأي فقيري– وفي ظنهم أن شوكة الجيش تقابل شوكة الخارج المتآمر عليهم، الكاره للإسلام أبدًا. بينما يأتي تخندق اليسار السوداني في معسكر قرنق بعد بوار تجربة الحزب الشيوعي مع نظام جعفر نميري العسكري، والذي انتهى بقطع رؤوس قادة الحزب. فجاؤوا لهذا التحالف من باب الكراهية لمؤسسة الجيش مع سخطهم الشديد على تمدد الحركة الإسلامية، حيث أضحت ثالث قوة انتخابية في السودان بعد الطائفتين المعروفتين.

مظان الهشاشة

ويعتقد الدكتور فقيري أن هذه التحالفات في أغلبها تكتيكية، لأن المفارقة بين المدني والعسكري لم تجد العناية بالنظر الفاحص من كلا الطرفين السياسيين. فها هو الترابي يخرج على تحالفه مع العسكر، ويرى استحالة التقاء مشروعه الفكري مع تلك البنية الموروثة من المستعمر. كما أن من ظلوا على تحالفهم مع المؤسسة العسكرية من الإسلاميين اضطرتهم متغيرات الظروف إلى الوقوف ذات موقف الترابي من البشير، رأس المؤسسة العسكرية. لينتهي ذلك التحالف بانقلاب القوى الأمنية والعسكرية على كامل الإسلاميين.  

يبقى إذن التحالف بين الإسلاميين والجيش مجرد التقاء مصالح مؤقت أكثر منه تحالفًا استراتيجيًا، كما يدعي الخصوم، يعود بالإسلاميين إلى السلطة. وبحسب ظن فقيري، فإن الإسلاميين مُكرهون على هكذا تحالف بعد سقوط نظامهم؛ فقد أصبحوا في وضع لا يُحسدون عليه، خاصة مع محيط إقليمي يتربص بهم الدوائر. لذلك نجدهم سكتوا عن خياراتهم ورؤاهم، إن صح امتلاكهم لها، ففي سقوط الإنقاذ علامات للإفلاس السياسي والفكري مهما كانت المبررات.

لذلك فإن رهانات التيار الإسلامي في عمومه مضطربة اضطراب عقدهم السياسي نفسه، وهم في مخاض الانتقال. لذلك فإن الرهان على المؤسسة العسكرية وحده يبقى رهانًا على المجهول، خاصة وأن المؤسسة نفسها تجاهد كيما تستعيد قدراتها كما في السابق، بين يدي تعاظم القوى الحاملة للسلاح في السودان. ولعل في ترديد مقولات من شاكلة "إسلامية الجيش" إزعاجًا له، إذ أن فاتورة التيار الإسلامي أضحت باهظة جدًا، ويسعى العسكر إلى تجنبها تمامًا.

والهشاشة أكثر ما تكون وضوحًا في تحالف تقدُّم مع الدعم السريع، فقوى تقدُّم تعرف أن الدعم السريع مدان بجرائم ضد الإنسانية، وهي تعتقد إمكانية امتطاء ظهره بقيود تلكم الجرائم، خاصة مع دعم المجتمع الدولي لها كقوى مدنية ديمقراطية. لذلك، لا تأبه للدعم السريع كثيرًا، إذ المطلوب في نظرها كسر شوكة الجيش بما يعزز قبضتها على السلطة. أما الدعم السريع فهو يراها مجرد غطاء سياسي، متى دانت له السلطة نفض يده منها. والغريب أن في تجربة الحركة الشعبية قرنق مع القوى السياسية المتحالفة معه عبرة؛ فقد مضى إلى اتفاق نيفاشا دون أن يستصحبهم معه ليضمن له سلطة على كامل الجنوب السوداني، بينما وجدت تلك القوى نفسها أسيرة محاصصة محدودة النفوذ.

ويخلص فقيري إلى نتيجة يحملها الواقع في أقسى تجلياته، وهي ضعف القوى السياسية في عمومها، مع تصدُّر القوى العسكرية وتلك الحاملة للسلاح المشهد بأكمله.

تحالفات سياسية واجتماعية

من جانبه، ويرى هشام عثمان الشواني، الأمين السياسي لحركة المستقبل، أن الأطراف التي تقاتل مع الجيش لديها مصلحة عمومية مشتركة في بقاء الدولة من حيث هي دولة في الأساس، ثم تأتي مسألة السلطة في مرتبة ثانية. ويعتقد هشام أن الحرب تأخذ منحى وجوديًا لدى كثير من الأطراف. ومن المتوقع أن تطالب بعض الجهات بمزيد من السلطة، وهو منحى خاطئ، ولا يجب أن يتم الربط بين الحرب كدفاع عن الدولة وبين محاصصة في السلطة، بحسب وصفه.

