13-يناير-2025
استمرار الاشتباكات في مدينة ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة بين الجيش السوداني والدعم السريع

الجزيرة - ارشيفية

تزامن تحرير مدينة ود مدني، بواسطة الجيش السوداني، مع دعوات سياسية إلى تشكيل حكومة مدنية مساندة لقوات الدعم السريع في مناطق سيطرته، الأمر الذي يقود بدوره إلى طرح أسئلة بشأن مستقبل السودان كدولة موحدة، وحول المسارين السياسي والعسكري في الفترة المقبلة.

اللواء أمين إسماعيل: تحرير مدينة ود مدني بولاية الجزيرة بمثابة تحرير للنقطة المركزية في السودان

 الخبير العسكري وخبير إدارة الأزمات والتفاوض في مركز البحوث الاستراتيجية، اللواء دكتور مهندس أمين إسماعيل مجذوب، يرى أن تحرير مدينة ود مدني بولاية الجزيرة، بمثابة تحرير للنقطة المركزية في السودان.

وأضاف اللواء أمين في في تصريح خاص لـ"الترا سودان" أن مدينة ود مدني تفتح على خمس ولايات، وهي "القضارف وسنار والنيل الأبيض والخرطوم وشمال كردفان"، كما أن ولاية الجزيرة من الناحية الاقتصادية هي صمام غذائي للسودان لوجود مشروع الجزيرة الزراعي بها.

وتابع قائلًا إن مدينة ود مدني تعد نقطة تلاقٍ لهذه الولايات الخمس، كما أنها تقطع كل طرق "الفزع" وطرق الإمداد لـ"المليشيا" من كل الاتجاهات إلى العاصمة، فلا طريق يوصل إلى ولاية الخرطوم إلا عبر ولاية الجزيرة.

الصحفي والمحلل السياسي، ماهر أبو الجوخ، يقول في حديثه لـ"الترا سودان": "يبدو من المعطيات الحالية أن قوات الدعم السريع الموجودة في مناطق وسط السودان والنيل الأزرق باتت منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي تعيش أوضاعًا حرجة منذ فقدانها السيطرة على جبل مويه ثم سنجة بولاية سنار، ومؤخرًا مدني بولاية الجزيرة، وهو ما يجعل هذه القوات في شرق النيل وشمال ولاية الجزيرة وجنوب ولاية الخرطوم تواجه تقدمًا عنيفًا للجيش والمجموعات المتحالفة معه، وهذا يجعل السيناريو المرجح للمعارك القادمة أن تكون ساحتها جنوب الخرطوم وشرق النيل ووسط الخرطوم بحري، بالإضافة إلى منطقة غرب الخرطوم التي تكتسب أهمية استراتيجية لوجود المؤسسات السيادية داخلها، على رأسها القصر الجمهوري والوزارات".

وتمكنت أمس الأول السبت 11 كانون الثاني/يناير القوات المسلحة والقوات المساندة لها من عبور جسر حنتوب إلى داخل مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، واستعادتها من قوات الدعم السريع التي هيمنت عليها لأكثر من عام.

ويرى أبو الجوخ أن سيناريو تراجع الدعم السريع صوب كردفان ودارفور بالمعطيات العسكرية أحد السيناريوهات الواردة غير المستبعدة بما في ذلك إعلان حكومة في مناطق سيطرته.

ومنذ 21 شهرًا اندلعت معارك عنيفة في ولاية الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، سريعًا ما انتقلت وتمددت في بقية أنحاء السودان لتشمل 13 ولاية من أصل 18، وتسببت وفقًا للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية في "أكبر كارثة إنسانية" تحدث في التاريخ القريب.

عن المرحلة القادمة، بعد تحرير ولاية الجزيرة، يرى اللواء أمين أن من الضروري العمل على رتق النسيج الداخلي في الولاية، فـ"هناك مليشيا كانت موجودة في شرق الجزيرة، وأعني بها قوات كيكل، وهناك أيضًا متعاونون مع الدعم السريع، وبالتالي نحتاج إلى مراجعات أمنية واجتماعية وقانونية، يجب أن تتم في إطار ما يعرف بالعدالة الانتقالية".

ماهر أبو الجوخ: تراجع الدعم السريع غربًا صوب المناطق الواقعة غرب ولاية النيل الأبيض في كردفان ودارفور، سيفرز واقع تقسيم إداري

وأردف بالقول: "بما يعني الاعتذار والمصالحة والتعويض المادي والتعويض المعنوي، وجمع السلاح، ومحاسبة من أجرم في حق المواطنين، سواء أكانت جرائم ضد الدولة أو جرائم تدخل في إطار بروتوكولات الجرائم ضد الإنسانية".

المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ يقول إن تراجع الدعم السريع غربًا صوب المناطق الواقعة غرب ولاية النيل الأبيض في كردفان ودارفور، سيفرز واقع تقسيم إداري.

