انتصارات الدعم السريع في كردفان.. "هجمة مرتدة" أم انسحاب تكتيكي للجيش؟
30 مايو 2025
على نحو مفاجئ، أعلنت قوات الدعم السريع، اليوم الجمعة 30 أيار/مايو الجاري، سيطرتها على مناطق الحمادي، وكازقيل، والخوي بولاية غرب كردفان، الواقعة على بعد حوالي 100 كيلومتر غرب مدينة الأبيض، وعلى منطقة الدبيبات بولاية جنوب كردفان، ولم يصدر عن الجيش السوداني أيّ تعليق على بيانات الدعم السريع التي أكدت فيها السيطرة على خمس مناطق بولايتي غرب وجنوب كردفان.
جاءت استعادة قوات الدعم السريع للمناطق الخمس بعد أقل من شهر من سيطرة الجيش والقوات المتحالفة معه، إذ حقق في الأيام الماضية تقدمًا لافتًا في إقليم كردفان
جاءت استعادة قوات الدعم السريع للمناطق الخمس بعد أقل من شهر من سيطرة الجيش والقوات المتحالفة معه، إذ حقق في الأيام الماضية تقدمًا لافتًا في إقليم كردفان بالسيطرة على الدبيبات، والحمادي، والخوي بولايتي غرب وجنوب كردفان. وهذا يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هجمات الدعم السريع في كردفان "هجمة مرتدة" لها تأثير على مسار المعارك وما حققه الجيش من انتصارات مؤخرًا، أم أن هذه الانتصارات هدفها رفع الروح المعنوية للقوات التي تلقت عددًا من الهزائم في الفترة الأخيرة.
ترتيب الصفوف
تحاول قوات الدعم السريع، منذ نحو شهر، إعادة ترتيب صفوفها والهجوم على المناطق التي سيطر عليها الجيش في المعارك الأخيرة بهدف استعادتها، خاصة بعد أن فقدت ولايات الوسط مثل الخرطوم، وسنار، والجزيرة، التي كانت تسيطر عليها منذ الأيام الأولى للحرب.
وفي الآونة الأخيرة، تلقت قوات الدعم السريع هزائم مستمرة، كان آخرها في مدينة الصالحة وغرب أم درمان، التي كانت آخر معاقل القوات في ولاية الخرطوم وتمثل خط دفاعها الأول. ورغم تصريحات قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" بأن قواته لن تخرج من العاصمة الخرطوم وستظل تحافظ على مواقعها، إلا أن قواته لم تصمد طويلًا أمام هجمات الجيش، الذي أعلن خلو الخرطوم من قوات الدعم السريع في 20 أيار/ مايو الجاري.
تعبئة واستنفار
خسارة الخرطوم دفعت قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، إلى التعبئة والاستنفار، خاصة في إقليمي كردفان ودارفور، تحت ذريعة أن الجيش وحركات الكفاح المسلح، إذا وصلت إلى مناطقهم، ستقوم بارتكاب انتهاكات، كما حدث في بعض المناطق التي استردها الجيش والقوات المشتركة التي تقاتل معه.
نفي المشتركة
الأمر دفع القوة المشتركة إلى نفي تلك المزاعم، وقالت في بيان سابق إنها، والقوات المسلحة، ليس لديهما أي عداء مع أي جهة مجتمعية أو قبيلة، وهدفهم الوحيد هو دحر مليشيا الدعم السريع التي اشتهرت بالقتل والاغتصاب والسرقات. وأكدت السعي لبسط الأمن والاستقرار والسلام في ربوع السودان.
وأوضحت أن هناك حملات ممنهجة تقوم بها مليشيا الدعم السريع لترويع وتهديد المجتمعات، خاصة في مناطق كردفان ودارفور. وتابعت: "إننا نؤكد أن هذه الادعاءات هي افتراء وكذب وتضليل لا أساس له من الصحة".
ومنذ اندلاع حرب منتصف نيسان/أبريل 2023، كانت قوات الدعم السريع تُمسك بزمام الأمور وتتحكم في سير العمليات العسكرية لنحو عامين، قبل أن يتمكن الجيش من قلب طاولة ميزان المعركة والسيطرة على مجريات الأحداث، ويعلن خلو ولايات الوسط من تواجد قوات الدعم. ثم تتمكن قوات الدعم السريع من السيطرة على مدينتي الدبيبات والخوي في جنوب وغرب كردفان، مما اعتبره البعض "هجمة مرتدة" يمكن أن تؤثر على مسار المعارك وما حققه الجيش من انتصارات مؤخرًا.
إعادة تموضع