يستطرد الشواني: "لكنني لست متخوِّفًا؛ فالحرب شكَّلت تحالفًا عميقًا سياسيًا واجتماعيًا بين كافة الأطراف الداعمة للدولة والجيش. مسألة الإسلاميين بالنسبة لنا لا نطرحها مقابل السلطة، ولا يوجد حزب إسلامي واحد يستطيع أن يقول إن من يقاتلون اليوم هم عضويته وأبناؤه. هؤلاء أبناء كل السودان، والروح الإسلامية والوطنية جزء من تكوينهم. غالب تنظيمات الإسلاميين، خصوصًا الأكثر شبابًا وحيوية، يتحدثون باعتدال عن التوافق الوطني والانتقال المتدرج. للأسف، هناك بعض الانتهازيين السياسيين ممن غيَّروا مواقفهم عدة مرات منذ بداية الحرب، وبعضهم شارك في اجتماعات جنيف الأخيرة. هؤلاء تحرِّكهم بوصلة المصلحة الضيقة بشكل فج ومباشر ومكشوف. لكن عمومًا، الخير أكثر من الشر في المشهد العام".

هشام الشواني: جبهة الجيش تشهد تحالفًا استراتيجيًا واعدًا، ومن مصلحة البلاد أن يتعمق ويتوسع ليشمل الحزب الشيوعي وبعض فصائل اليسار

وبخصوص دعوة مبارك الفاضل لعمل اختراق ما مع دولة الإمارات وتحييدها، يرى الشواني أن هذا الأمر يأتي مع تقديم الإمارات لما يستدعي ذلك، بداية من أن ترفع يدها عمليًا عن مليشيا آل دقلو. وقتها، يمكن للحكومة أن تناقش معها سبل التسوية، إما بالمحاكمات أو بطرق أخرى. لكن طالما تمادت الإمارات، فلا حل غير مواجهتها وفضحها وكشفها وهزيمة المليشيا التابعة لها.

ويعتقد الأمين السياسي لحركة المستقبل أن جبهة الجيش تشهد تحالفًا استراتيجيًا واعدًا، ومن مصلحة البلاد أن يتعمق ويتوسع ليشمل الحزب الشيوعي وبعض فصائل اليسار. الغاية من ذلك هي الوصول إلى تفاهم استراتيجي يمكن البلاد من عقد اجتماعي مؤسَّس بعمق وثوابت وطنية تؤطر الصراع السياسي، وهو خلاف تحالف تقدُّم والدعم السريع الذي تؤكد عليه الوثائق والمواقف المشتركة، رغم مزاعم الحياد. وأوضح أن تحالفهما وتفاهمهما حقيقي وقائم على عدة مستويات بين الدعم السريع وجماعة تقدُّم. وهو منسجم إلى حد كبير، ويعمل بتناغم وتسهيلات خارجية كبيرة، وتكامل للأدوار. رغم ذلك، تستمر الهزائم العسكرية التي يتعرض لها الدعم السريع، وتزداد عزلة جماعة تقدُّم عن الشعب السوداني، والرأي العام نحوهم سلبي جدًا. "هم في ورطة حقيقية"، بحسب تعبيره.

ويشير الشواني إلى ما تفجَّر مؤخرًا بخصوص تأييد مجموعة من تنسيقية تقدُّم لتكوين حكومة داخل مناطق سيطرة الدعم السريع، بأن الموضوع يعكس عمق الصراع بين وجه تقدُّم التابع تمامًا لسياسات الإمارات بجانب جماعات من المجتمع المدني. يقول: "شخص مثل عبد الله حمدوك يرغب بشدة في حكومة مثل هذه". وبحسب الشواني، فهناك جيوب في تقدُّم ترفض ذلك المقترح، وهي تشعر بالضغط الكبير من الرأي العام، ولا ترغب في خسارة إضافية لخسارتها السابقة. ويمضي بالقول: "عمومًا، أنا أظن أنهم في حالة ضعف رغم كل الدعم والتسهيلات التي يتلقونها".

ختامًا، لقد أفرغ كثير من أهل النظر كنانة نقدهم في نخب ما بعد الاستعمار بأجيالها المختلفة وشواغلها الشاغرة التي أبدَّت البلاد في دورة من الصراع والاعتراك في غير معترك، لتأتي حرب أبريل كاشفة لمقدار الهشاشة في ثنايا أحلافها وتنقلها بين المواقف المتعارضة، التي يتحول الفاعلون فيها من النقيض إلى النقيض مقابل أثمان زهيدة ورهانات خاسرة.