ويضيف: "من الواضح أن المعارك في تلك المناطق تختلف بالنسبة للدعم السريع عن معارك وسط السودان، ففي الحد الأدنى تتوفر لديهم - أي الدعم السريع - تحالفات مجتمعية مع مكونات سكانية في تلك المناطق، وتوجد فيها حالة تعايش وسجل انتهاكات أقل مما حدث في مناطق العاصمة ووسط السودان والجزيرة".

ويتابع أبو الجوخ: بالتالي لا توجد قطيعة مجتمعية مع الدعم السريع ما يعني أن المعارك هناك ستكون أكثر صعوبة للجيش والمجموعات المتحالفة معه لأنهم سيكونون في وضع أقرب لوضعية الدعم السريع في منطقة وسط السودان.

ويؤكد أبو الجوخ أن هذا المعطي سيكون مؤثرًا في مسار المواجهات بين الطرفين مع وجود ملاحظة أساسية أن المجموعات المستنفرة المقاتلة غير متحمسة على الإطلاق للقتال خارج نطاق مناطقها، وهذا أمر من المرجح أن يؤثر على العمليات في إقليمي كردفان ودارفور.

اللواء أمين يرى أن هذه المرحلة تتطلب هدوء الأعصاب ومعالجات عقلانية حتى يتم التوصل إلى استقرار اجتماعي وأمني واقتصادي في ولاية الجزيرة ومن ثم الانطلاق إلى المناطق الأخرى لتحريرها.

وقال "نثق ثقة كاملة في القوات المسلحة وفي كل القوات النظامية، الشرطة وجهاز المخابرات والقضاء والنائب العام، في معالجة هذه القضايا بطريقة هادئة وقانونية".

وأضاف الخبير في إدارة الأزمات: "نحن الآن في مرحلة مفصلية بعد تدمير هذه المليشيا التي أزهقت أرواح السودانيين ونهبت وسرقت وارتكبت عديد من الجرائم، وما العقوبات التي صدرت من مجلس الأمن ومن الولايات المتحدة الأميركية إلا دليلًا على هذه الانتهاكات".

وتابع "ولكن حتى نحافظ على السودان وعلى الجبهة الداخلية وعلى السياسة الداخلية، يجب أن يتم رتق النسيج الاجتماعي بطريقة صحيحة ومعاقبة من يستحق العقاب ومعالجة الارتدادات الأمنية، فأي أزمة يكون لديها ارتدادات أمنية بعد انتهائها، وتحتاج إلى معالجة عاقلة وتحكم في ردود الأفعال الداخلية، فالسودان بحاجة إلى الاستقرار حتى يخرج إلى العالم بسياسة متوازنة ويستعيد موقعه الإقليمي والدولي مرة أخرى".

يرى ماهر أبو الجوخ أن السيناريو الأوضح هو أن التقسيم الإداري سيمضي على الأرض بحكم سيطرة الطرفين، وما يعزز هذا السيناريو - وفقًا لأبي الجوخ - هو التصور العام غير المعلن للجيش وقياداته بأن معركتهم الأساسية هي استرداد وسط السودان والعاصمة وتأمين نهر النيل والشمالية ودون ذلك فإن حجم الاهتمام يبدو متراخيًا ومتراجعًا.

ويوضح أبو الجوخ: "لكن هذا التصور يغفل جزئية أساسية، وهي أن واقع التدمير الناتج عن الحرب الذي شمل البنية التحتية سيجعل من سيناريو استمرار الحياة والاستئناف لها بشكل معتاد في ظل وجود مناطق متأثرة بالحرب غير واقعي، ولعل ما يعزز هذا الأمر الهجوم على خزان مروي فجر الإثنين 13 كانون الثاني/ يناير 2025م وهذا أمر لم يحدث في تاريخ حروبات السودان السابقة".

 ويتوقع ماهر أبو الجوخ أن الحرب لن تقتصر في ميدانها على الجغرافيا، ولكن ستكون لديها قابلية الامتداد والتوغل حتى في عمق الأماكن التي تحسب نفسها في مأمن من شرورها.

وينوه إلى أن "هذا أمر يجب استصحابه في سيناريوهات الحرب الحالية والقادمة، أن القدرة التدميرية المصاحبة لها هي الأعنف والأعلى في تاريخ الحروب الأهلية في السودان منذ منتصف القرن الماضي قبل الاستقلال، وهو أمر للأسف سيترتب عليه زيادة المعاناة والخسائر والأضرار وسط المدنيين".

وفقًا لتقارير مستقلة أدت الحرب السودانية، التي تقترب من إكمال عامها الثاني، إلى مقتل أكثر من 160 ألف شخص، وتشريد نحو 14 مليون مواطن داخليًا وفي دول اللجوء

ووفقًا لتقارير مستقلة أدت الحرب السودانية، التي تقترب من إكمال عامها الثاني، إلى مقتل أكثر من 160 ألف شخص، وتشريد نحو 14 مليون مواطن داخليًا وفي دول اللجوء، إضافة إلى تفشي الأمراض والأوبئة بشكل واسع، مع تحذيرات أممية من انتشار المجاعة في 14 منطقة داخل السودان.