بارا.. العقدة الاستراتيجية في شمال كردفان ومفتاح الجيش نحو دارفور
13 سبتمبر 2025
أعلنت القوات المسلحة في 11 أيلول/سبتمبر 2025 استعادة السيطرة على مدينة بارا بعد معارك طاحنة ضد الدعم السريع، ويرى خبراء أن للمدينة بعد استراتيجي مهم في مسار العمليات العسكرية، نظرًا لموقعها الجغرافي المحوري، إلى جانب أهميتها الاقتصادية.
تقع مدينة بارا في شمال كردفان، وتشتهر بموقعها الاستراتيجي على الطريق الرابط بين الأبيض والخرطوم، مما يجعلها مركزًا تجاريًا مهمًا لتبادل السلع بين وسط وغرب السودان.
السيطرة على مدينة بارا تمنح الجيش شرعية اجتماعية لا تقل وزنًا عن أهميتها العسكرية وتضيف بعدًا إنسانياً يجعل المعركة حولها أكبر من مجرد كسب ميداني
كما تشتهر المدينة بوجود البساتين، لا سيما أشجار الليمون، إضافة إلى العيون والمياه الجوفية التي تزود سكانها بالماء. بارا تحمل أيضًا إرثًا ثقافيًا وتاريخيًا، حيث ارتبط اسمها بالأدب الشعبي والشعر، ويشكل سكانها مجتمعًا محليًا يعيش على الزراعة والرعي، ويعتبرون المدينة محطة عبور أساسية في المنطقة.
وتشكل مدينة بارا نقطة حاكمة لمسرح الحرب الممتد من الخرطوم حتى دارفور. فهي تقع شمال شرق الأبيض على بعد 40 كيلومتر، في موقع يجعلها عقدة مواصلات بين وسط السودان وغربه. فمن الشرق ترتبط مباشرة بمدينة أم درمان عبر الطريق القومي (الصادرات) على مسافة 320 كيلومترًا، ومن الجنوب تفتح الطريق نحو الأبيض، ثم إلى الفاشر ونيالا والجنينة. أما من الشمال الشرقي، فإنها تُشرف على المحاور القادمة من ولاية النيل الأبيض، وهذا ما يجعلها نقطة سيطرة أساسية لقطع أو حماية الإمداد.
هذه الجغرافيا وحدها تكفي لتفسير حجم التنافس العسكري حول المدينة، فهي خط الدفاع الأول عن الأبيض، وأي هجوم على المدينة من الشرق أو الشمال الشرقي لا بد أن يمر عبر بارا. بناء على ذلك، تحولت المدينة إلى منطقة حصينة، ليس فقط لأنها حاجز طبيعي أمام أي تقدم، وانما أيضًا لكونها قاعدة لوجستية متقدمة، سيستخدمها الجيش كمخزن إمداد وتموين ومحطة لإعادة الانتشار.
ومن خلال هذه الوظيفة اللوجستية، يضمن الجيش مرونة في تحريك قواته نحو مختلف الجبهات، ويمنع الدعم السريع من استغلال أي ممر شرقي للتسلل أو شن هجمات نحو الأبيض.
لكن الأهمية لا تقف هنا، فـبارا تمثل مفتاح الطريق العملياتي نحو دارفور. الأبيض، كما هو معلوم، عقدة الطرق الرئيسية المؤدية إلى الغرب، وبالتالي فإن تأمين بارا يعني حماية الأبيض بشكل كامل، وتحويلها إلى مركز قيادة محصن للعمليات العسكرية. ومع استقرار السيطرة على بارا، يصبح الطريق نحو الفاشر ونيالا ممكناً، وهو خط الإمداد العسكري الأهم للجيش. بهذا المعنى فإن بارا هي الضمانة التي تسمح للجيش بالتحرك نحو دارفور دون خوف من انقطاع خطوطه القادمة من الخرطوم.
من منظور تكتيكي، تستطيع القوات المتحركة من بارا أن تتقدم نحو مناطق مثل جبرة الشيخ وحمرة الشيخ وعموم دار الريح، ومنها إلى أطراف شمال دارفور. كما أن الدعم السريع كانت تستغل تضاريس هذه المناطق لشن هجمات التفاف وفزع، خصوصاً في محاور غرب الأبيض (الخوي والنهود) ومناطق غرب النيل الأبيض كأم سيالة وغيرها.
ثم إن لبارا وجهًا آخر يتجاوز الحسابات العسكرية البحتة، فهي أيضًا مدينة حية تعتمد على الزراعة والرعي والتجارة. السيطرة عليها تترجم إلى قاعدة غذاء محلية وأسواق ستستعيد حركتها ومجتمع سيجد ضمانة للاستقرار. هنا يتبدى الفارق بين قوة تبحث عن حماية حياة الناس، وأخرى تعيش على النهب والسطو كالدعم السريع. لهذا فإن بارا تمنح الجيش شرعية اجتماعية لا تقل وزنًا عن أهميتها العسكرية، وتضيف بعدًا إنسانياً يجعل المعركة حولها أكبر من مجرد كسب ميداني.
إضافة إلى ذلك، خلال الأشهر الماضية شهدت المناطق المحيطة ببارا إغلاقًا متكررًا للطريق وتحركات مسلحة متقطعة أثرت مباشرة على المدنيين والتجارة وحركة المساعدات الإنسانية، وهو ما يجعل السيطرة عليها عاملًا إنسانيًا وسياسيًا أيضًا.
فطوال فترة سيطرة الدعم السريع على المنطقة شهدت موجات نزوح كبيرة وانتهاكات ضد حقوق الإنسان وفقًا لتقارير دولية وصحفية، أثقلت كاهل المدن الكبرى مثل الأبيض بتدفق النازحين، وأعاقت وصول المساعدات إلى مناطق تعاني أصلًا من الحرمان.
كشاهدٍ ومتابع للأحداث، لا أرى في بارا مجرد مسألة تكتيكية فحسب، وإنما انعكاسٌ لمنطق أكبر، فمن يسيطر على الطرق يسيطر على الحياة، ومن يحرر الممرات يفتح سبل النجاة. لذلك فإن أي حديث عن مستقبل بارا يجب أن يبدأ من حماية المجتمع المحلي وتأمين احتياجاته الأساسية، من تعليم وصحة وأسواق آمنة. فما قيمة أي انتصار أو سلطة إن بقي الناس بلا دواء أو خبز أو مأوى؟ إن الرؤية الحقيقية التي يحتاجها أهل بارا، كما أهل السودان عامة، هي رؤية إنسانية تُعيد الاعتبار للحياة اليومية قبل أي حسابات أخرى.
الخلاصة أن سيطرة الجيش على بارا تمثل تحوّل استراتيجي في ميدان المعركة، لأنها أمّنت الأبيض – قلب شمال كردفان – من أي تهديد شمالي أو شرقي، وأمسكت بمفتاح الطريق نحو دارفور، حيث الفاشر المحاصرة لقرابة العامين.
ختامًا، لدى بارا أيضًا بُعد إنساني وقصصٌ وأسماء وعائلات وحقول وذكريات سكانها. إن التقليل من شأن هذه المدينة أو اعتبارها مجرد مركز عمليات عسكري سيكون خطأ مكلفًا، لأن نتيجة ذلك لن تُحسم في ساحة القتال وحدها، وإنما في قدرة الدولة على ضمان حماية المدنيين وإعادة وصل طرق الحياة، وإعادة المدينة كمكان للعيش والعمل والأمان.
الكلمات المفتاحية

