نفت مفوضة العون الإنساني، الأستاذة سلوى آدم بنية، خلال مؤتمر صحفي في بورتسودان، الأحد 29 كانون الأول/ديسمبر 2024، ما وصفتها بـ"الشائعات" حول وجود مجاعة في السودان. وشددت على أن المعايير التي تحدد وجود مجاعة غير متوفرة في السودان، مؤكدة أن بعض المنظمات تسعى لتحقيق أجندات سياسية تحت ذريعة الغذاء. وقالت: "نرفض زج العمل الإنساني في العمل السياسي".
الحكومة السودانية في مؤتمر صحفي حول أوضاع الأمن الغذائي في السودان، شددت على عدم وجود مجاعة في البلاد
وأشارت المفوضة إلى حرص الحكومة السودانية على وصول المساعدات للمتأثرين في الولايات المختلفة. وأوضحت أن عدد التصاريح الصادرة من بورتسودان للمنظمات بلغ 10 آلاف تصريح، بالإضافة إلى التسهيلات المقدمة عبر معبري "أدري" و"الطينة"، مما أسفر عن دخول 1700 شاحنة محملة بالمساعدات إلى أربع ولايات في دارفور، باستثناء الفاشر ومعسكر زمزم المحاصرين من قبل مليشيا الدعم السريع.
عرقلة المساعدات
ودعت المفوضة المجتمع الدولي إلى إدانة سلوك مليشيا الدعم السريع الذي يمنع وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين في دارفور. كما نددت بعدم التزام بعض المنظمات بالإجراءات المتبعة، مؤكدة اتخاذ إجراءات قانونية ضد أي جهة تقدم معلومات خاطئة عن السودان أو تخالف سياسات العمل الإنساني. مشددة على أن أي منظمة لا تلتزم بضوابط العمل الإنساني سيتم اتخاذ إجراءات ضدها، بما في ذلك منعها من ممارسة أي نشاط داخل السودان.
وذكرت أن تسهيلات إصدار التصاريح للمنظمات تتم خلال أسبوع، عبر مجمع يضم جميع المؤسسات المختصة. مستعرضة الدعم المقدم من دول مثل السعودية وقطر ومصر وتركيا والكويت، وغيرها من الدول، من مواد إغاثية شملت الغذاء والدواء والأجهزة الطبية.
منظمة دولية: المجاعة تتمدد
وكانت اللجنة الاستشارية لنظام تصنيف الأمن الغذائي المتكامل (IPC) قد أفادت الأسبوع الماضي بامتداد المجاعة في السودان إلى خمس مناطق جديدة، مع توقع توسعها إلى خمس أخرى بحلول أيار/مايو المقبل، نتيجة استمرار الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وأكد التقرير وجود المجاعة في مخيمات أبو شوك والسلام وزمزم بشمال دارفور، ومناطق بجنوب كردفان، وتوقع تصنيف 17 منطقة أخرى بأنها معرضة لخطر المجاعة.
اللجنة الاستشارية لنظام تصنيف الأمن الغذائي المتكامل: نصف سكان السودان، يحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة
وتقدر اللجنة الاستشارية أن 24.6 مليون شخص، أي نصف سكان السودان، يحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة، وهو ارتفاع عن التقديرات السابقة البالغة 21.1 مليون. في المقابل، علقت الحكومة السودانية مشاركتها في النظام، واعتبرت تقاريره "غير موثوقة"، مشيرة إلى نجاح موسم الأمطار الأخير ونقص بيانات التقرير.
واتهمت الحكومة اللجنة بتجاهل أوضاع المناطق تحت سيطرة الدعم السريع، بينما تشير منظمات إنسانية إلى عرقلة الحكومة جهود الإغاثة بتأخير التأشيرات ومنع المساعدات. الحكومة تنفي ذلك، مؤكدة تعاونها وتوفير ممرات ومطارات للإغاثة، من بينها معبر أدري الحدودي.
وزارة الخارجية: رفض قاطع
خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد اليوم في بورتسودان، وزارة الخارجية أكدت رفضها القاطع لما جاء في تقرير نظام تصنيف الأمن الغذائي المتكامل. وأوضحت وزارة الخارجية، في بيان تلاه وكيل الوزارة السفير حسين الأمين، أن التقرير يعتمد على افتراضات غير واقعية، تشمل تطاول أمد الحرب، وتقييد وصول المساعدات، وعدم الاستقرار الاقتصادي.
وشددت الحكومة السودانية على رفضها استخدام قضية الأمن الغذائي لتحقيق أجندات خفية. وأكدت وزارة الخارجية التزام السودان بالتعاون مع المنظمات الدولية التي تلتزم بالشفافية وتحترم سيادة البلاد، مع دعوة المجتمع الدولي لإدانة انتهاكات مليشيا الدعم السريع التي تفاقم الأزمة الإنسانية.
وفي السياق، أشارت الوزارة إلى تطورات إيجابية تعزز الأمن الغذائي في السودان، بما في ذلك استقرار العديد من المناطق، مما أتاح للمواطنين العودة إلى منازلهم ومزارعهم. وأكدت الحكومة فتح الممرات البرية والجوية للمساعدات، وتقديم تسهيلات لإجراءات التأشيرات وتصاريح السفر للعاملين في مجال الإغاثة. كما توقعت الحكومة نتائج إيجابية من بعثة تقييم المحاصيل، مع استقرار أسعار الغذاء.
