14-مايو-2020

حرق قرية بدارفور (أخبار السودان)

برزت الدعوات لتكثيف الجهود الرسمية والشعبية في السودان للحفاظ على السلم والنسيج الاجتماعيين، ووضع حلولٍ جذرية للنزاعات القبلية والأهلية التي ظلت تتكرر في مناطق مختلفة في عدة ولايات مثل ما حدث مؤخرًا في "دارفور، الجزيرة، كسلا وجنوب كردفان"، وتصاعدت المطالبات بضرورة فرض هيبة الدولة وعدم إتاحة المجال أمام عناصر النظام المخلوع لبث الفتنة.

مساعٍ رسمية

شهد النزاع الأخير في جنوب دارفور تحركًا للسلطات الرسمية، ورئيس الوزراء يشدد على إعمال القانون بصرامة وبسط هيبة الدولة

وشهد النزاع الأخير في جنوب دارفور تحركًا للسلطات، وشدد رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك، في صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، على ضرورة إعمال القانون بصرامة وبسط هيبة الدولة بما يضمن عدم تكرار مثل تلك الأحداث.

اقرأ/ي أيضًا: موظف في مكتب كبير مستشاري رئيس الوزراء متهم بالتآمر على وزير الصحة

كما تحدث حمدوك، عن النزاع في ولاية كسلا، وأوضح إن الأحداث التي شهدتها الولاية كانت امتدادًا لأحداث وقعت في مناطق أخرى، وشدد على ضرورة معالجة مسببات الصراع القبلي في بعض المناطق بالسودان بصورة جذرية عبر منهج واضح وكلي للسلام الشامل، بجانب تسريع اختيار الولاة المدنيين وإنشاء آليات للمساءلة، ودعا الجميع للترابط ونبذ الفرقة والجهوية والقبلية وإشاعة روح السلام والتسامح والمصالحة والحوار.

وفي السياق المتصل بالمستوى الرسمي للدولة قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، في بيان أصدره الأحد الماضي، إن مجلسي السيادة والوزراء وأجهزة الدولة التنفيذية والأمنية يتابعون بقلق شديد الأحداث القبلية المؤسفة التي وقعت في مناطق متفرقة من الوطن، كانت في محصلتها إزهاق لأرواح سودانية عزيزة وإتلاف لأموال وممتلكات غالية.

وأضاف البرهان: "نريد أن تكون روح البناء وروح الإخاء استشعارًا للخطر الذي يحدق ببلادنا والذي يتطلب التكاتف والترابط وليس الاحتراب أو الاصطفاف القبلي والجهوي الذي بلا شك سيعيق مهام الفترة الانتقالية ويخالف مبادئ وشعارات الثورة المجيدة، بناءً على ذلك فإني أرجو من مواطنينا الكرام وأدعوهم لتفويت الفرصة على دعاة الفتنة الذين يسعون إلى هدم قيم مجتمعنا السوداني السمحة والنبيلة، والوقوف إلى جانب صوت الثورة الرامي إلى بناء وطنٍ خالٍ من العنصرية والجهوية، وطنًا يسع الجميع".

ووجه رئيس مجلس السيادة الانتقالي القوات النظامية بالتصدي لكل من يريد أن يعبث بأمن المواطن، وزاد: "سنقف جميعًا مصطفين ضد المتآمرين من أعداء الشعب ويدًا واحدة في وجه أعداء ثورة الشعب المجيدة".

جهود إعلامية

ولمواجهة النزاعات القبلية نشأت مبادرة "صحفيون ضد العنف القبلي"، في عهد النظام المخلوع عقب تصاعد الصراعات القبلية، وهي مبادرة مستمرة حتى الوقت الراهن، وعقب النزاع الأهلي الأخير في دارفور وشرق السودان أصدرت المبادرة بيانًا ناشدت فيه الإدارات الاهلية بتحكيم صوت العقل، وتفويت الفرصة على من لا يريدون الاستقرار والسلام "لأهلنا والوطن"، وحثت المبادرة السلطات الولائية وعلى مستوى الحكومة الاتحادية بالتدخل العاجل لوقف نزيف الدم، واتخاذ إجراءاتٍ تحول دون تكرار ما جرى، وبسط هيبة الدولة وسيادة حكم القانون.

