بين الاعتراف والتعليق.. هل يعود السودان للاتحاد الأفريقي؟
19 مايو 2025
في خضم صراع دموي دخل عامه الثاني، برزت من قلب القارة تصريحات لافتة لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، محمود علي يوسف، اعتبر فيها السودان "القلب النابض لأفريقيا"، مشيدًا بـ"الانتصارات" التي تحققها القوات المسلحة. جاءت هذه التصريحات خلال لقائه بعضو مجلس السيادة الانتقالي، الفريق إبراهيم جابر، على هامش القمة العربية في بغداد، ما فتح باب التساؤلات: هل بات الطريق ممهَّدًا لعودة السودان إلى الاتحاد الأفريقي؟ أم أن الحرب العنيفة والانقسام السياسي ما زالا يشكلان عائقًا أمام هذه العودة؟
كان الاتحاد الأفريقي قد علَّق عضوية السودان في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 عقب الانقلاب الذي قاده الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، بالتحالف مع "حميدتي" وقتها، بحيث صنف الاتحاد ما جرى على أنه "خرقٌ للمسار الدستوري". القرار جاء ضمن موقف أفريقي متشدد من الانقلابات والتحولات غير الدستورية، خاصة بعد سلسلة من الانقلابات شهدتها القارة خلال السنوات الأخيرة.
ومع ذلك، لم يقطع الاتحاد الأفريقي تمامًا صلاته بالسودان، بل أبقى على الآلية الرفيعة المستوى برئاسة بن شمباس، كقناة تواصل لمتابعة الأزمة ودعم جهود التسوية السياسية، والذي صرَّح مؤخرًا أن "السودان ليس فراغًا"، في دلالة الاعتراف السياسي.
هذا التصريح، الذي قد يبدو تقنيًا، يحمل وزنًا سياسيًا كبيرًا. فهو يعني ضمنيًا أن الاتحاد الأفريقي يعترف بوجود سلطة أمر واقع، ويرفض الدعوات التي تطالب بالتعامل مع السودان كدولة فاقدة للشرعية أو مفتوحة للتدخل الخارجي.
عبد الباقي الناجي: المفوضية المنتخبة حديثًا للاتحاد الأفريقي تختلف جذريًا عن سابقتها، لا سيما من حيث المواقف تجاه الأزمة السودانية.
لكن هذا الموقف لا يخلو من الجدل داخل الأوساط السودانية، إذ تحتدم السجالات حول الجهة التي تملك الشرعية في تمثيل السودان إقليميًا ودوليًا، خاصة في ظل غياب سلطة مدنية منتخبة. وتبرز في هذا السياق روايتان متصارعتان تفسران الواقع السوداني من زوايا مختلفة.
الرواية الأولى، والتي تُعرف بـ"شرعية الأمر الواقع"، تتبناها جزء من الطبقة السياسية السودانية وبعض المؤسسات الإقليمية، وترتكز على الاعتراف بمجلس السيادة والجيش بوصفهما الجهات التي لا تزال تمسك بمفاصل الدولة. ووفق هذا التصور، فإن التعاطي مع هذه الأطراف ضرورة لتفادي الانهيار الكامل وملء الفراغ المؤسسي. أما الرواية الثانية، التي تتبناها بعض القوى المدنية، فتعتبر أن السودان يعيش في حالة "فراغ سياسي" كامل، وترى أن الخروج من الأزمة يتطلب تأسيس وضع جديد كليًا برعاية المجتمع الدولي، بعيدًا عن "الطرفين العسكريين المتصارعين"، حسب وصفهم.
خريطة العودة وتحديات التنفيذ
في هذا الصدد، يرى الكاتب السوداني عبد الباقي الناجي أن المفوضية المنتخبة حديثًا للاتحاد الأفريقي تختلف جذريًا عن سابقتها، لا سيما من حيث المواقف تجاه الأزمة السودانية. ويقول: "المفوضية المنتهية صلاحيتها وصلت إلى مرحلة من التلاسن، خاصة بعد لقاء رئيسها السابق موسى فكي مع يوسف عزت، مستشار قائد الدعم السريع آنذاك، كما أن تصريحات الوسيط محمد الحسن ولد لبات ضد بيان الخارجية السودانية آنذاك وصفها بأنها منحطة"، ما كشف عن علاقات مريبة مع الدعم السريع.
أما الآن، بحسب الناجي، فإن التشكيلة الجديدة بقيادة رئيس من جيبوتي ونائبه من الجزائر، تعكس مواقف دول تدعم سيادة السودان، مشيرًا إلى أن العامل الثابت الوحيد هو مفوض الشؤون السياسية والسلم والأمن، النيجيري بانكول أديوي. ويضيف: "بعد انتخاب المفوضية الجديدة في فبراير، تحدثوا عن دراسة خارطة الطريق لعودة السودان، لكنهم لم يلمسوا تقدمًا في هذا الملف حتى الآن".
وفي السياق، كان قد فاز وزير خارجية جيبوتي، محمود علي يوسف، برئاسة المفوضية الأفريقية في شباط/ فبراير 2025، بعد منافسة شديدة مع مرشحين من كينيا ومدغشقر، حيث حصل على 33 صوتًا من أصل الدول الأفريقية، ممثلة ثلثي الأصوات، في 6 جولات تصويت.
ويحدد الناجي شروط عودة السودان للاتحاد بأنها مستلهمة من خارطة الطريق التي أعلنها الاتحاد الأفريقي في بداية الحرب، مع إدراج مقترحات حكومة السودان لاحقًا. ويقول: "هناك تحديان رئيسيان أمام الحكومة؛ أولهما وقف إطلاق النار، وهو مشروط بانسحاب الدعم السريع وتجميع قواته في نقاط محددة، والثاني تشكيل الحكومة، وهي مسألة تواجه خلافات مع حركات جوبا التي يصر الاتحاد على سماع رأيها".
