02-يوليو-2020

الصفحة الرسمية لتجمع المهنيين السودانيين على فيسبوك

بتاريخ 25 كانون الأول/ديسمبر 2018، وبعد أيامٍ قلائل من اندلاع احتجاجاتٍ شعبية في الدمازين وعطبرة والقضارف والخرطوم، دعا تجمع المهنيين السودانيين إلى موكبٍ مركزيٍ إلى القصر الرئاسي بالخرطوم، لتسليم مذكرة تنحي الرئيس المخلوع عمر البشير.

أبرم تجمع المهنيين السودانيين في نفس الوقت تحالفًا مع أحزاب معارضة وحركات مسلحة ومنظمات مجتمع مدني، وهو التحالف الذي صار يعرف باسم تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، والذي يشكل الآن الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، وهو التحالف الذي أزعج مؤيدي تجمع المهنيين من السودانيين غير المنتمين إلى التنظيمات السياسية، لجهة أن الأحزاب والتنظيمات السياسية دائمًا ما تفسد "حفل العشاء الأخير" وربما كانوا على صواب نظرًا لما يحدث في تجمع المهنيين وفي غيره حاليًا في الساحة السياسية السودانية.

سرعان ما تسللت الخلافات إلى تجمع المهنيين الذي التف حوله السودانيون بديلًا للمؤسسة السياسية الفاسدة للإطاحة بنظام البشير القمعي

استغرق تجمع المهنيين أشهرًا عديدة في تبديد الوقت بدلًا عن الانتقال إلى تكوين النقابات، تارةً بتنقيح قانون النقابات للعام 1987، وتارةً بسن قانونٍ جديد، غير أن السمة العامة للبطء هي البقاء أطول فترة في قيادة التجمع، خاصةً في ظل تحالفٍ خفي مع مجموعة تهيمن على المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، والتي تخشى من صعود تياراتٍ جديدة تربك اللعبة السياسية؛ فالتحالف الحاكم نفسه يعاني من ضعفٍ بائنٍ وإقصاءٍ لتياراتٍ ثورية.

اقرأ/ي أيضًا: وزير الصناعة يتوقع وفاء الحكومة بمطالب الثوار ويكشف أهم القرارات القادمة

وسرعان ما طفت خلافات تجمع المهنيين إلى السطح، وتحديدًا منذ 10 أيار/مايو الماضي حينما انتخب المجلس المركزي لتجمع المهنيين سكرتارية جديدة، اتهمت بالانتماء إلى الحزب الشيوعي. وتطورت الخلافات في منتصف حزيران/يونيو إلى إعلان السكرتارية القديمة بقيادة محمد ناجي الأصم عن مؤتمرٍ صحفيٍ بوكالة السودان للأنباء، والذي وجه فيه الأصم انتقادات إلى السكرتارية الجديدة، ووصفها بالمجموعة الحزبية.

غير أن الأصم نفسه لم ينجو من الانتقادات، حيث عقدت السكرتارية الجديدة بعدها بيوم مؤتمرًا صحفيًا مماثلًا، حيث ذكرت أن الأصم هو نفسه واجهة حزبية للتجمع الاتحادي، خاصةً مع سيطرة هذا الكيان الحزبي الذي تأسس من تيارات غاضبة انشقت من حزب الميرغني، على لجنة أطباء السودان المركزية، والتي اعترضت على مليونية 30 حزيران/يونيو بدعوى المخاطر الصحية، لكن التأثيرات الكبيرة لهذا الاعتراض كانت قادمة من خلافات تجمع المهنيين.

وفي 30 حزيران/يونيو، وبالتزامن مع مواكب المليونية قامت "السكرتارية القديمة" بالسيطرة على صفحة تجمع المهنيين السودانيين على فيسبوك، وهي منصة إعلامية يتواصل عبرها التجمع مع السودانيين والإعلام.

اقرأ/ي أيضًا: الصحة تصدر التقارير الوبائية وتكشف عن أسباب توقفها في الأيام الفائتة

ويدافع "الانقلابيون" وهو مصطلح انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي لتسمية المجموعة التي سيطرت على الصفحة، عن أفعالهم بالطعن في العملية الانتخابية التي خسروا نتائجها بعد أن شاركوا فيها ووافقوا على إقامتها في الظروف التي قامت فيها، حيث يتحججون بعدم تقديم خطاب الدورة والميزانية قبيل الانتخابات، وغياب آلية للطعن في نتائجها، بجانب صعود واجهات حزبية إلى السكرتارية الجديدة.

عضو السكرتارية القديمة: الطرفان اختطفا تجمع المهنيين، ولم يتم تقديم خطاب الدورة والميزانية قبيل الانتخابات الأخيرة

وتواصل "ألترا سودان" مع أحد أعضاء "السكرتارية القديمة" لتجمع المهنيين السودانيين، والذي اشترط عدم ذكر اسمه لأنه غير مخولٍ له بالحديث، وكانت المفاجأة أنه وصف الطرفين بأنهما اختطفا تجمع المهنيين، سيما مع عدم تقديم خطاب الدورة والميزانية.

وأردف عضو السكرتارية القديمة بالقول: "تجمع المهنيين السودانيين حصل على ملايين الجنيهات، وعندما عقدنا انتخابات السكرتارية في أيار/مايو الماضي، لم نجد الميزانية، وذكرت لهم أن هذه الإجراءات غير مطابقة لمعايير إجراء الانتخابات، لأن خطاب الدورة والميزانية من أساسيات العمل النقابي والانتخابي، لكن الأطراف تغاضت عنه وفضلت العبور فوق الأخطاء".