اقرا/ي أيضًا: منع راكبين سودانيين من دخول البلاد بعد وصولهما مطار الخرطوم بطائرة شحن تركية

وأشارت المبادرة للتاريخ الطويل للتعايش السلمي، والروابط الاجتماعية التي نمت بين المكونات المتنازعة، ووجهت مبادرة "صحفيون ضد العنف القبلي" في بيانها الذي صدر في 10 أيار/مايو الجاري، نداءً للإعلاميين في الوسائل المختلفة بالتعامل بمسؤولية مع الأخبار الواردة من مناطق النزاع وتناول حيثيات الصراع بما يخدم رأب الصدع والسلم الاجتماعي، كما دعت المواطنين المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي للبعد عن إثارة الفتن وعدم إيراد الأخبار التي توغر الصدور، وأن يكثفوا الدعوات والمناشدات بالإنهاء الفوري لكل أشكال العنف والتوتر، ونوهت إلى أن النزاع ليس فيه منتصر أو مهزوم، وقالت: "إنما الخاسر هو النسيج الاجتماعي".

وأفاد العضو المؤسس للمبادرة والناشط في قضايا السلم الاجتماعي الصحفي لؤي عبد الرحمن، "الترا سودان" إن مبادرة صحفيون ضد العنف القبلي تأسست قبل أكثر من ست سنوات على خلفية اشتداد النزاع القبلي في شرق دارفور، وإنها تهدف لتجنيب الإثارة والتناول الخاطئ للنزاعات القبلية في الإعلام، والعمل على تعزيز السلام الاجتماعي والتعايش السلمي.

وأوضح لؤي أنهم عقدوا اجتماعًا تأسيسيًا ضم عددًا من الصحفيين والصحفيات أبرزهم وزير الإعلام الحالي فيصل محمد صالح، وخرج الاجتماع ببيان وميثاق شرف يحث الوسط الإعلامي على الالتزام بأخلاقيات المهنة والكتابة عن الأحداث بين القبائل بما لا يؤجج العنف، وأشار إلى زياراتهم للمؤسسات الإعلامية حيث وقع المدراء ورؤساء تحرير صحف وإذاعات وقنوات فضائية على الميثاق والتزموا به.

وحول تأثير المبادرة ذكر لؤي "منذ ذلك الوقت أستطيع القول إن الأخبار السالبة عن المشكلات القبلية انخفضت بنسبة (٩٥)% لأننا كنا نرصد أي انتهاك للميثاق"، ولفت لجهود المبادرة وإصدارها البيانات في كل حدث، بجانب الاستجابة من الوسطاء بتحريك قيادات في الإدارات الأهلية للقيام بأدوار إيجابية بين المتنازعين ودعم أي حراك إيجابي بتغطية إعلامية، بالإضافة إلى استجابة السلطات الحكومية لنداءات التدخل، ونبه عبد الرحمن إلى إبداء أطراف النزاع للنوايا الحسنة عند التواصل معهم، ووصف المبادرة بالناجحة نتيجة التزام الصحفيين والإعلاميين عمومًا بميثاق الشرف، وأبان أن النشر الإيجابي تعزز بشكل كبير.

تحليل الصراعات

وللغوص في أسباب تلك الصراعات أوضح الأمين العام لهيئة محامي دارفور الصادق علي حسن لـ"الترا سودان" أمس الأربعاء: "أن من أهم أسباب الصراعات القبلية والأهلية التقليدية الإشكالات الناجمة عن المراحيل وحركة التنقل التقليدي للرعاة شمالًا وجنوبًا بحثًا عن المياه، وما ينجم عن ذلك من احتكاكات بين الرعاة من العرب الرحل والأهالي المستقرين بالقرى والأرياف، وذكر حسن: "لكن لاحقًا وفي ظل النظام البائد تم تسييس القبائل واستخدام رمزيتها كحاضنة سياسية للنظام، وتسابق الطامحون للسلطة من المجموعات والإدارات الأهلية، لكن هناك مجموعات اجتماعية تحفظت على ذلك، واستغل بعض من أولئك الطامحين في السلطة على مستوياتها القاعدية والمركزية رمزية القبيلة في التنافس القبلي وكرسوا للاحتراب القبلي والأهلي وطوروه إلى مرحلة التنازع بين القبيلة والقبائل المتحالفة معها، لذلك بات من الطبيعي أن يتطور نزاع عادي بين شخصين أو أفراد في موضوع عادي يخصهم لوحدهم إلى صراعات قبلية طاحنة تتجاوز شخوص أطرافها لتطال غيرهم وتحصد أرواح الأبرياء".