إلا أن مصدرًا في الجيش السوداني قلل من الانتصارات التي حققها الدعم السريع في اليومين الماضيين باستعادة السيطرة على خمس مناطق في ولايتي غرب وجنوب كردفان.
وقال المصدر لـ"الترا سودان": إن "الانسحاب من المناطق جاء بهدف إعادة التموضع واستنزاف ما وصفها بمليشيا الدعم السريع، التي خسرت في تلك المعارك خسائر كبيرة وسط قياداتها الميدانيين"، حد قوله.
مصدر بالجيش السوداني: ما حدث من هجوم على مدينتي الدبيبات والخوي كان متوقعًا، لأن المليشيا استنفرت شباب القبائل لتحقيق انتصار بأي ثمن
وأشار إلى أن "الجيش يعمل وفق ما هو مخطط له، ويسير الآن المعركة لصالحه، بعد أن كان الدعم السريع يهدد بالسيطرة على ولايات السودان المختلفة وهو في حالة هجوم مباشر، أصبح في حالة تراجع وخسائر مستمرة"، كما أفاد.
وأكد المصدر أن ما حدث من هجوم على مدينتي الدبيبات والخوي "كان متوقعًا"، لأن "المليشيا استنفرت شباب القبائل لتحقيق انتصار بأي ثمن، للحفاظ على الروح المعنوية المنهارة بسبب الخسائر المستمرة التي تجرعتها القوات، وتركت عتادًا حربيًا كبيرًا، خاصة في منطقة الصالحة بمدينة أم درمان".
مناطق استراتيجية
من جهته، قال مستشار قائد قوات الدعم السريع، إبراهيم مخير، لـ"الترا سودان": "إن الانتصارات التي حققتها قواتنا بتحرير مناطق استراتيجية في غرب وجنوب كردفان تعد تطورًا استراتيجيًا ونقطة تحول في سير المعركة لصالح قوات الدعم السريع"، بحسب تعبيره.
مستشار قائد قوات الدعم السريع: انتصار الدعم السريع لن يتوقف حتى تتم هزيمة جيش الحركة الإسلامية واستعادة التحول المدني الديمقراطي
وأضاف: "إن انتصار الدعم السريع لن يتوقف حتى تتم هزيمة جيش الحركة الإسلامية واستعادة التحول المدني الديمقراطي"، حد قوله.
وأشار إلى أن قوات الدعم السريع عملت على ترتيب صفوفها وتعد العدة للسيطرة على مواقع مهمة في المرحلة المقبلة.
الوضع الميداني
وفي المقابل، قال الناطق الرسمي باسم القوة المشتركة، العقيد أحمد حسين مصطفى، لـ"الترا سودان": "الوضع الميداني والعملياتي ممتاز".
الناطق الرسمي باسم القوة المشتركة: مليشيا الدعم السريع لن تستطيع فعل شيء أمام جحافل أبطالنا
وأضاف: "مليشيا الدعم السريع لن تستطيع فعل شيء أمام جحافل أبطالنا، وبالأمس فقدوا كثيرًا في العمليات العسكرية".
وأشار إلى أن عددًا من قادة مليشيا الدعم السريع ظلوا طوال الفترة الماضية "يدعون القبائل إلى الاستنفار وزج أبنائها في معارك خاسرة، بهدف رفع الروح المعنوية لمليشياتهم المنهارة، بعد الخسائر المتتالية التي تكبدوها في عدة معارك بكردفان ودارفور وأم درمان"، حد وصفه.
كرّ وفرّ
بدوره، يرى الخبير العسكري طارق عمر أن الحرب مع قوات الدعم السريع كرّ وفرّ، وأن الجيش غير مستعجل للتمسك بالأماكن والمدن لظروف محدودية الجيش والقوات المساندة. ويبدو أنه يميل لاستنزاف العدو من حيث الموارد البشرية والقتالية، وهذا ظهر تأثيره قبل المعارك الأخيرة في الميديا وصراخ مليشيا الدعم السريع.
وقال عمر لـ"الترا سودان": "هذا النسق، عندما تكون هجمات الدعم السريع عاتية وتتحقق فيها الخسائر، ينسحب الجيش تكتيكيًا من المواقع، ولا يُعتبر هذا نصرًا لقوات الدعم السريع".
وأضاف: "عندما تسمح ظروف المعركة بالاستمرار في القتال وتحقيق الخسائر والتمسك بالأرض، يفعلها الجيش، وهذه كانت معركة الخوي باختصار: انسحاب تعبوي من الدبيبات وهزيمة العدو في الخوي والتمسك بها".
وأكد أن مسار العمليات في صالح الجيش السوداني، ومنذ نهاية العام الماضي عندما أعلن الجيش السوداني مرحلة عبور الجسور والسيطرة على المناطق الحاكمة في مسار العمليات العسكرية.
خبير عسكري: النجاح الذي حققه الجيش السوداني باستعادة ولايات مهمة مثل الجزيرة وسنار ومؤخرًا الخرطوم، جعله يتفوق بشكل كبير جدًا
