سياسة

تصريحات قائد الجيش.. تحالفات جديدة تُعبد الطريق نحو القصر

13 فبراير 2025
قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان.jpg
قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان (أرشيفية)
محمد حلفاوي

حدد قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، مناطق عسكرية قال إن آلاف الجنود والضباط من القوات المسلحة دفنوا فيها خلال الحرب المستمرة منذ (22) شهرًا، ضمن تصريحات في اللقاء الذي أجراه مع أعضاء الكتلة الديمقراطية في بورتسودان السبت 8 شباط/فبراير 2025، وكأنه يُذكر الجميع أن الجيش هو الأكثر تضحية خلال الصراع المسلح.

يتوقع محللون سياسيون أن تكون الفترة القريبة القادمة حبلى بالمفاجآت التي قد تكشف عن حكومة جديدة في الخرطوم

تصريحات البرهان التي كانت تشبه الخطاب السياسي لما بعد المعركة وخريطة الطريق للمرحلة القادمة في البلاد جاءت في لقاء مع الكتلة الديمقراطية المنشقة عن الحرية والتغيير "المجلس المركزي" قبل ثلاثة أعوام، وربما أراد قائد الجيش القول إن القوات المسلحة قدمت آلاف الشهداء خلال الحرب، مشددًا على عدم المزايدة من بعض الأحزاب السياسية بما في ذلك حزب المؤتمر الوطني "المحلول" الذي خصه بالاسم.

يمكن وصف تصريحات البرهان بأنها حالة افتراق بين الإسلاميين والجيش كما يقول الباحث السياسي مجاهد أحمد، أو نوع من التوضيحات العاجلة للداخل والخارج أن الجيش لا يأتمر لأي حزب سياسي وخاض حربه بدوافع وطنية.

هدوء الجنرال

لم يكن البرهان خلال تصريحاته التي تعمد فيها إرسال رسائل للمجتمع الدولي والمجتمع السياسي المدني السوداني منزعجًا، بل بدا الجنرال الذي نجا من الخطر المحدق بعملية بطولية لقوات الحراسة وعناصر التأمين في الساعات الأولى لاندلاع القتال في القيادة العامة للجيش منتصف نيسان/أبريل 2023 وكأنه ينفض عن نفسه غبار المعركة، ويستعد لجولة طويلة من تصعيد طموحه السياسي المقترن بالتطورات الميدانية باقتراب السيطرة الكاملة على العاصمة وكردفان والنيل الأبيض والجزيرة.

وتقول إسراء حماد الناشطة في العمل الطوعي بالخرطوم بحري لـ"الترا سودان" إن خطاب قائد الجيش السبت 8 شباط/فبراير 2025 في بورتسودان بمثابة خريطة طريق الجنرال الطامح نحو "سلطة ما بعد الحرب" بعد أن شعر باقتراب السيطرة الميدانية للجيش، والدوافع الشعبية للعودة إلى المنازل، واقتصار أمنيات جزء واسع من المواطنين على الاستقرار والأمن.

الاستعداد للانتخابات

وترى إسراء حماد أن البرهان وضع جميع الأطراف السياسية والاجتماعية والحركات المسلحة أمام خيار واحد بالتوافق وتشكيل حكومة مؤقتة إلى حين انعقاد انتخابات خلال عامين أو أكثر.

وأضافت: "القوى السياسية المتحالفة مع البرهان ستكون من الكتلة الديمقراطية والحركات المسلحة، والمجتمع الإقليمي والدولي يرى أن هذه الخطوة ضرورية للاستقرار، وفي نهاية المطاف ستعلن هذه القوى ترشيح الجنرال للانتخابات، ولا يزال البرهان عينه على الروشتة المصرية في وصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في مصر".

وفيما يتعلق بحزب المؤتمر الوطني "المحلول" لم يتطرق البرهان إلى العزل السياسي أو نشاطه السياسي خلال الفترة الانتقالية الجديدة، وفي الوقت ذاته طلب من الحزب الحاكم سابقًا الاستعداد للانتخابات وعدم المزايدة.

وحول إعلان العفو عن السياسيين حال عودتهم إلى البلاد وعدم منعهم من الحصول على جوازات السفر، فإن الجنرال تعمد إرسال رسالة إلى تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية "تقدم"، وفي كل الأحوال فإن الملعب بات خاليًا أمام "تقدم" من وجود المؤتمر الوطني "المحلول" ضمن كابينة الفترة الانتقالية وفق ما يقول مجاهد أحمد، بالتالي من المتوقع استجابة جزء كبير من تحالف "تقدم" لخطاب البرهان.

وأضاف مجاهد: "الحديث عن عدم منع السودانيين من الحصول على جوازات السفر يؤكد رغبة البرهان في جلب القوى المدنية من الخارج، تلك القوى المرفوضة من الإسلاميين، وهذا يعني أن الجنرال بات أقرب إلى القوى السياسية والمدنية على حساب المؤتمر الوطني سيما مع تلميحاته إلى عدم إلغاء الوثيقة الدستورية وإكمالها حتى النهاية".

