بابنوسة: الحرب داخل الحرب
21 يونيو 2025
استوقفني خلال اليومين الماضيين عدد كبير من مقاطع الفيديو القصيرة المتداولة، عن المواجهات المسلحة العنيفة الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان.
أكثر هذه المقاطع يعود إلى أفراد يتبعون لقوات الدعم السريع، ويحاولون عبر نشرها - على ما يبدو - تأكيد تقدمهم الميداني وتفوقهم العسكري، والسبق في إثبات سيطرتهم على المدينة – المكان.
ما هو العدد الفعلي لشباب السودان من المقاتلين مع الجيش أو الدعم السريع، ممن قضت عليهم هذه الحرب؟
هناك مقاطع أخرى أيضًا بثها أفراد يتبعون للقوات المسلحة والقوات المساندة لها، وترمي كذلك إلى إثبات التفوق العسكري وهزيمة القوة المهاجمة – الدعم السريع – وتأكيد استمرار السيطرة العسكرية على المدينة – المكان.
الملفت في هذه المقاطع، المتعلقة بمعارك بابنوسة، أنها نقلت ما يمكن وصفه بـ "البث الحي" لمجريات المعارك، بما يشمل لحظات قتل وتفجير جنود من الجانبين، ولحظات نقل ومحاولات إسعاف مصابين في حالات حرجة، أو وهم في النزع الأخير، في حين يظهر رفاقهم حالة من الهياج الاحتفائي باللحظة – لحظة الموت – مصحوبة بـ"تهديدات القتل" للآخر.
استغرقني التفكير بشأن قتلى هذه الحرب من العسكريين منذ اندلاعها قبل عامين وحتى هذه الساعة، وهو أمر، كما هو معلوم لم يفصح عنه أي من الطرفين المتقاتلين، برغم الإشارات في كثير من المعارك إلى مقتل الآلاف من هذا الجانب أو ذاك.
ما هو العدد الفعلي لشباب السودان من المقاتلين مع الجيش أو الدعم السريع، ممن قضت عليهم هذه الحرب؟ في حالة "حرب بابنوسة" تبدو المسألة محيرة ومعقدة، فجزء من حسابات الحرب الدائرة الآن في السودان، أنها في العمق حرب أهلية، حدث لها هذا التحول من حرب بين قوتين عسكريتين، إلى حرب بين مجتمعات سودانية، أخذت في التكتل الإثني والجهوي مع إطالة أمد النزاع، ما حولها مع الوقت إلى حرب شبه مكشوفة، بين غرب وجنوب السودان ضد شمال وشرق السودان.
في حالة "حرب بابنوسة" يبدو الأمر - مثلما ذكرت - أكثر تعقيدًا، أدعى إلى أن يكون حربًا أخرى داخل الحرب الأهلية الدائرة. فالقادة العسكريون والجنود من الطرفين ينتمون بالكامل إلى جذر "إثني، جهوي" واحد، هو أرض – مكان المعركة نفسها: بابنوسة. فالموت والإفناء الذي يحدث هنا وكأنه نتاج معركة دموية تدور بين أفراد أسرة واحدة تسكن بيتًا يقع في إطار مجموعة من الأحياء السكنية الغارقة بدورها في حرب ضدية يمارس فيها الكل التقتيل ضد الكل.
إذا لم يتمكن السودانيون في إيقاف حربهم، المتجاهلة والمنسية من العالم، فإنهم ماضون إلى تحويل هذا المكان – السودان – إلى أرض خاوية وخالية من البشر نهائيًا. فـ "حالة بابنوسة" أو البيت الصغير المتفجر، مثل بابنوسة، سيتحول مع الوقت إلى نموذج يتمدد ويغطي كل البيوت السودانية، المتكتلة الآن في تحالفات الأحياء الكبرى، المتقاتلة في المساحات المحترقة بنيران مدافع الهاون، وحرائق المسيرات، التي لا سيطرة عليها أو تحكم فيها.
تبدو الحرب الآن، وهي تدخل عامها الثالث، وكأنها بلا أفق للحلول، وكأنما هي حرب مفتوحة ولا نهاية منظورة لها. وفي حين يرى أنصار الجيش استعادة الخرطوم ووسط السودان تمثيل لانتصار كبير على قوات الدعم السريع، يهدد أنصار وقادة الأخيرة بـ"هجمة مرتدة" تبتدئ من كردفان ويكون مسرحها الولايات الشمالية.
إذن، بابنوسة، جزء من الصراع المحتدم الآن في إقليم كردفان برمته، جزء من الرهان المجنون لطرفي الحرب على كون "كردفان" هي منصة الانطلاق صوب "التحرير"، وفق موقع الكلمة – التحرير - ومعناها الرغائبي لدى كل طرف، بينما يظل الإقليم – كرفان – غارقًا في وحل الدماء، ومحترقًا بنيران الحرب المجنونة، بعيدًا عن دائرة الاهتمام الإعلامي لضعف شبكات الاتصال، ولموقعه المربك من دائرة الصراع المجتمعي العنيف لصالح طرفي الحرب.
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"
الكلمات المفتاحية

