14-فبراير-2021

الخرطوم (Pinterest)

من بين ثلاثة عقارات معروضة للإيجار؛ لم يتمكن موظف يبحث عن منزل للإقامة بالإيجار في ضاحية الصحافة شرق بالخرطوم، من الاتفاق مع ملاكها الذين طلبوا (60) ألف جنيه، بينما اكتفى  هذا العامل في القطاع العام بتحديد (35) ألف جنيه شهريًا.

يرفض ملاك العقارات التعامل بالجنيه ويفضلون الدولار

وفي ظل صعود مستمر لقيمة إيجارات المنازل في ولاية الخرطوم بمدنها الثلاث والتي تتراوح بين (40) ألف جنيه إلى (50) ألف جنيه لمنزل صغير في وسط الخرطوم؛ يضطر العديد من الموظفين وذوي المداخيل المالية المحدودة، إلى التخلي عن الإقامة بالإيجار والبحث عن بدائل جديدة. وتلعب الهجرة إلى خارج البلاد دورا رئيسيًا في حسم الخيارات للنجاة من صعوبة السكن في العاصمة.

اقرأ/ي أيضًا: التعايشي: الحكومة أجمعت على تسليم مطلوبي الجنائية وعلى رأسهم المخلوع

وأبلغت وكالة عقارات الموظف الذي يبحث عن مسكن لعائلته، أن عروض إيجار المنازل شحيحة ولا يمكن خفض قيمة الإيجار لمنزل يقع في ضاحية جبرة جنوب الخرطوم إلى (30) ألف جنيه، ففي وقت يشهد سوق العقارات سيما قطاع الإيجار شحًا كبيرًا في الخرطوم؛ ترتفع قيمة الإيجار الشهري بنسبة (50)% شهريًا متأثرةً بتقلبات سعر الصرف.

ويقول متعامل في وكالة عقارات جنوب الخرطوم في ضاحية جبرة، لـ"الترا سودان"، إن المنازل المعروضة للإيجار تكاد تكون معدومة لأن لا أحد يعرض منزلًا للإيجار بقيمة ثابتة، بينما تشهد الأسواق ارتفاعًا في جميع مشتقات الحياة.

وتنهض مبان شاهقة باضطراد في الخرطوم بالميادين والساحات التي تحولت إلى مخططات سكنية في عهد النظام البائد، ورغم الأزمة الاقتصادية التي ألقت بتأثيراتها على خطة تشييد المساكن؛ إلا أن التضخم يُغري المستثمرين بإيداع أموالهم في بيع وشراء العقارات، سيما في العاصمة، حيث يُباع منزل في أحيائها الراقية والمتوسطة بحوالي ثلاثة ملايين دولار، و يقول اقتصاديون إن هذه القيمة فلكية وغير منطقية وتعادل شراء ثلاثة شقق في دولة مثل تركيا.

بينما يُعرض على باحثي مساكن الإيجار شقق سكنية مفروشة بسعر يصل إلى أربعة آلاف جنيه يوميًا، ولا يقل عن ثلاثة آلاف جنيه؛ لكنها تُستغل للإقامة من الشركات والقادمين من الولايات لعلاج مرضاهم أو من قدموا من خارج البلاد في عطلات سنوية أو للمتزوجين حديثًا والبعثات الدبلوماسية وموظفيها الكبار.

اقرأ/ي أيضًا: مباحثات بين الجنائية الدولية والسودان حول خيارات تسليم المطلوبين

ويكتنف الغموض -بحسب متعاملين- سوق العقارات وقطاع الإيجارات بولاية الخرطوم في ظل تقلبات سعر الصرف وخشية الملاك من بقاء قيمة الإيجار دون زيادات تواكب الأزمة الاقتصادية، ما يدفعهم إلى تحويل منازلهم إلى شقق مفروشة حيث يعتبرونها استثمارات آمنة.

