"اليقين" زاد السودانيين في الشهر الفضيل
28 فبراير 2025
النساء السودانيات عميقات التدين بطبعهن، وكأنهن يرضعن تلك الميزة أمًا عن جدة، محافظات على صلاوتهن وأورادهن وكثيرات الصوم تطوعًا وفي أيام المناسك المتعددة. وأكاد أجزم إن في كل أسرة سودانية تكون المرأة "الأم – الأخت" هي المحفز الأول للصغار على تعلم الصوم، والصبر على الجوع والعطش، لاسيما في أجواء السودان الساخنة.
الصيام في السودان يعده الكثيرون مختبرًا حقيقيًا للرجولة فالذي لا يصوم يوصف بأنه "سيد جرسة"، سيد الجبن وكبير الخائفين
ولنساء السودان مقولة خالدة ينصحن بها كل صغير في درب الصيام يمضي، فهي تناجيه ناصحة باسمة: "الصيام يقين يا ولدي"، ويقصدن أن يقينك وإيمانك هو ما يلزمك بالصيام ويقيك من فخ الانزلاق إلى العصيان و"الإفطار نهارًا" وفق مبررات واهية تقنع بها نفسك.
الصيام في السودان إلى جانب كونه فرض واجب التنفيذ، يعده الكثيرون مختبرًا حقيقيًا للرجولة، فالذي لا يصوم يوصف بأنه "سيد جرسة"، سيد الجبن وكبير الخائفين، لذ قد يصادفك شخص ضعيف الإيمان لا يؤدي الصلوات الخمس، أو يؤديها متقطعة، لكنه عند الصيام لا يتنازل أبدًا، بل قد يصوم الشهر كاملًا دون صلاة، على الجوع والعطش، "رجالة" هكذا، أما أن يطلق عليه "جرسة" أو فاطر رمضان فذلك من المستحيلات. وإن سألته لماذا تصوم؟ فتأكد أن الإجابة ستكون: "الصيام يقين!،" وغالبًا ما يكون المعنى مشوشًا في ذهنه، ومرتبطًا بصورة ما بالشجاعة والبطولة أكثر من الإيمان والعبادة، فإن كنت أنت على يقين تام بإيمانك وثقة في جزاءك، فهو على يقين راسخ بـ"رجولته" وقدرته على التحمل والتحدي.
رمضان هذا العام قد يكون شاقًا على السودانيين. أولئك الموجودين في مناطق الصراع الملتهبة بالمعارك، في العاصمة الخرطوم، وفي كردفان ودارفور، أو أولئك الذين أجبرتهم ظروف الحرب على النزوح، والسكنى في دور الإيواء في المناطق الآمنة، في ظل ظروف قاسية تتمثل في ندرة الطعام وشح المال وحصار الأوبئة والأمرأض.
سيفتقد الكثيرون هذا العام "كرتونة رمضان" بأصنافها الرمضانية ذات النكهة السودانية الخاصة، تلك التي تأتي هدية من الخيرين والطيبين، أو التي تأتيك مع اقتطاع صغير من الراتب الشهري، إن كنت موظفًا أو عاملًا في المؤسسات والشركات الحكومية أو الخاصة، فكل شيء في أرض الحرب متوقف ومصاب بالشلل والخلل.
لكن، من المؤكد أن "اليقين" – بمعنى الإيمان والتسليم والثقة في الله - سيأخذ بالجميع إلى بر الأمان، بداية من زمن الصيام المحصور بين الإمساك وأذان المغرب، ونهاية بعيد الفطر بعد ثلاثين يومًا، هي الأيام الكاملة للشهر الفضيل.
ما تعلمه الأسرة السودانية، أيضًا لصغارها الذاهبين في طريق التعبد الرمضاني، إلى جانب "اليقين" العاصم من الزلل أثناء الصيام، إشاعة روح السخاء والكرم، فـ"رمضان كريم والبحبو كريم"، والمعني بإظهار هذا الكرم "أنت" وليس شخصًا آخر سواك، لذا في كل بقعة من أرض السودان، قرية كانت أو مدينة، ترى الشوارع في رمضان ممتلئة بالمفطرين في ساحات "الضرا"، يخرج الجيران كل يحمل زاده من الطعام، يأتي الأهل والأغراب، ودائمًا هناك شيخ أو شاب غض يعترض الطريق على العابرين مقسمًا: "حرم تفطروا معانا".
في رمضان هذا العام، مثل رمضان العام السابق، وحتمًا أقسى منه؛ يقابل السودانيون شهر الصيام و"الضرا" قد تحول بفعل الحصار وانعدام القلة إلى شأن يومي، فالمطابخ الجماعية، إرث التكايا الصوفية المجيد، هي التي سندت سوداني الداخل من شبح المجاعة الذي يحوم محاولًا اقتناص الجميع.
غرف الطوارئ، التي تدير التكايا أعلنت بمر الشكوى عن توقف شبه تام لأكثر مطابخها في العاصمة الخرطوم، ومناطق أخرى من البلاد، وهذا لعوامل عدة بعضها داخلي نتاج تصاعد المعارك وحدتها، والبعض الآخر خارجي يتصل بإيقاف التمويل من الجهات الأجنبية التي كانت تسهم بسهم كبير في تشغيل هذه المطابخ، فكيف سيكون رمضان هذا العام؟ بـ"اليقين والكرم" سيأتيك الرد بلا شك إن سألت أي طفل من أطفال البلاد الكبيرة، السودان.
سيتداعى السودانيون في الداخل والخارج لرفد مطابخهم بالمعينات والمال، سيتسع الرزق الحلال، مثلما يؤمن السودانيون في الشهر الفضيل الكريم، سيقرص الجوع البطون وتشتاق الحناجر إلى الماء إلى حين الإفطار، لكنهم – سيقولون – لا يعدو مجرد تمرين، تذكار ديني وتربوي بمعنى الصبر وتحمل المشقة، والنظر بـ"يقين" إلى حال البلاد والعباد، فإذا طال الزمن أم قصر ستنتهي الحرب ويموت الوجع وتعود إلى النفوس تلك الروح المشتاقة تبتلًا عند كل بداية لشهر الصيام.
أتذكرون تلك المشاهد العفوية التي ظلت تتداول عند كل رمضان، ملتقطة من الشوارع الرئيسية التي تقود إلى ولاية الجزيرة، تلك التي اختفت العام الماضي مع تشتت أهل الجزيرة نازحين ومشردين في بقاع الأرض السودانية بعد احتلال أرضهم والتنكيل بهم، هذا العام ستعود وترى وتحس، فأهل القرى عادوا إلى قراهم و"أرض المحنة" ولاية الجزيرة لا تزال حبلى بالخير والمحبة.
الكلمات المفتاحية

