تغييرات في كابينة الجيش السوداني.. ماذا وراء التعيينات والإقالات؟

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، أصدر رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبدالفتاح البرهان قرارات مفاجئة أعادت هيكلة الجيش السوداني. وبعد إحالة ضباط لعبوا دورًا محوريًا في حرب نيسان/ أبريل 2023، انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض. فما هي دوافع هذه القرارات؟ وما تأثيرها على مسار الأحداث في السودان؟

أصدر البرهان، الإثنين 18 آب/ أغسطس الجاري، قرارات بتغييرات في رئاسة أركان القوات المسلحة السودانية، وهي الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب في منتصف نيسان/ أبريل 2023.

وجاءت هذه التغييرات بعد يوم واحد من إعفاء عدد من كبار ضباط الجيش من مناصبهم، وإحالتهم إلى التقاعد، إلى جانب ترقية آخرين إلى رتب أعلى.

شملت القرارات تعيين الفريق طبيب زكريا إبراهيم محمد أحمد مديرًا للإدارة العامة للخدمات الطبية، واللواء ركن عمر سر الختم حسن نصر قائدًا لقوات الدفاع الجوي

أبقى البرهان على الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين رئيسًا لهيئة الأركان لدورة جديدة، وهو في المنصب منذ العام 2019. كما عُيّن الفريق الركن مجدي إبراهيم عثمان خليل نائبًا لرئيس هيئة الأركان للإمداد، والفريق مهندس د. ركن خالد عابدين محمد أحمد الشامي نائبًا لرئيس هيئة الأركان للتدريب.

وبقي الفريق ركن محمد علي أحمد صبير في منصبه رئيسًا لهيئة الاستخبارات العسكرية، فيما جرى تعيين الفريق ركن مالك الطيب خوجلي النيل نائبًا لرئيس هيئة الأركان للعمليات، والفريق ركن معتصم عباس التوم أحمد مفتشًا عامًا للقوات المسلحة، والفريق طيار ركن علي عجبنا محمد قائدًا للقوات الجوية.

كما شملت القرارات تعيين الفريق طبيب زكريا إبراهيم محمد أحمد مديرًا للإدارة العامة للخدمات الطبية، واللواء ركن عمر سر الختم حسن نصر قائدًا لقوات الدفاع الجوي.

إلى جانب ذلك، أصدر القائد العام للقوات المسلحة قرارات بالترقيات والإحالات للتقاعد، شملت الفريق ركن عباس حسن الداروتي بترقيته إلى رتبة فريق أول ثم إحالته للمعاش، وكذلك ترقية الفريق ركن عبد المحمود حماد حسين عجمي إلى رتبة فريق أول وإحالته للتقاعد، إضافة إلى ترقية الفريق طيار ركن الطاهر محمد العوض الأمين إلى رتبة فريق أول وإحالته للتقاعد أيضًا.

نصر الدين والمنصوري

بعث قائد سلاح المدرعات السابق الفريق نصر الدين عبد الفتاح،  رسالة  في مجموعة الدروع على تطبيق الواتساب، مودعًا جنوده بسلاح المدرعات، بعد قرار ترقيته إلى رتبة فريق وإحالته للتقاعد.

وقال نصر الدين: "جنودي الأحباء البواسل، اليوم أترجل بعد رحلة عمر قضيتها بينكم، حملت فيها البندقية دفاعاً عن وطن عزيز لا يساويه شيء في الدنيا".

بعد صدور قرارات إعادة هيكلة الجيش السوداني، انتشرت صور ومواقف لضابطين كان لهما دور كبير في صد الهجوم على القيادة والمدرعات: اللواء نصر الدين قائد المدرعات، واللواء نادر محمد بابكر المعروف بـ"المنصوري" قائد الحرس الرئاسي. وقد نالا إشادات واسعة لدورهما في الحفاظ على وحداتهما من السقوط.

خبير عسكري: التغييرات في قيادة الجيش روتينية وعادية، وما يثار عن ارتباطها بمفاوضات سويسرا أو إزاحة الإسلاميين غير صحيح

ويشير مراقبون إلى أن هذه القرارات جاءت عقب مفاوضات أجراها البرهان مع مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية، مسعد بولس، في سويسرا يوم الإثنين 11 آب/ أغسطس الجاري، حيث بحث الطرفان مقترحًا أمريكيًا لإرساء السلام في السودان، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار وتأمين وصول المساعدات.

تحفظات القيادة

في المقابل، أكدت مصادر عسكرية لـ"الترا سودان" أن القرارات التي أصدرها البرهان بإعادة هيكلة الجيش وإحالة ضباط إلى التقاعد، إجراءات روتينية لا علاقة لها بمفاوضات سويسرا كما يروج البعض.

وأوضحت المصادر أن التغييرات تأخرت كثيرًا بسبب الحرب ضد قوات الدعم السريع، مشيرة إلى أن غالبية الضباط الذين أحيلوا إلى المعاش كانت عليهم تحفظات من القيادة العامة، بسبب سقوط الفرق والألوية التي كانوا يقودونها، إلى جانب فشلهم في المهام الموكلة إليهم، بحسب الإفادات.