وتابع: "النجاح الذي حققه الجيش السوداني باستعادة ولايات مهمة مثل الجزيرة وسنار ومؤخرًا الخرطوم، جعله يتفوق بشكل كبير جدًا. ونحن في السابق كنا نتحدث عن أن الدعم السريع يسيطر على كل تلك الولايات، بالإضافة إلى انتشاره في النيل الأبيض وشمال وجنوب كردفان".
وزاد: "الآن المعارك في كردفان ودارفور، التي يسيطر على معظم الفرق العسكرية فيها".
وشدد على أن مسار العمليات بدأ يضيق شيئًا فشيئًا، وكانت هناك خسائر فادحة في صفوف الدعم السريع، بعد محاولته استعادة السيطرة على منطقة الدبيبات بولاية جنوب كردفان والخوي في غرب كردفان، المتاخمة لولاية شمال كردفان.
السودان الجديد
وسبقت تلك العمليات العسكرية تصريحات لرئيس المجلس الاستشاري لقوات الدعم السريع، حذيفة أبو نوبة، الذي أعلن عن انطلاق تأسيس الدولة السودانية الجديدة من ولاية جنوب دارفور، مما أثار جدلًا واسعًا حول ما إذا كان هذا التصريح يُعد بمثابة المشروع السياسي الجديد.
ويقول المحلل السياسي والمختص في الشأن الأفريقي، د. محمد تورشين، لـ"الترا سودان": "المحاولات التي جرت منذ فترة طويلة لتحويل الدعم السريع من مليشيا ارتكبت كل الفظائع والجرائم ضد المدنيين، ليست في فترة الحرب فقط، وإنما منذ العام 2003، إلى قوى سياسية فاعلة وذات تأثير، كلها فشلت، وأبرزها محاولة الاستيلاء على السلطة في نيسان/ أبريل 2023".
وأضاف: "التصريحات التي صدرت من رئيس المجلس الاستشاري هي محاولة، بشكل أو بآخر، للتقليل من الانتصارات التي حققها الجيش السوداني، وترسل رسالة لجنود الدعم السريع للحفاظ على الروح المعنوية بعد تراجع الدعم السريع بشكل متسارع".
وأشار إلى أن قوات الدعم السريع، بعد أن كانت تهدد معظم مدن السودان، أصبحت الآن محصورة في غرب وجنوب كردفان، ومنها ستنتقل المعارك إلى دارفور بعد فقدانها جميع المناطق التي كانت تسيطر عليها من قبل، إلى جانب الرفض الجماهيري بعد ارتكاب تلك القوات انتهاكات وجرائم في أجزاء واسعة من السودان.
محلل سياسي: أعتقد أن الدعم السريع سيكون مصيره كمصير الكثير من الحركات المسلحة التي يعاني منها السودان؛ سيتقوقع ويتراجع في منطقة جغرافية محددة دون تأثير فعلي
وتابع: "أعتقد أن الدعم السريع سيكون مصيره كمصير الكثير من الحركات المسلحة التي يعاني منها السودان؛ سيتقوقع ويتراجع في منطقة جغرافية محددة دون تأثير فعلي، باعتبار أن السيطرة على الخرطوم هي "أم المعارك"، وبالتالي فإن الدعم السريع فقد الكثير من النقاط التي كانت يمكن أن تدعم موقفه، سواء كان عسكريًا أو تفاوضيًا".
وأكد تورشين أن الدعم السريع سيفقد الكثير من قواته، لأن الحرب عندما تنتقل إلى إقليم دارفور ستكون أكثر تعقيدًا، وستتدخل بعض الإدارات الأهلية والقوى المجتمعية التي ليس لديها مصلحة بأن تتضرر مناطقها، وستعلن انحيازها للجيش السوداني.
من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة معارك ضارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في إقليم كردفان، الذي يشهد تدهورًا في كل مناحي الحياة، بعد أن كان يُعد المورد الرئيس المغذي لخزينة البلاد بالعملة الصعبة، نظير تصدير النفط، والصمغ العربي، والمحاصيل الأخرى، إلى جانب الماشية. ومن يستطيع أن يكسب هذه المعركة، يكون قد ضمن تمدده نحو الشرق أو الغرب.
ويُصر طرفا القتال على حسم المعركة عسكريًا، وكسر شوكة الطرف الآخر، دون الاستجابة لدعوات الوساطة الأخيرة من المملكة العربية السعودية، التي تريد إحياء منبر جدة من أجل التوصل إلى اتفاق يفضي إلى وقف إطلاق النار ووقف معاناة السودانيين.
الكلمات المفتاحية