طه سليمان.. نجم الحفلات الجماهيرية متطوعًا في حرب السودان
منذ اندلاع الحرب تحول الفنان الذائع الصيت خاصة في أوساط الشباب طه سليمان، من مغن في الحفلات الجماهيرية ونجم الشباك الأول

"الكاف" يرفض إقامة مباريات الهلال السوداني والأهلي المصري في ليبيا
رفض الاتحاد الأفريقي لكرة القدم "الكاف"، طلب نادي الهلال السوداني باعتماد ملعب "شهداء بنينا" في بنغازي لاستضافة مباراة الرد ضد الأهلي المصري، في إياب دوري مجموعة أبطال أفريقيا مطلع نيسان/أبريل 2025.

تقاليد رمضان السودانية.. كيف تصمد في دول المهجر؟
تقاليد رمضان السودانية جزء أصيل من الهوية السودانية، ولا يمكن تصور أن يمر الرمضان على السوداني دون أن يشم رائحة الآبري أو يحضر الرقاق لتناول سحور مميز

معارك ضارية وسط الخرطوم والجيش يحرز تقدمًا نحو القصر
أحرزت القوات المسلحة تقدمًا جديدًا وسط الخرطوم صباح اليوم، إثر معارك ضارية بدأت منذ الساعة الرابعة وفق مصادر محلية، فيما اضطرت قوات الدعم السريع تحت الضربات الجوية المكثفة وانتشار المشاة بالتراجع الميداني

القوات المسلحة تعلن التحام المدرعات مع القيادة العامة وسط الخرطوم
أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة، العميد ركن نبيل عبدالله، التحام جيشي القيادة العامة وسلاح المدرعات عقب السيطرة على منطقة مستشفى الشعب اليوم الاثنين، وهزيمة قوات الدعم السريع.

السودان.. هل يقود صراع الفصائل العسكرية المساندة للجيش إلى الاقتتال؟
في غمرة تقدم الجيش، اندلع تنافس محموم بين الفصائل على النفوذ ومواقع التأثير السلطوي ومراكمة الثروة والاعتبار، فاشتعل خلاف معلن بين القوة المشتركة لحركات دارفور المسلحة وقوات درع السودان من جهة، وبينهما معًا في مقابل كتائب الإسلاميين من جهة أخرى

أعضاء بمجلس الأمن يدينون اختطاف قوات الدعم السريع لموظفين أمميين
قال أعضاء بمجلس الأمن الدولي، إن قوات الدعم السريع احتجزت 60 من حفظة السلام الأمميين، واختطفت ثمانية موظفين مدنيين، ونهبت قافلة لوجستية تتبغ لقوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي (يونيسفا)، مكونة من ثماني مركبات و280 ألف لتر من الوقود.