 وأشار حسن إلى بروز بعض المشاكل المتعلقة بالحصول على الأراضي أو الاستحواذ عليها أو إدارة المنافع أو التباين في بعض الأمور العادية المجتمعية أو قضايا السكن والحقوق والمزايا المرتبطة بها، مثلما ظهر ويظهر من احتكاكات في مناطق مختلفة، وتابع: "كلها لها أسباب عديدة ومختلفة تتفق جميعها على نتيجة واحدة تتمثل في التكتل القبلي ضد الغير"، ونوه إلى أن الانتماء القبلي أصبح أقوى من غيره، مما يهدد النسيج الاجتماعي المهترئ أصلًا ومن بعد الوحدة الوطنية.

اقرأ/ي أيضًا: مفوضية اللاجئيين تبعد (14) ألف لاجئٍ سوداني من بؤرة توترات بإفريقيا الوسطى

وحمل الأمين العام لهيئة محامي دارفور مسؤولية كل المشكلات القائمة حاليًا لمشروع النظام المخلوع المسمى بـ "المشروع الحضاري" وقال إن رأس النظام المدبر الراحل حسن الترابي، خطط لتحويل ولاءات المناطق التقليدية للأحزاب إلى ولاءات لمشروعه الحضاري المزعوم، واتباعه سياسة خلخلة ولاءات المواطنين للأحزاب التقليدية في مناطق مثل دارفور بالركون إلى القبيلة ومن ثم تجيير الولاء القبلي لخدمة أجندة مشروعه الحضاري المزعوم، فهتك النسيج الاجتماعي وأورث البلاد الفتن والمشكلات القبلية.

عبد الله موسى: لا يوجد خلاف يؤدي لنزاع بين الأطراف المتصارعة حاليًا في شرق السودان، ولا يوجد نزاع حول الأراضي أو الثروات

النظام المخلوع والتورط في الأحداث

ويرى القيادي في مؤتمر البجا، والحرية والتغيير، والناشط في السلم الاجتماعي عبد الله موسى، أنه لا يوجد خلاف يؤدي لنزاع بين الأطراف المتصارعة حاليًا في شرق السودان، حيث لا يوجد نزاع حول الأراضي أو الثروات، وذكر "نحن في شرق السودان جيران ولا مشاكل بينها"، واعتبر أن هناك جهات تستغل الوضع لإسقاط النظام الحالي حددها في النظام المدحور وأصحاب المصلحة الذين كانوا يسيطرون على شرق السودان، لكن شدد موسى على ضرورة إجراء مناقشة واضحة وصريحة للإجابة على السؤال "إذا كان هناك تآمر وجهات تدعو للفتنة ما الذي يجعلنا ننساق وراءها؟".

مقترحات للحلول

وللإجابة على التساؤل السابق ولتفويت الفرصة على دعاة الفتنة اقترح موسى القيادي بمؤتمر البجة، التواضع على ميثاق اجتماعي لمختلف سكان شرق السودان، بالإضافة إلى مخاطبة القضايا التاريخية لشرق السودان بعقد مؤتمرٍ شامل وجامع في إحدى ولايات شرق السودان يسمى المؤتمر السياسي والاجتماعي لشرق السودان ويحضره مناديب من كل سكان الشرق من الأحزاب السياسية والقبائل ومنظمات المجتمع المدني والأكاديميين وجامعات شرق السودان وجامعة الخرطوم وكل حادب على مصلحة الشرق، على أن تقدم دراسات حقيقية عن قضايا الشرق في المجالات التنموية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والهوية والعلاقة بالحكومة الاتحادية والتوزيع العادل للسلطة والثروة، ويخلص المؤتمر لتصور كامل وتحدد التوصيات، وما سيتم تنفيذه خلال الفترة الانتقالية وما سيحول للمؤتمر الدستوري.

ومن جانبه اعتبر الأمين العام لهيئة محامي دارفور إن الحلول لهذه المشكلات لم تعد ممكنة من خلال الوصفات السابقة، ورأى أن الوصفات السابقة ومؤتمرات الصلح القبلي أضافت إلى تقنين المشاكل بين الأفراد والجماعات وتحولها إلى ظواهر وصارت لها نظمها وأدبياتها ومؤسساتها ورجالها وأعرافها، ما أدى إلى تغييب معالم الدولة الحديثة.

وتمسك الأمين العام للهيئة بضرورة الوصول إلى حلول جذرية بالدراسة والبحث في كل ظاهرة والوقوف على أسبابها الفعلية والتي قد لا تخرج في منشئها عن صراعات الأفراد أو المجموعات وإيجاد الحلول لهذه القضايا والمشكلات التي حدثت بالفعل بعد تأطيرها في حدود عناصرها ووضع الأسس لمعالجة مثل تلك القضايا والإشكالات التي يمكن أن تحدث في المستقبل.

