الملاحظ في مبادرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بين السودان والإمارات أن البلدين لم يعلنا رفضهما للوساطة التي عرضتها أنقرة بشكل رسمي منذ 13 كانون الأول/ديسمبر 2024.
باحث: أردوغان لديه تأثير كبير على السودان والإمارات وهو الأنسب لقيادة الوساطة
وأكد مجلس السيادة الانتقالي أن رئيس المجلس، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، تلقى محادثة هاتفية من الرئيس التركي، وتطرقا إلى جهود إحلال السلام في السودان. فيما قالت وكالة الأناضول التركية إن أردوغان عرض على قائد الجيش السوداني وساطة بين السودان والإمارات من منطلق الحرص على سيادة البلاد ومنع التدخلات الأجنبية.
تتميز العلاقة بين السودان وتركيا منذ سنوات بنوع من الاستقرار، وزادت وتيرة التعاون بين البلدين في العام 2017، عندما وافق الرئيس المعزول عمر البشير على منح مواقع لتركيا في منطقة سواكن بالبحر الأحمر. لكن المشروع لم يمضِ إلى الأمام.
خلال الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، عبر قادة عسكريون عن أملهم في إتمام صفقة طائرات بلا طيار تركية الصنع بين بورتسودان وأنقرة، لتحقيق النصر العسكري على الأرض ضد قوات حميدتي. وقد ذهبت توقعات المراقبين الدبلوماسيين والعسكريين إلى أن الاتفاق لم يُكمل حتى الآن، ولم يتسلم الجيش السوداني طائرات تركية حديثة تُسمى "بيرقدار" بالكمية المطلوبة.
الوساطة التركية بين السودان والإمارات لم تبدأ بعد. ما تزال أنقرة تنتظر رد الجانبين حول مناقشة التفاصيل الدقيقة، وعما إذا كان هناك لقاء مباشر على مستوى رؤساء الدولتين. خاصة مع رغبة تركية في إحياء المبادرة التي طرحتها إثيوبيا في تموز/يوليو 2024، والتي مضت إلى مرحلة المكالمة الهاتفية بين البرهان وحاكم دولة الإمارات، محمد بن زايد، وتوقفت الأمور عند ذلك الحد لعدم اتفاق الجانبين على بعض النقاط الخلافية.
يرى الباحث السياسي، مصعب عبد الله، في حديث لـ"الترا سودان"، أن الوساطة التركية بين السودان والإمارات تحظى بقدر من التفاؤل، لأن أردوغان لديه تأثير على البلدين. ولا يستبعد الباحث السياسي أن تكون الولايات المتحدة الأميركية موجودة في الوساطة التركية، خاصة وأنها طُرحت عقب لقاء بين أردوغان ووزير الخارجية الأميركي الذي زار أنقرة نهاية الأسبوع الماضي.
ويعتقد مصعب عبد الله أن تركيا لديها قبول لدى الإسلاميين، خاصة وأن هناك مجموعات من النظام البائد تقيم في تركيا عقب الإطاحة من السلطة. لذلك من المؤكد أن الجانب الإماراتي سيطرح مسألة الإسلاميين في السودان ومستقبلهم السياسي، وكيفية إدارة العلاقة بينهم وبين عبد الفتاح البرهان.
وأضاف: "بشكل أو بآخر هناك وجود للإسلاميين في الأزمة السودانية، وإن لم يكن بشكل مباشر، لكن تصريحات البرهان نفسه حول مؤتمر الشورى في عطبرة تؤكد وجود رمال متحركة بين الجانبين".
وأردف: "تركيا قد تطرح صيغة توافقية بين البرهان والإسلاميين والإمارات لصالح إنهاء الحرب في السودان. وهذا يعني أن شكل سلطة ما بعد الحرب سيكون بين الأطراف الثلاثة وإقصاء القوى المدنية المناهضة للحرب".