لكن نفس هذا المصدر الذي شغل عضو سكرتارية تجمع المهنيين حتى انتخابات أيار/مايو الماضي، يعتقد أن مهلة السكرتارية القديمة ستنتهي في آب/أغسطس القادم، وبالتالي لم يكن من المنطق قيام انتخابات.

غير أن عضو في السكرتارية المنتخبة دافع عن موقفها مشيرًا لـ"ألترا سودان" إلى أن الانتخابات جرت بمشاركة السكرتارية القديمة في جوٍ ديمقراطيٍ حقيقي، ولاحقًا ارتد "الانقلابيون" عن الانتخابات وأعلنوا عدم الإعتراف بالنتائج بعد أن أظهرت خسارتهم، وتمسكوا بعدم الاعتراف بالسكرتارية القديمة.

ويوضح هذا العضو أن وساطة قادها القياديان في قوى إعلان الحرية والتغيير، إبراهيم الشيخ وكمال بولاد، لم تنجح في رأب الصدع، لأن السكرتارية المنتخبة في أيار/مايو تعتقد أنها وصلت إلى السكرتارية عبر انتخاباتٍ شفافةٍ ونزيهة، وبالتالي يصبح الوفاق نفسه فسادًا سياسيًا وخرقًا للديمقراطية.

محمد ناجي الأصم في المؤتمر الصحفي للسكرتاريا القديمة
محمد ناجي الأصم في المؤتمر الصحفي للسكرتاريا القديمة

وانعكست خلافات تجمع المهنيين السودانيين على مليونيات 30 حزيران/يونيو الثلاثاء الماضي، بسبب الربكة التي سببها إزالة عضوية السكرتارية الجديدة من الإدارة والانفراد بالصفحة من قبل السكرتارية الجديدة بالتزامن مع المليونيات.

وعلى الرغم من أن بعض النشطاء الفاعلين في لجان المقاومة يعتقدون أن هذا الأمر يساعد على استقلاليتهم، إلا أن الضرر الخفي الذي وقع على بعض اللجان لا يمكن النظر إليه إلا بالاقتراب من مشاكلها الداخلية، مثل انقسام بعض اللجان بسبب التأثيرات السياسية القادمة من خلافات تجمع المهنيين، والاستقطاب الحاد بين بعض أعضاء المقاومة في الأحياء، وهو ما يلقي بظلالٍ سالبةٍ على قوى الثورة الشعبية، خط الدفاع الأخير للثورة التي تتربص بها قوى إقليمية وداخلية تملك التنظيم الجيد والقدرة على المناورة والاستعداد للانقضاض على الحكم المدني.

ويقول وائل طه، عضو في التجمع الاتحادي المحسوب على تيار السكرتارية القديمة، لـ"ألترا سودان"، إن الهجوم على محمد ناجي الأصم غير مبررٍ من بعض المجموعات الحزبية التي لا تتعامل بمسؤولية مع أرواح المواطنين.

ويضيف طه: "حساب تجمع المهنيين السودانيين على فيسبوك لم يتم تسليمه إلى السكرتارية الجديدة، ما يعني أن ما حدث ليس انقلابًا، وعلى الجانبين الاحتكام إلى الوفاق والوساطة وحل الخلافات، لأن الانتخابات التي جرت تفتقر إلى أبسط القواعد والعرف الديمقراطي".

اقرأ/ي أيضًا: وزارة المالية تبدأ المرحلة التجريبية لبرنامج الدعم المالي المباشر للأسر

وللتعليق على الأزمة تواصل "ألترا سودان "مع وليد علي، المتحدث الإعلامي باسم السكرتارية الجديدة، والذي وافق على تقديم معلومات عن موقف موقف السكرتارية ثم تعذر الوصول إليه لاحقًا.

تطرح السكرتارية القديمة التوافق كخيارٍ لتجاوز الأزمة، إلا أن السكرتارية الجديدة ترفض وتتمسك بأنها وصلت إلى المجلس المركزي عبر انتخاباتٍ حرة ونزيهة

والظاهر أن خلافات طرفي تجمع المهنيين السودانيين قد وصلت إلى حاجز صلب، لا يمكن عبوره دون تقديم تنازلات من الطرفين، وهو ما يرفضانه تمامًا، فبينما تطرح السكرتارية القديمة التوافق كخيارٍ لتجاوز الأزمة، إلا أن السكرتارية الجديدة ترفض هذا الخيار، وتتمسك بأنها وصلت إلى المجلس المركزي لتجمع المهنيين عبر انتخاباتٍ حرة ونزيهة، جرت في أجواء ديمقراطية وبموافقة ومشاركة جميع الأطراف.

ويعتقد محللون سياسيون أنه يجب إرساء مبادئ العمل الديمقراطي في عهد الثورة، بالاعتراف بالسكرتارية الجديدة المنتخبة في أيار/مايو الماضي، وأن عملية الوفاق التي تقودها الأطراف، يشوبها الفساد السياسي والممارسات غير الديمقراطية التي اعتاد عليها النادي السياسي القديم في السودان.

اقرأ/ي أيضًا

القوات المسلحة تنفي وجود أي مشروع عنصري لتفكيك السودان

وزير الصحة ينفي خروجه في مليونيات 30 حزيران/يونيو