هل تحالف "صمود" قابل للإصلاح؟
بما أن تحالف "صمود" يرغب في سماع الآراء المخالفة، يجب عليه الوضع في الاعتبار أن الإصلاح، بالنسبة للقوى المدنية المنخرطة في البحث عن الحكم المدني والديمقراطية، يمكن أن يحدث إذا تحملت "عملية جراحية قاسية"، وقررت العودة إلى نقطة الصفر عند حدود ثورة ديسمبر، ومراجعة التحالفات التي ارتُكبت فيها أخطاء فادحة

الإسلاميون في السودان.. من الشعارات إلى واقع الانهيار
لم ينتظر الإسلاميون كثيرًا عقب سقوط نظامهم، فانخرطوا في معارضة السلطة الانتقالية التي ورثت كثيرًا من التحديات على عدة أصعدة؛ أبرزها تعدد الجيوش، والانهيار الاقتصادي، والديون الهائلة التي ظلت تتراكم، وملف العدالة

السودان.. هل يذهب نحو السيناريو الليبي؟
يعتقد كثيرٌ من السودانيين أن مآلات هذه الحرب ستشبه كثيرًا السيناريو الليبي، وأننا موعودون بنظامين يقسِّمان السودان شرقًا وغربًا؛ تكون فيه القوات المسلحة تحكم الجزء الشرقي، الذي يضم "الإقليم الشرقي والعاصمة الخرطوم ووسط السودان وبعضًا من إقليم كردفان"، بينما تتحكم مليشيا الدعم السريع في غرب السودان (ولايات دارفور وبعض من إقليم كردفان)، ويحدث وقف دائم لإطلاق النار، وتستمر الحياة هكذا.

13 إصابة بينها حالتا وفاة بضربات الشمس بولاية البحر الأحمر
كشفت اللجنة الفنية للطوارئ الصحية بوزارة الصحة ولاية البحر الأحمر، عن تسجيل 13 حالة إصابة بضربات الشمس، بينها حالتا وفاة بولاية البحر الأحمر.

سيول مفاجئة تتسبب بنزوح عشرات الأسر في شمال دارفور
أعلنت مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة أن السيول الناجمة عن أمطار غزيرة اجتاحت بلدة دار السلام في ولاية شمال دارفور خلال يومي 14 و15 تموز/يوليو الجاري

زيادة جديدة في الدولار الجمركي تحدث سخطًا في أوساط المستوردين بالسودان
قال متعاملون في التخليص الجمركي، إن الحكومة نفذت زيادة جديدة في التعرفة الجمركية الخاصة بعمليات الاستيراد، برفع القيمة من ألفي جنيه إلى 2400 جنيه اليوم الأربعاء.

الهلال والمريخ يعتذران عن خوض نهائي كأس السودان
أعلن ناديا الهلال والمريخ في بيان مشترك، أمس الثلاثاء، اعتذارهما عن خوض مباراة نهائي كأس السودان، المقررة في 26 تموز/ يوليو الجاري على ملعب بورتسودان، مبررين ذلك بجملة من التحديات التي رافقت مشاركتهما في البطولات خلال فترة الحرب.