اجتماعات واشنطن.. هل تتفق على وقف حرب السودان؟
تعتزم الولايات المتحدة استضافة اجتماعات على مستوى وزراء خارجية "دول الرباعية" التي تضم واشنطن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، لمناقشة سبل وقف الحرب في السودان، نهاية هذا الشهر.

كر وفر في أم صميمة.. استعار الاشتباكات في شمال كردفان
في شمال كردفان، تدفع قرى صغيرة على الطرقات الرابطة بين مناطق الدعم السريع وسيطرة الجيش، ثمن انتقال المعارك من العاصمة الخرطوم وإقليم الوسط إلى غرب وجنوب السودان

تجدد الهجوم على مخيم اللاجئين السودانيين في أوغندا
تطورت أحداث العنف في مخيم كرياندنغو شمالي أوغندا بشكل متسارع، وكررت مجموعة تحمل الأسلحة البيضاء الهجوم على المخيم الذي يؤوي عشرات الآلاف من اللاجئين السودانيين للمرة الثانية السبت 12 تموز/يوليو 2025.

13 إصابة بينها حالتا وفاة بضربات الشمس بولاية البحر الأحمر
كشفت اللجنة الفنية للطوارئ الصحية بوزارة الصحة ولاية البحر الأحمر، عن تسجيل 13 حالة إصابة بضربات الشمس، بينها حالتا وفاة بولاية البحر الأحمر.

سيول مفاجئة تتسبب بنزوح عشرات الأسر في شمال دارفور
أعلنت مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة أن السيول الناجمة عن أمطار غزيرة اجتاحت بلدة دار السلام في ولاية شمال دارفور خلال يومي 14 و15 تموز/يوليو الجاري

زيادة جديدة في الدولار الجمركي تحدث سخطًا في أوساط المستوردين بالسودان
قال متعاملون في التخليص الجمركي، إن الحكومة نفذت زيادة جديدة في التعرفة الجمركية الخاصة بعمليات الاستيراد، برفع القيمة من ألفي جنيه إلى 2400 جنيه اليوم الأربعاء.

الهلال والمريخ يعتذران عن خوض نهائي كأس السودان
أعلن ناديا الهلال والمريخ في بيان مشترك، أمس الثلاثاء، اعتذارهما عن خوض مباراة نهائي كأس السودان، المقررة في 26 تموز/ يوليو الجاري على ملعب بورتسودان، مبررين ذلك بجملة من التحديات التي رافقت مشاركتهما في البطولات خلال فترة الحرب.