البحث عن شرعية انتخابية

تتفق آراء المحللين السياسيين والفاعلين في هذا التقرير حول استعداد البرهان للانتخابات لنيل الشرعية الدستورية، ويقولون إن الجنرال يشعر بأن الطريق معبد أمامه مع التحالفات السياسية التي سيجريها خلال الفترة الانتقالية الجديدة.

 ويقول مجاهد أحمد: "اختيار رئيس حكومة مؤقتة أو تصريف أعمال سيكون عبر القوى السياسية والحركات المسلحة والقوى المدنية التي تستعد للتحالف المرتقب مع عبد الفتاح البرهان، في الوقت ذاته لن تكون قادرة على ممارسة السلطة المدينة الكاملة وسيكون الجيش هو الحاكم الأعلى عبر أعضاء مكون السيادة العسكريين إلى جانب سلطات واسعة للبرهان".

بينما ترى إسراء حماد المتطوعة في العمل الإنساني أن البرهان يعتقد أن المواطنين بحاجة إلى الاستقرار، ويمكن استغلال حالة المشاعر الصاعدة والمؤيدة للجيش خلال الحرب لتوطيد حكم الجنرال خلال السنوات المقبلة.

 وزادت بالقول: "هكذا يفكر البرهان ومع ذلك فإن التصدي لنظام شمولي جديد يلوح في الأفق القريب يتوقف على فاعلية الأحزاب والسياسيين والمجتمع المدني ولجان المقاومة".

حول مصير الحرب التي تدور بين الجيش وقوات الدعم السريع تطرق القائد العام للقوات المسلحة في تصريحاته من بورتسودان العاصمة المؤقتة في الثامن من شباط/فبراير 2025، وقال إن السيطرة على الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض وجزء كبير من البلاد "مسألة وقت" مرجحًا استقرار أوضاع واسعة من السودان بفعل سيطرة الجيش بالتالي إمكانية تشكيل حكومة تصريف أعمال من المستقلين.

حديث الجنرال الذي لم يتوقف عن الطواف الميداني للمدن والمناطق المُستردة طيلة الشهور الماضية وضع خيارات أمام حزب المؤتمر الوطني "المحلول" والمقسوم إلى معسكرين بين علي كرتي وأحمد هارون من جانب وبين نافع علي نافع وابراهيم محمود حامد من جهة أخرى.

لن يكون بمقدور حزب المؤتمر الوطني "المحلول" البقاء ضمن توليفة الانتقال في مرحلة ما بعد الحرب في البلاد بالتالي يتعين عليه كما قال الجنرال الذهاب إلى الانتخابات وهذا يعني السماح له بالنشاط السياسي.

إمكانية عودة حمدوك

يقول مجاهد أحمد الباحث السياسي إن ملامح ما بعد الحرب أضحت واضحة أمام الجميع وهي حكومة مستقلة تعمل تحت قيادة القوات المسلحة والتجهيز للانتخابات، مع إمكانية فتح الباب أمام عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السابق لقيادة هذه الحكومة لاستقطاب التمويل الدولي لعملية إعمار ما دمرته الحرب.

وتحدث قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان حول مستقبل قريب ينطلق من العاصمة الخرطوم كمركز الثقل السياسي والاقتصادي، دون الإجابة على سؤال حول كيفية استقطاب التمويل الدولي في ظل عزلة البلاد من المساعدات الاقتصادية.

وفي هذا الصدد يشير أحمد مختار الباحث السياسي أن التشكيلة السياسية العسكرية القادمة التي كشف خطاب البرهان عن ملامحها تضم الجيش والأحزاب السياسية والحركات المسلحة خاصة القوات المشتركة وجزء من تنسيقية "تقدم"، وغالبًا قد يكون عبد الله حمدوك كشخصية توافقية داخليًا وخارجيًا ضمن هذا التحالف حال تحسين البرهان شروط الانتقال السياسي بقدر من المرونة وعدم الاستحواذ على صلاحيات واسعة.

الاستعانة بالوثيقة الدستورية

ويقول مختار لـ"الترا سودان" إن البرهان يرى أنه لا مناص من استئناف الانتقال بالوثيقة الدستورية بالتالي استمرار عزل الإسلاميين والمؤتمر الوطني "المحلول" والاعتماد على التحالفات التي جرت قبل الحرب وبعد انقلاب 2021 مع إضافة بعض القوى السياسية والمدنية من تنسيقية "تقدم" لبث الاطمئنان للمجتمع الدولي والإقليمي أن التحالف السياسي واسع وتوافقي بين السودانيين.