إحالات روتينية

يقول الخبير العسكري اللواء عوض عبد الرحمن لـ"الترا سودان": "التغييرات في قيادة الجيش روتينية وعادية، وما يثار عن ارتباطها بمفاوضات سويسرا أو إزاحة الإسلاميين غير صحيح. فلا وجود لمراكز قوة للإسلاميين داخل الجيش."

وأضاف أن قادة الجيش الحاليين ليست لهم انتماءات سياسية، وانتماؤهم فقط للمؤسسة العسكرية، مشيرًا إلى أن المناصب التي شملتها التغييرات بقيت دون تغيير لسبع سنوات، وهي فترة كبيرة جدًا ولم تحدث في تاريخ الجيش، ولكن حدثت هذه المرة بسبب ظروف الحرب التي تمر بها البلاد.

وأوضح أن هناك ترهلًا وظيفيًا في الرتب الوسيطة، وكان لا بد من إجراء الإحالات والترقيات وفق القانون العسكري. ولفت إلى أن أكثر من 20 لواءً تمت إحالتهم للتقاعد، ولم يكن الأمر مفاجئًا لهم، إذ يعرفون القوانين واللوائح، بحسب ما أفاد.

وعن إحالة ضباط لعبوا دورًا بارزًا في الحرب، قال عبد الرحمن إن بعضهم أداؤه كان ممتازًا، لكن بسبب خلافات واحتكاكات مع القادة تمت إحالتهم للمعاش، بحسب ما صرح به الخبير العسكري.

وخلص عبدالرحمن إلى أن الإحالات لا تؤثر على أداء القوات المسلحة، مؤكدًا أن كشوفات الترقية والإحالة تمر عبر تراتبية إدارية واضحة، حتى تصل إلى القائد العام.

مسار جاد

من جهته، اعتبر القيادي بحزب الأمة القومي وتحالف "صمود"، صديق الصادق المهدي، أن الخطوات الأخيرة التي اتخذها البرهان تمثل "مسارًا جادًا للتعاطي مع استحقاق السودانيين للسلام وإعلاء المصلحة الوطنية"، بحسب وصفه.

وقال المهدي في تغريدة على منصة "إكس" إن إحالة ضباط ذوي "انتماءات صارخة" تسهم في ترسيخ مهنية المؤسسة العسكرية وحيادها، وتمنع استخدام السلاح لتصفية الخصومات.

وأضاف أن الإجراءات "مرحلية ومؤقتة" لحين الوصول إلى سلام شامل، مشددًا على أن أهميتها تتجاوز حسابات المكسب والخسارة الآنية، إذ تعكس "المصلحة الوطنية العليا"، وتحمل بارقة أمل للسودانيين في الاستقرار والسلام.

خبير استراتيجي: قرارات البرهان القرارات لمعايير أمنية وفنية دقيقة لا سيما في ظل الحرب

إعادة تشكيل

أما الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي أحمد عمر موسى، فرأى أن قرارات البرهان الأخيرة شملت ترقيات وإعفاءات وإعادة تشكيل هيئة القيادة، وجاءت في سياق أحداث وتطورات سياسية وعسكرية.

وقال موسى لـ"الترا سودان": إن أهم تلك الأحداث زيارة البرهان إلى سويسرا ولقاءه  مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية مسعد بولس فتحت الباب أمام تأويلات عديدة، لكن مثل هذه القرارات عادةً ما تتخذ دوريًا، ولا يمكن قراءتها بمعزل عن قرار التمديد لرئيس هيئة الأركان، مما يشير إلى انتهاء أجل الهيئة وضرورة إعادة تشكيلها.

وأضاف أن هذه القرارات تخضع لمعايير أمنية وفنية دقيقة، خصوصًا في ظل الحرب. وأشار إلى أن الحديث عن كونها جزءً من صفقة سياسية يجنح إلى الخيال أكثر من الواقع، إذ لا توجد مؤشرات مقابلة من جانب قوات الدعم السريع، بحسب ما أفاد.

ولفت موسى إلى أن زيارة البرهان لرهيد النوبة وكردفان، وزيارة مساعده ياسر العطا للمنطقة نفسها، إضافة إلى تصريحات نائب رئيس جهاز المخابرات عباس اللبيب حول استمرار العمليات، كلها تؤكد أن لا جديد في سويسرا يجبر القيادة على قرارات استثنائية.

وختم موسى بالقول إن القرارات الأخيرة هي "إجراءات دورية جاءت في ميقاتها لتقوية الجيش استعدادًا للمرحلة المقبلة من الحرب، بدحر المليشيا من كردفان ودارفور"، حد قوله.

تساؤلات مفتوحة

وتفتح قرارات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الأخيرة بإعادة الهيكلة أبوابًا للتساؤل: هل ستكون مفتاحًا لهدنة توقف نزيف الدماء؟ أم شرارة لتصعيد جديد يعيد تشكيل مسار الحرب التي تعصف بالسودان منذ منتصف نيسان/ أبريل 2023؟