وتمسك الصادق علي حسن، بضرورة عدم إقحام رمزية القبيلة في مثل هذه المشكلات وإيقاف مؤتمرات الصلح القبلي إلا في حدود ونطاق المشكلات التي تنشأ لأسباب تتجاوز الأفراد والمجموعات وتكون فيها رمزية القبيلة حاضرة، وزاد: "هذا النوع الأخير من المشكلات محدود مثل التنازع على مهام وصلاحيات الإدارات الأهلية داخل إدارات القبائل الأخرى أو إنشائها ومثل هذه المشكلات ستزول تلقائيًا بعد التأسيس للدولة المدنية الحقيقة التي تجمع بين جميع أفرادها مصالح المواطنة المشتركة".

ويشدد مراقبون على ضرورة جمع الأسلحة من المدنيين وحصر حملها على القوات النظامية فقط، باعتبار أن انتشار الأسلحة من أبرز أسباب تفاقم العنف في السودان، وخاصة دارفور.

اقرأ/ي أيضًا: "سونا": وفاة ثمانية سودانيين في ولايتين أمريكيتين بفيروس كورونا الجديد

ضعف الدولة

وذكر عبد الله موسى: "نلاحظ في كل النزاعات في دارفور أو غيرها من ولايات السودان ضعف الدولة ممثلة في الأجهزة النظامية والحكومة المدنية"، ورأى إنه حال تصدي الأجهزة النظامية للفتن التي تحدث بشكل حاسم لما كانت امتدت، ومثل لذلك بالتأخر في التدخل في الأحداث التي شهدتها ولاية كسلا مؤخرًا، وعزا ذلك الضعف لما وصفه بالتشاكس بين المكونين العسكري والمدني، وأضاف: "يفترض أن تقوم الدولة بدورها في حفظ أمن المواطنين".

وفي ذات المنحى رأى الأمين العام لهيئة محامي دارفور الصادق علي حسن، إن الحكومة الحالية لم تطرح رؤىً وخططًا استراتيجية حتى الوقت الراهن، وكشف عن تقدم الهيئة بطلب لمكتب رئيس الوزراء للتفاكر معه ضمن أمور وقضايا أخرى منها هذه المشكلات والحلول الناجعة لها، وقال حسن، طالما لم نجد لهذه الحكومة أيةً رؤى نعتقد إنه من وأجبنا أن نتعرف ونقف أولًا على خططها الحالية والمستقبلية لذلك لا يمكن تقييم غير الموجود أو على الأقل غير المعلوم لنا، ولكن المؤكد أن الوضع ينذر بمخاطر جسيمة ووشيكة والوضع الحالي وحركة الحكومة بقيادة حمدوك دون المستوى المطلوب، وأخشى أن تنزلق البلاد إلى مرحلة الفوضى وفقدان الأمن".

حظر الحركة الإسلامية

وجدد القيادي في مؤتمر البجا والحرية والتغيير والناشط في السلم الاجتماعي عبد الله موسى، اتهامه لأعوان النظام المخلوع الذين ثار الشعب ضدهم بالوقوف خلف الفتن في ظل تراخي الحكومة عن مواجهتهم، وطالب الحكومة بحسمهم وحل الحركة الإسلامية والتعامل معها كتنظيم إرهابي وتجريدها من الأسلحة والأموال ومن هم في مفاصل الدولة العميقة، وتابع: "لأنهم سبب الفتن".

رغم الجهود الرسمية والشعبية يبقى التعويل على وضع حلول جذرية والتزام المتصارعين بالتعايش السلمي، بالإضافة إلى إخضاع الجميع لسلطة الدولة

وبالنظر لجهود الحكومة ومساعي الوسطاء في التوصل لاتفاقيات بين المتنازعين في مختلف الولايات، يبقى التعويل على مدى القدرة في وضع حلول جذرية، والتزام أطراف الصراعات بالتعايش السلمي، بالإضافة لعامل حاسم وهو فرض الدولة لهيبتها وإخضاع الجميع لسلطانها.

اقرأ/ي أيضًا

"الجيوش" أكبر تحديّات الفترة الانتقالية.. كيف يمكن التعامل معها؟

اللجنة الأمريكية للحريات الدينية تخفف تصنيف السودان وتبقي على اسمه في قوائمها