وزارة الخارجية: حكومة السودان تؤكد أنها تظل دومًا حريصة على التخفيف من معاناة شعبها، وتعزيز الأمن الغذائي، ومعالجة الأسباب الجذرية للأزمة الإنسانية
واتهمت وزارة الخارجية مليشيا الدعم السريع بارتكاب انتهاكات جسيمة تسببت في نزوح المزارعين وتدمير البنية التحتية الزراعية وتحويل مسار المساعدات وفرض الحصار على مناطق النزوح. كما أشار إلى استخدام "المليشيا" للتجويع كأداة حرب، مما أدى إلى تضخم الأسعار، وعرقلة سلاسل الإمداد الغذائي في المناطق الزراعية.
وشككت الحكومة في نتائج تقرير اللجنة الدولية، مشيرة إلى اعتماده على بيانات وصفتها بالـ"قديمة"، وأنها تعود إلى ما قبل 2022، مع غياب المسوحات الميدانية بسبب الحرب. وأوضحت أن التقرير يعتمد على اتصالات عن بُعد ومصادر ثانوية، مما يضعف مصداقيته. كما أشارت إلى قيود جغرافية حالت دون وصول الفرق الميدانية إلى مناطق متأثرة بالحرب، وإلى تجاهل التقرير تأثير النزوح الداخلي واسع النطاق على الأمن الغذائي في السودان.
وعبرت وزارة الخارجية عن مخاوف بشأن نزاهة التقرير، قائلة إنه وُضع دون موافقة الفريق الفني الوطني السوداني، وسرب قبل الأوان إلى وسائل الإعلام، مما أثار تساؤلات حول نزاهته. ودعت الحكومة إلى مراجعة شاملة للمنهجية المستخدمة لضمان دقة وموضوعية التقييمات المستقبلية.
وأدت الحرب المستمرة منذ أبريل 2023 إلى تدمير الإنتاج الزراعي في البلاد، وتوقف المصانع وخطوط الإمداد، ما أسفر عن ارتفاع في أسعار الغذاء. وتتهم الحكومة السودانية قوات الدعم السريع بنهب الإمدادات وتعطيل المساعدات، بينما تنفي الأخيرة الاتهامات، مؤكدة التزامها بتسهيل الإغاثة.
وانسحب ممثل الحكومة السودانية من نظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي قبيل صدور تقريره الأخير. وفي رسالة للجنة، أعلن وزير الزراعة السوداني تعليق مشاركة السودان في النظام، معتبرًا تقاريره "غير موثوقة" و"تقوض سيادة البلاد".
تنسيقية "تقدم": سياسة الإنكار
بدوره، اتهم قطاع العون الإنساني في تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية "تقدُّم" ما أسماها بـ"سلطة بورتسودان" باتباع سياسة الإنكار على حساب حياة السودانيين، وذلك بعد انسحاب الحكومة من التصنيف الدولي المتكامل لانعدام الأمن الغذائي (IPC). ووصفت التنسيقية الخطوة بأنها "غير مسؤولة"، مشيرة إلى أنها تأتي وسط تفاقم الأزمة الإنسانية الناتجة عن الحرب المستمرة منذ أبريل 2023.
اتهم قطاع العون الإنساني في تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية "تقدُّم" ما أسماها "سلطة بورتسودان" بتقديم منهج سياسة الإنكار على حياة الناس
التنسيقية التي تتهمها السلطات السودانية بالتحالف مع قوات الدعم السريع، قالت إن قرار الإنسحاب يعكس نقص الشفافية ويهدد بتقليص الدعم الدولي الموجه للسودان، بسبب غياب بيانات دقيقة ومعتمدة عن الأوضاع الإنسانية، ما يعمق الأزمة ويعرقل خطط مواجهة انعدام الأمن الغذائي. وأشارت إلى أن هذه السياسة امتداد لمنهج قديم من الإنكار الرسمي للكوارث الإنسانية.
وزارة الزراعة: إمكانيات السودان تمنع المجاعة
بالمقابل، أكد وزير الزراعة والغابات المكلف، د. أبوبكر عمر البشرى، أن السودان يمتلك إمكانيات طبيعية وزراعية تحول دون حدوث أي مجاعة، مشيرًا إلى أن الترويج لوجود مجاعة يخدم أجندات دولية تدعم مليشيا الدعم السريع. وخلال التنوير الأسبوعي الذي نظمته وزارة الثقافة والإعلام في بورتسودان، أوضح الوزير أن السودان يملك نحو 172 مليون فدان صالحة للزراعة، وقد تصل إلى 200 مليون فدان، مع توفر 18 مليار متر مكعب من مياه النيل و7 مليارات متر مكعب من مياه الأنهار الموسمية. وأضاف أن المساحة المزروعة في الموسم الصيفي بلغت 39 مليون فدان، مع إنتاج متوقع يتراوح بين 6 إلى 7 ملايين طن من المحاصيل والحبوب، وهي نسبة تفوق الحاجة الفعلية للسكان.
وتطرق الوزير إلى الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي جراء انتهاكات مليشيا الدعم السريع، بما في ذلك سرقة التقاوى ونهب الآليات وتدمير الموارد الزراعية، مؤكدًا أن السودان تمكن من تجاوز التحديات وحقق نجاحات في القطاع الزراعي.
نزوح واسع
وأسفرت الحرب في السودان عن نزوح أكثر من 12 مليون شخص داخل البلاد، في ظل ظروف إنسانية بالغة التعقيد جراء توقف الحياة الاقتصادية للملايين. ويقيم عدد كبير من هؤلاء النازحين في مراكز إيواء تفتقر لأبسط مقومات الحياة، ومعسكرات نزوح تشهد انتشارًا للأمراض وسوء التغذية.
وفي الوقت ذاته، عطلت الحرب العمليات الزراعية لعدد من المواسم في مناطق تعتبر مصدر إمداد مهم بالغذاء للسودانيين، وعلى رأسها ولاية الجزيرة ومناطق سنار. كما دمرت المصانع التي كانت تتركز في العاصمة القومية الخرطوم.