يميل ملاك العقارات إلى تحويلها إلى شقق مفروشة وإيجارها بمبالغ فلكية

وفي حي "الخرطوم-2" وسط العاصمة، يتم حساب إيجار الشقق الواقعة في الأبراج السكنية الجديدة بسعر صرف الجنيه مقابل الدولار الأمريكي في السوق الموازي، أي أن شقة سكنية في هذه المنطقة تستأجر بقيمة (250) ألف جنيه، والشقق الصغيرة بقيمة (150) ألف جنيه.

أما في قطاع البيع والشراء، فإن أسواق العقارات تشهد نشاطًا مضطردًا في الشهور الأخيرة، وفي بعض الأحيان تُبرم الصفقة بالعملات الأجنبية مثل الدولار الأمريكي أو الريال السعودي.

ويقول متعاملون، إن الأزمة الاقتصادية فاقمت مع مشاكل قطاع العقارات، وبينما تباطأ النمو العقاري في العامين الأخيرين؛ ارتفع الطلب على السكن نتيجة توسع العاصمة من حيث السكان القادمين من الولايات وخارج البلاد، خاصة من تم تسريحهم من العمل جراء تدابير جائحة كورونا.

ويتراوح سعر المتر المربع في قلب الخرطوم من (1500) دولار وحتى (2000) دولار أمريكي، ويصر بعض الملاك على إنهاء الصفقة بالنقد الأجنبي لتجنب تآكل العملة الوطنية والتي تخسر المزيد من قيمتها بشكل أسبوعي في السوق الموازي نتيجة شح العملات الصعبة لدى البنك المركزي.

ولا تتدخل الحكومة في النشاط العقاري، لا من ناحية الرقابة أو من ناحية تقديم تسهيلات في خفض الرسوم والضرائب والجمارك المفروضة على مواد البناء، كما أن زيادة موازنة العام 2021 الضرائب والجمارك في السلع المستوردة لمشتقات البناء بنسبة (30)%؛ أدى إلى تعميق أزمة العقارات.

وتوضح خبيرة التنمية الاجتماعية وقضايا النزوح، إيمان أبوضامر، في حديث لـ"الترا سودان"، أن الخرطوم مثل "بالونة بلاستيكة" تتسع يوميًا بفعل النزوح والصعود المستمر لحركة السكان نحو العاصمة طلبًا لكسب العيش أو الحماية الأمنية.

اقرأ/ي أيضًا: اقتصادي: وزيرة المالية السابقة متخبطة في تعاملها مع الاقتصاد

وترى أبوضامر، أن الرغبة مُلحة في الولايات للتوجه نحو الخرطوم نتيجة الانهيار المستمر للبنيات التحتية في الأقاليم واتساع الفارق بين القرية والمدينة وتوفر البنية التحتية والخدمات بشكل نسبي في العاصمة.

خبيرة في التنمية الاجتماعية وقضايا النزوح: من الطبيعي أن يجذب سوق العقارات الملايين الذين يبحثون عن المأوى

وتضيف أبوضامر: "من الطبيعي أن يجذب سوق العقارات الملايين الذين يبحثون عن المأوى بسعر زهيد ويقطنون في الأطراف، ومن لديهم المال يسكنون وسط المناطق الواقعة في مدن الخرطوم الثلاث".

وتابعت إيمان أبوضامر: "وقعت زيادة غير مسبوقة في حركة النزوح السنوات الماضية، مثلًا أصبحت منطقة أمبدة في أم درمان تشبه ولاية كاملة، ولكن في نفس الوقت هناك شح في الخدمات ويحدث انتقال من حي إلى أحياء تقع نسبيًا في وسط العاصمة طلبًا للخدمات الجيدة والتي هي الأخرى تقدم بالمال".

اقرأ/ي أيضًا

مجلس السيادة: مراسيم دستورية خلال أسبوعين لتشكيل أقاليم البلاد

"مركزي قحت": برنامج حمدوك عبارة عن عموميات ويجب إجازة قانون الأمن الداخلي