11-نوفمبر-2019

وزيرة الشباب والرياضة في زيارة ميدانية مفاجئة للمدينة الرياضية (سودابرس)

بالنسبة لأي مُتابِع للنشاط الرياضي في سودان ما قبل الثورة، لن يكون الخبر في المؤتمر الصحفي الذي دعت له وزيرة الشباب والرياضة ولاء البوشي بخصوص المدينة الرياضية، هو وجود فساد في ملف المدينة الرياضية، لأن ذلك من المعلوم بالضرورة، وجاهر به عدد من وزراء النظام البائد، ليس لإيمانهم بمحاربة الفساد، وإنما لتحقيق انتصارات وإنجازات ذاتية، كما وصفتها الوزيرة في مؤتمرها الأخير لذلك ظل الفساد هو الثابت في ملف المدينة الرياضية، بينما صار المتغير هو تعاقب الذين استوزرهم نظام المؤتمر الوطني واسترضاهم بحقيبة وزارة الشباب والرياضة.

الاتهام يطال الجهات والمؤسسات والأشخاص الذين قاموا باستغلال الأراضي والأموال المخصصة للمدينة الرياضية والمسؤولين المتعاقبين على الوزارة

الجهات المسؤولة على رأس قائمة الاتهام

ولأي متابع أيضًا، ربما تكون الأرقام التي أوردتها وزيرة الشباب والرياضة في مؤتمرها الصحفي، تتجه ناحية إثبات حالة الفساد في هذا الملف، إلا أن أي مار بجوار المدينة الرياضية، لو ألقى نظرة من أعلى الجسر المطل عليها سيكتشف أن إطلاق مُسمى (مدينة) على المساحة المتضائلة شرق الجسر لا يتناسب إطلاقًا مع فكرة وجود مدينة رياضية، فالمساحة تخطفتها أيادي الفساد الطويلة فتقاصرت، وتطاول في البنيان الذي يتمتع به الآن من كان يشغل ذات المنصب الوزاري في يوم من الأيام، عندما كان أمر الشباب والرياضة موكولًا لمجلس أعلى للشباب والرياضة.

اقرأ/ي أيضًا: في الرياضة السودانية.. المال يهزم القانون

بالتأكيد لن يكون من الإنصاف أن يطال الاتهام الموجود في ورقة البلاغ الذي تقدمت به الوزيرة بنفسها، فقط الجهات والمؤسسات والأشخاص الذين استفادوا من هذا الملف بشكل مباشر، سواء باستغلال الأراضي المخصصة للمدينة الرياضية أو نهب وإهدار المال والموارد المخصصة لذلك، وإنما يجب أن يمضي البلاغ ليطال كل المسؤولين الذين كان هذا الملف تحت ولايتهم، وقت أن كان الملف معهودًا به للمجلس الأعلى للشباب والرياضة أو وزارة الشباب والرياضة أو حتى رئاسة الجمهورية، لأن التغاضي وغض الطرف عن إهدار المال العام يعد مفسدة من الدرجة الأولى، والسكوت على فساد بهذا الحجم لا يجعل من المسؤول عنه مجرد شيطان أخرس  بل شريكًا أصيلًا في جريمة مكتملة الأركان.

"شرعنة" الفساد في مؤسسات الرياضة

فساد المدينة الرياضية الذي وضعت السيده الوزير ولاء البوشي يدها عليه، ما هو إلا بمثابة الصفحة الأولى من مُجلّد فساد المال العام في الرياضة السودانية، والذي ظل محروسًا بسدنة النظام ومنظومة فساده السياسية. فلم يكن صعبًا عليها أن تُنشئ شبكة فساد من منسوبيها الذين مكنتهم من مفاصل المشهد الرياضي، لتقوم أكبر عملية شرّعنه للفساد والتعدي على المال العام المُتداول في الرياضة.

اقرأ/ي أيضًا: البوشي في مواجهة التشدّد والتكفير.. القصة الكاملة لعبد الحي يوسف!

تعلم وزيرة الشباب والرياضة-بحُكم معرفتي- باطلاعها على القوانين واللوائح التي تحكُم عمل الوزارة المسؤولة هي من ملفها في الفترة الانتقالية- أن قانون هيئات الشباب والرياضة الاتحادي والولائي يمنح الوزارة حق الولاية على المال العام المتداول في النشاط الرياضي والرقابة عليه، والتأكد من حمايته عبر الإجراءات واللوائح المنصوص عليها، وأن هيكل الوزارة يضم أجسامًا قانونية من ضمن صلاحياتها، غل يد الفساد عن المال العام وملاحقة مرتكبيه.

أيادي الفساد الطويلة ما زالت تمتد للمال العام، وتتحرك بكل جرأة وتعلن عن توسع الامبراطورية الإعلامية الداعمة لها

الفساد.. متواصل

وجود الفساد في الوسط الرياضي ليس خبرًا تكتشفة حكومة الثورة، فهو جزء من كُل، طال المال العام في كل شتى مناحي الحياة السودانية قبل سقوط البنية السياسية للنظام، إلا أن الخبر الأن هو أن أيادي الفساد الطويلة ما زالت تمتد للمال العام، وتتحرك بكل جراءة لتعلن عن التوسع في امبراطورياتها الإعلامية، وتفكر في شراء "قناة الشروق" كما جاء في خطاب السيد وزير الإعلام في الاحتفال بذكرى ثورة تشرين الأول/أكتوبر المجيدة، وبالتأكيد لن يغيب على وزيرة الثورة أن تلك اليد المشار إليها هي يد رياضية خالصة، ظلت محمية ومحروسة بصمت مفوضية هيئات الشباب والرياضة، ومسؤولة عن كل عقود الاستثمار ذات العلاقه بواحدة من أكبر هيئات الشباب والرياضة بولاية الخرطوم.

الخبر بالنسبة للمواطن الذي ينتظر قرارات جريئة تجاه بؤر الفساد الرئيسية، ولا يمل عن المطالبة بها ودعم استصدارها بالمواكب والضغط الجماهيري، هو إكمال وزيرة الشباب والرياضة الاتحادية مشوارها التي ابتدأته بإعادة كل منسوبي جهاز الأمن والمخابرات المنتدبين للوزارة إلى حيث جاء بهم النظام، وإعادة هيكلة أجهزة الوزارة القانونية تحديدًا، والتي لازال النظام جاثمًا بقوانينه على صدرها، وجاعلًا من ملف المدينة الرياضية نقطة في بحر الفساد العام.

إذا كان القانون هو السلاح الذي لوّحت به الوزيرة في وجه كل المرتبطين بملف الفساد في المدينة الرياضية، فعليها أن تعلم أن من يُطبِق قانون هيئات الشباب والرياضة بولاية الخرطوم الساري الآن، هو المفوضية التي تتبع لوزارتها، وأن المفوض باسمها كان ولا يزال هو الوصي على والساكت عن انتهاك المال العام، على المستوى المركزي وفي ولاية الخرطوم.

 

اقرأ/ي أيضًا

تلفزيون السودان.. هل ينجح في اختبار ثقة الجماهير؟

"سيداو".. حقوق المرأة السودانية بين الرفض والقبول