وماذا عن دقلو؟
أثارت ردة فعل المهندس خالد عمر يوسف في لقائه بإحدى القنوات التلفزيونية عند سؤاله و"ماذا عن دقلو؟" عقب حديثه عن وزير المالية جبريل ابراهيم - أثارت ردات فعل عديدة، ساخرة من تلجلجه في الإجابة، وإصداره لأصوات غير مفهومة قبل أن يتمالك نفسه، ليجيب أخيرًا بصوت مفهوم وواضح.

أهداف حرب 15 أبريل الخفية والظاهرة
ليس علينا التمهيد لمسألة أن الحرب في السودان واحدة من الخطط الاستراتيجية للقوى العالمية الغاشمة للعبث بالشرق الأوسط وإعادة هندسته، فالحرب وحدها تحقق عدة أهداف استراتيجية للنظام العالمي الجديد ورعاته.

نزوح الفاشر إلى الدبة.. حين تضغط الجغرافيا وتنكسر السياسة
الآثار الكارثية لما وقع في الفاشر لن تمحي قريبًا. الآلاف قتلوا وشردوا وانتهكت أعراضهم في واحدة من أسوأ مشاهد الحرب الدائرة في السودان، بل هي مأساة مكتملة،

مناوي: قواتنا حققت انتصارات في جبل "أبوسنون" ومناطق أخرى بشمال كردفان
أعلن حاكم إقليم دارفور مني أركو عن "انتصارات" للقوات في منطقة جبل أبوسنون بشمال كردفان، وقال مناوي المشرف العام على القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح المساندة للجيش في منشور عبر منصته على "فيسبوك: "مبروك علي انتصار قواتنا في جبل أبوسنون والمناطق الأخرى في شمال كردفان".

شبكة الصحفيين السودانيين تعرب عن قلقها على مصير الصحفي معمر إبراهيم
أعربت شبكة الصحفيين السودانيين، اليوم الثلاثاء، 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، عن قلقها الشديد على مصير الصحفي معمر إبراهيم، المعتقل لدى قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر.

طقس السودان.. أمطار خفيفة بعدد من الولايات وارتفاع في درجات الحرارة
أصدرت الهيئة العامة للأرصاد الجوية السودانية، صباح الثلاثاء 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، نشرتها لحالة الطقس خلال الأيام الثلاثة المقبلة في مختلف ولايات البلاد، متوقعة ارتفاعًا طفيفًا في درجات الحرارة ونشاطًا للرياح المثيرة للغبار، إلى جانب هطول أمطار خفيفة إلى متوسطة في بعض المناطق.

مسؤول أممي: إقليم دارفور أصبح "مركز المعاناة الإنسانية"
قدّم وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر إحاطة من مدينة أدري في تشاد، يوم 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، عقب عودته من جولة ميدانية استمرت أسبوعًا داخل إقليم دارفور، الذي وصفه بأنه أصبح "بؤرة المعاناة الإنسانية في العالم".