ويشير الناجي أيضًا إلى تعقيدات العملية السياسية بشأن من سيتولى الحوار وتمثيل الأطراف، معتبرًا أن ذلك يمثل تحديًا حقيقيًا لأي خارطة طريق.
في هذا السياق، أصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، الإثنين 19 أيار/ مايو 2025، مرسومًا دستوريًا يقضي بتعيين د. كامل الطيب إدريس عبد الحفيظ رئيسًا لمجلس الوزراء، إلى جانب قرارٍ بإلغاء إشراف أعضاء "المجلس السيادي" على الوزارات الاتحادية والوحدات.
أما عن الآلية الأفريقية رفيعة المستوى برئاسة محمد بن شمباس، فيقلل الناجي من فاعليتها، قائلًا: "لا أعتقد أنها ستلعب دورًا محوريًا، فقد حاولت سابقًا جمع الكتلة الديمقراطية مع قوى الحرية والتغيير (تقدُّم) وفشلت في ذلك، وهو ما يعكس ضعفها في ظل التعقيد السياسي الراهن".
وبخصوص الآلية المؤسسية، يلفت الناجي إلى أن القرار النهائي بشأن تجميد أو إعادة عضوية السودان بيد مجلس السلم والأمن الأفريقي، الذي ترأسه مصر في أواخر 2024، حيث أرسلت بعثة إلى بورتسودان، وقررت فتح مكتب هناك، لكن "خلال نقاش داخلي بالمجلس بشأن رفع التجميد، لم تحظَ الفكرة إلا بتأييد 5 دول من أصل 15، ما أدى إلى تأجيل القرار لعدم وجود إجماع".
لفت إلى أن القرار النهائي بشأن تجميد أو إعادة عضوية السودان بيد مجلس السلم والأمن الأفريقي
ويختم الناجي بالإشارة إلى أن تصريحات رئيس المفوضية الأخيرة "تحمل إشارات إيجابية"، وقد تساهم في إعادة طرح ملف السودان داخل مجلس السلم والأمن الأفريقي، وربما تساعد في التقليل من حدة مواقف بانكول أديوي تجاه الحكومة السودانية. لكنه يحذر في المقابل من تعقيدات تواجه تشكيل حكومة في السودان، خاصة بسبب موقف الحركات المسلحة، ما قد يمثل عائقًا جديدًا أمام أي خطوة نحو رفع التجميد.
الانقسام الداخلي وتعدد الوساطات
من جانبه، يرى محمد طاهر، عضو المبادرة السودانية لوقف الحرب وبناء السلام، أن تصريحات مفوضية الاتحاد الأفريقي الأخيرة حول الأزمة السودانية حملت إشارات إيجابية، خاصة في سياق اعترافها بمؤسسات الدولة الوطنية وعلى رأسها القوات المسلحة، وهو ما وصفه بأنه "يعطل السرديات التي سعت لتفكيك الجيش السوداني".
لكن طاهر في المقابل يعتقد أن السلطة السياسية الحالية في السودان "لا تزال سلطة غير شرعية"، ويقول إن المطلوب منها هو "اتخاذ خطوات أوسع لفتح آفاق حوار سياسي واسع وشامل يقود إلى صيغة متوافق عليها للحكم"، مشيرًا إلى أن هذا هو المدخل الأساسي نحو إعادة استقرار البلاد.
ويشدد طاهر على أهمية الحوار السوداني - السوداني بعيدًا عن التدخلات العسكرية والتجاذبات الإقليمية. ويضيف: "يجب أن تستمع القوى السياسية إلى بعضها البعض، وأن تخلق توافقًا وطنيًا يعيد البلاد إلى بر الأمان، ويُعيد تموضع السودان إقليميًا ودوليًا بما يحفظ مصالحه".
وفي نقده لأداء القوى السياسية، يقول طاهر إن مساعي تدويل القضية السودانية ليست جديدة، بل ترجع إلى "اعتماد مفرط على التدخلات الدولية"، معتبرًا أن الاتحاد الأفريقي نفسه "أخفق في التعامل مع ملف السودان، وهو بحاجة إلى الاستماع بشكل أكبر لصوت السودانيين".
ويقترح أن يقتصر دور المجتمع الدولي على "الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية"، والاكتفاء "برسم علاقة قائمة على تبادل المنافع والمصالح"، لكنه يؤكد أن ذلك يتطلب درجة أعلى من التوافق بين السودانيين أنفسهم.
وعن تعدد الوساطات، يرى طاهر أن هذا التعدد أضر كثيرًا بعملية بناء السلام. ويضيف: "مسار جدة ظل يركِّز على التفاوض العسكري، وهو مناسب لهذا الجانب، أما الاتحاد الأفريقي فبدأ العمل على الحوار السياسي دون أن يمتلك خارطة طريق واضحة".
ويختتم بالقول: "المطلوب الآن هو حصر المنابر في اثنين؛ منبر للتفاوض العسكري، وآخر للحوار السياسي، على أن يسيرا في مسارين متوازيين"، مؤكدًا أن الأولوية في هذه المرحلة هي "وقف تدخل دول القارة في الشأن السوداني، ووقف محاولات فرض تغيير سياسي يخدم أجندات إقليمية أو دولية"، مع ضرورة "إعادة صياغة علاقات السودان مع دول الجوار بما يخدم مصالحه الوطنية".
في المحصلة، يبقى أن عودة السودان إلى الاتحاد الأفريقي ليست مسألة شكلية، بل خطوة تتطلب معالجة جوهرية لجذور الأزمة، تبدأ بوقف الحرب وتشكيل سلطة مدنية متوافق عليها، وتمتد إلى إعادة صياغة العلاقة مع الاتحاد على أساس الشراكة والاحترام المتبادل. وفيما تتباين مواقف الفاعلين الإقليميين والدوليين، يظل مفتاح الحل الحقيقي بيد السودانيين أنفسهم، الذين يقع عليهم عبء التوافق وبناء رؤية وطنية جامعة تفرض نفسها على طاولة الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي.
الكلمات المفتاحية