ويعتقد مختار أن حديث البرهان مؤشر لتقليص نطاق الحرب في إطار ضيق ومحاصرة قوات الدعم السريع في دارفور مع حالة الاستقرار النسبي وسط البلاد وأجزاء من كردفان، بالتالي إمكانية تكوين حكومة تصريف أعمال.

باحث سياسي: ثلاثة تحديات تواجه البرهان في فترة ما بعد الحرب

وأضاف: "حسنًا إذا تحقق ما ذهب إليه قائد الجيش السؤال ما هو مصير المؤتمر الوطني، حيث تعتقد عناصره أنهم خاضوا حربًا بلا هوادة ضد الدعم السريع والقوى المدنية في تقدم، هل يمكن أن يكون بينهم اتفاق بعدم المساس بالفترة الانتقالية الجديدة مقابل المشاركة في الانتخابات.. هذا وارد طبعًا".

وختم مختار حديثه بالقول إن هناك عنصرًا لا يزال قادرًا على الفاعلية خلال فترة ما بعد الحرب، سيما لجان المقاومة التي كسرت حاجز الخوف والاعتقال والقتل بالرصاص خلال السنوات القليلة الماضية، بالتالي هناك أوراق قد تفسد "لعبة البرهان" بعودة المواكب إلى الشارع مجددًا.

الكلمات المفتاحية

Sudan Army.png

السودان.. هل يقود صراع الفصائل العسكرية المساندة للجيش إلى الاقتتال؟

في غمرة تقدم الجيش، اندلع تنافس محموم بين الفصائل على النفوذ ومواقع التأثير السلطوي ومراكمة الثروة والاعتبار، فاشتعل خلاف معلن بين القوة المشتركة لحركات دارفور المسلحة وقوات درع السودان من جهة، وبينهما معًا في مقابل كتائب الإسلاميين من جهة أخرى


حميدتي قائد الدعم السريع.png

خطاب حميدتي.. إقرار بالخسائر وتهديد بجولة حرب جديدة  

إن كان هناك تطورات في خطاب قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، مساء السبت 15 آذار/مارس 2025، ربما تكون هذه المرة تهديده بإمتلاك "الدواء المناسب" وكأنه يشير إلى جولة جديدة من الحرب مع الوضع في الاعتبار الحصول على تسليح مختلف.


طلاب في جامعة الخرطوم.jpg

إغلاق الجامعات بالخارج.. هل يعيد الطلاب إلى السودان أم يفاقم الأزمة؟

يحصد قرار وزارة التعليم العالي في السودان بإغلاق المراكز الجامعية خارج البلاد انتقادات من مجالس الجامعات، سيما الخاصة، إلى جانب أولياء أمور الطلاب.


oil_sudan.jpg

جنوب السودان.. مأزق قطرة النفط وصراع السلطة الحاكمة

يقول باحث سياسي إن السودان، أحد ضامني اتفاق السلام في جنوب السودان، لم يعد قادرًا على لعب دور جديد؛ لأنه غارق في صراع مسلح

القصر.jpg
أخبار

معارك ضارية وسط الخرطوم والجيش يحرز تقدمًا نحو القصر 

أحرزت القوات المسلحة تقدمًا جديدًا وسط الخرطوم صباح اليوم، إثر معارك ضارية بدأت منذ الساعة الرابعة وفق مصادر محلية، فيما اضطرت قوات الدعم السريع تحت الضربات الجوية المكثفة وانتشار المشاة بالتراجع الميداني

الجيش 2.jpg
أخبار

القوات المسلحة تعلن التحام المدرعات مع القيادة العامة وسط الخرطوم 

أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة، العميد ركن نبيل عبدالله، التحام جيشي القيادة العامة وسلاح المدرعات عقب السيطرة على منطقة مستشفى الشعب اليوم الاثنين، وهزيمة قوات الدعم السريع.


Sudan Army.png
سياسة

السودان.. هل يقود صراع الفصائل العسكرية المساندة للجيش إلى الاقتتال؟

في غمرة تقدم الجيش، اندلع تنافس محموم بين الفصائل على النفوذ ومواقع التأثير السلطوي ومراكمة الثروة والاعتبار، فاشتعل خلاف معلن بين القوة المشتركة لحركات دارفور المسلحة وقوات درع السودان من جهة، وبينهما معًا في مقابل كتائب الإسلاميين من جهة أخرى

أنشئت بعثة القوة المؤقتة في أبيي في 27 حزيرانيونيو 2011 (Getty).jpg
أخبار

أعضاء بمجلس الأمن يدينون اختطاف قوات الدعم السريع لموظفين أمميين

قال أعضاء بمجلس الأمن الدولي، إن قوات الدعم السريع احتجزت 60 من حفظة السلام الأمميين، واختطفت ثمانية موظفين مدنيين، ونهبت قافلة لوجستية تتبغ لقوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي (يونيسفا)، مكونة من ثماني مركبات و280 ألف لتر من الوقود.