ويقول مصعب عبد الله إن الوساطة التركية تتوقف على ما سيقوله البرهان بشأن مستقبل الإسلاميين في السودان لدى الجانب الإماراتي، الذي يرى أن هذه المسألة استراتيجية.
مقابل هذا الاتجاه الذي ذهب إليه الباحث السياسي، مصعب عبد الله، فإن هناك رأيًا آخر لدى المحلل السياسي عبده مختار، بالإشارة إلى نقطة مهمة تتعلق بأن التفاوض، حال إتمامه من الجانب التركي، سيكون بين السودان كحكومة ممثلة للدولة وبين الإمارات. ولن يكون الحوار بين الجيش وأبوظبي إلا إذا اشترطت الأخيرة تمثيل الجيش وعدم الاعتراف بالحكومة القائمة في بورتسودان.
باحث سياسي: الحديث عندما يكون عن الوساطة التركية بين بورتسودان وأبوظبي ينبغي أن نسأل عن المصالح الإماراتية في السودان، وأبرزها وضعية قوات الدعم السريع بعد الحرب
ويشير مختار في حديث لـ"الترا سودان" إلى أن الحديث عندما يكون عن الوساطة التركية بين بورتسودان وأبوظبي ينبغي أن نسأل عن المصالح الإماراتية في السودان، وأبرزها وضعية قوات الدعم السريع بعد الحرب. هل تؤيد أبوظبي هذا الخيار؟ وهل يمكن إنكار وجود علاقة عميقة بين حميدتي وشقيقه وبين الإمارات؟ الإجابة هي لا. بالتالي، الأمر هنا يتوقف على مقترح قد تدفع به تركيا إلى الطرفين حول وضعية قوات الدعم السريع، وهي مطالب لا يمكن التنازل عنها من الجانب السوداني، الذي يشدد على تجميع هذه القوات في معسكرات كبيرة، وتسريحها، ومحاكمة المتورطين في الجرائم. بمعنى أن الدمج في الجيش بالنسبة للمؤسسة العسكرية لم يعد خيارًا بعد الحرب.
بالنسبة للموانئ والأراضي الزراعية، خاصة مثلث الفشقة شرق البلاد ومشروع الرواد الزراعي، لن يقف السودان كثيرًا أمامها، باعتبار أنها تُطرح وفق صيغ استثمارية بالاتفاق بين البلدين. بالتالي، تعد أكبر مصالح الإمارات وأكثرها خطورة في مرحلة ما بعد الحرب هي وضعية قوات الدعم السريع.
وكان وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، جبريل إبراهيم، أكد في تشرين الأول/أكتوبر 2024 أن السودان قرر إلغاء الاتفاق المشترك مع الإمارات بخصوص موانئ "أبي عمامة" على ساحل البحر الأحمر، بعقود قيمتها ستة مليارات دولار، تشمل منطقة صناعية وسياسية وقع عليها البلدان نهاية العام 2022.
ويعد جبريل إبراهيم أحد المسؤولين الذين يطالبون مرارًا بالتفاوض مع الإمارات مباشرة بدلًا من التفاوض مع قوات الدعم السريع. ويرى أن هذه القوات تقف وراءها أبوظبي بالتمويل والتسليح والمشورة الدبلوماسية في مجلس الأمن الدولي.
ولا يزال السودان يصدر الذهب إلى الإمارات بصورة رسمية. فيما طُرح مشروع بين السودان وقطر مطلع هذا العام لإنشاء مصفاة للذهب، عقب تأثر المنشأة الحكومية بالحرب والتدمير والنهب.
ويتهم السودان الإمارات بتمويل قوات الدعم السريع بالعتاد الحربي والأسلحة المتطورة خلال الحرب ضد الجيش، التي تدخل شهرها الـ20. وفي مؤتمر صحفي مطلع هذا الشهر في بورتسودان، اتهم الأمين العام لوزارة الدفاع السودانية الإمارات بإرسال طائرات بلا طيار إلى قوات الدعم السريع تُمنح عادة وفق بروتوكولات أمنية بين البلدان.