حرب السودان.. حالات اختفاء قسري لمهاجرين من دول الجوار
قال مدافعون حقوقيون إن هناك حالات اختفاء قسري لمهاجرين من دول إرتريا وجنوب السودان وإثيوبيا واليمن في السودان، خلال الحرب بين الجيش والدعم السريع.

حملات الخمور ونظام الحكم.. هل يناور الدعم السريع داخل "تأسيس"؟
أثار مقطع فيديو نشرته منصات موالية لقوات الدعم السريع بشأن الحملات ضد بائعات الخمور في منطقة تقع بإقليم دارفور جدلًا بين السودانيين، عما إذا كانت هذه القوات تعتزم الاستمرار في تطبيق قوانين سادت خلال نظام البشير، ولا تزال مستمرة في الولايات الخاضعة لسيطرة الجيش.

رئيس الوزراء السوداني يقترب من إنهاء أزمة "المالية" و"المعادن"
يقترب رئيس الوزراء كامل إدريس من الوصول إلى "تفاهمات" مع قادة الحركات المسلحة، وأبرزهم جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي، حول أزمة وزارتي "المالية" و"المعادن" وفق مصدر قال إن هناك إمكانية لاستمرار ممثليهم في الحقائب الوزارية خلال التشكيل الوزاري المرتقب.

شبكة أطباء السودان: مقتل طبيبة في قصف على مستشفى المجلد بغرب كردفان
قُتلت طبيبة سودانية تُدعى مودة رحمة الله، جراء قصف نفذته القوات المسلحة السودانية على مستشفى المجلد بولاية غرب كردفان، استهدف قوات تابعة للدعم السريع كانت متمركزة داخل المستشفى، بحسب ما أعلنت شبكة أطباء السودان.

الخارجية السودانية: نعتزم تقييم العلاقات مع الدول التي لا تدعم الشرعية
جددت وزارة الخارجية السودانية الاتهامات للتحالف المدني لقوى الثورة "صمود" بالعمل ضمن الذراع السياسي لقوات الدعم السريع

الجيش يدمر مركبات قتالية قُرب بابنوسة والدعم السريع يتوعد بـ"بركان الغضب"
قال مرصد "كردفان" الأحد 22 حزيران/يونيو 2025 إن مسيرات تابعة للجيش دمرت 13 عربة قتالية ومدفع 120 لقوات الدعم السريع حول مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان ضمن عمليات عسكرية جارية في المنطقة حاليًا.

حرب التسريبات.. حاكم إقليم دارفور يهدد باللجوء إلى الإعلام
نشر حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي ورئيس حركة تحرير السودان المسلحة المتحالفة مع الجيش في الحرب ضد قوات الدعم السريع، تغريدة على منصة (إكس) الأحد 22 حزيران/يونيو 2025 قائلًا، إن من يسربون محاضر الاجتماعات ويزورون الحقائق يفعلون ذلك لاغتيال الشخصيات.