06-يناير-2025
رئيس مجلس السيادة ونائب وزير الخارجية التركي

رئيس مجلس السيادة ونائب وزير الخارجية التركي (إعلام رسمي)

هدأت جبهات القتال في العاصمة الخرطوم والجزيرة يوم السبت 4 كانون الثاني/يناير 2025، ربما مصادفةً أو بترتيب مسبق، بالتزامن مع وصول وفد تركي برئاسة نائب وزير الخارجية إلى بورتسودان، العاصمة المؤقتة للحكومة. وأبرز نتائج هذه الزيارة، التي استغرقت يومًا واحدًا، تسليم المبادرة التركية للوساطة بين السودان والإمارات إلى قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بصورة رسمية.

يتولى وزير الخارجية السوداني العمليات التفاوضية، فيما تأمل أنقرة تتويج جهودها بلقاء يجمع بين رئيسي البلدين

فور وصوله، انخرط نائب وزير الخارجية التركي، برهان الدين دوران، في سلسلة لقاءات مع وزراء في الحكومة القائمة بمدينة بورتسودان، قبل الإعلان عن وصول ثلاث بواخر محملة بالمساعدات الإنسانية إلى موانئ بورتسودان، ضمن مساندة أنقرة للسودان في الحرب المستمرة منذ 21 شهرًا. وقد تركزت الزيارة في المقام الأول على انتزاع موافقة البرهان لتصميم تفاصيل المبادرة.

توقيت المبادرة

لم يُبدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الكثير من الوقت بين محادثته لعبد الفتاح البرهان وبين توقيت إطلاق المبادرة، ربما لتدارك أي أزمة محتملة قد تنشب داخل كابينة السلطة في السودان، لا سيما مع وجود تيار غير متحمس للتفاوض مع الإمارات بشكل مباشر، ويفضل خيار الحسم العسكري ضد قوات الدعم السريع. بينما يخشى التيار الداعم للمبادرة من تصدع الدولة والتفكك جراء تطاول أمد الحرب دون مؤشرات كبيرة على الأرض تدعم الخيار العسكري.

حسب مجريات الأمور، لا يبدو مجلس السيادة الانتقالي متعجلًا إزاء المبادرة التركية، سلبًا أو إيجابًا، إلى حين تكشف التحولات الإقليمية والدولية مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض نهاية هذا الشهر، ومتابعة ما سيفعله الرئيس الأميركي في منطقة الخليج، خاصة وأن حملاته الانتخابية تطرقت إلى جلب الأموال من الخليج وضخ الاستثمارات في الولايات المتحدة لتحسين الاقتصاد تلبيةً للوعود الانتخابية.

التفاصيل لدى البرهان

لا يستبعد محللون دبلوماسيون أن يكون نائب وزير الخارجية التركي قد أبلغ قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، بتفاصيل المبادرة التركية، وما إذا كانت ستنحصر في المفاوضات غير المباشرة، أو ستذهب إلى أبعد من ذلك بعقد لقاء على مستوى رؤساء البلدين.

عادةً، لا تفضل الوساطات عقد قمة رئاسية بين البلدين المستهدفين دون المرور بـ"البوابة الخلفية"، بإخماد الحرائق أولًا وحلها توافقيًا، على أن تُتوج بلقاء على مستوى الرؤساء. لذلك، فإن البرهان، حسب إعلام مجلس السيادة، وجه بالبدء الفوري لوزير الخارجية السوداني علي يوسف حول المبادرة التركية. وقد لوحظ خلال الأسبوعين الماضيين حديث الوزير نفسه أكثر من مرة مع وسائل الإعلام التركية والسودانية حول المبادرة، ما يعني أن الملف وُضع بين يديه لتولي الإجراءات الفنية حول الوساطة بالتنسيق مع مجلس السيادة الانتقالي حول المواضيع الخلافية الكبرى.

شروط مسبقة

استبق وزير الخارجية السوداني علي يوسف زيارة نائب وزير الخارجية التركي بالمبادرة، حيث أجرى مقابلة مع وكالة الأناضول التركية نهاية كانون الأول/ديسمبر 2024، وأشار إلى ضرورة دفع الإمارات تعويضات مالية للمواطنين الذين فقدوا ممتلكاتهم أثناء الحرب، وإنهاء تعدد الجيوش ليكون للسودان جيش واحد. وشدد على منع أي مستقبل سياسي أو عسكري لقوات الدعم السريع في مرحلة ما بعد الحرب. وكأن الرجل بعث برسالة مفادها أن وقف الحرب تفاوضيًا ينبغي أن يتضمن مناقشة مصير قوات حميدتي بتسريحها وإنهاء وجودها العسكري مستقبلًا.

روافع المبادرة

لم يكن مفاجئًا بالنسبة للمراقبين الدبلوماسيين قيادة أنقرة لوساطة بين السودان والإمارات، لأن هناك عوامل إيجابية قد تمكنها من تحقيق اختراق ملموس، أبرزها أن أنقرة لديها سجل جيد في الوساطات بين البلدان المضطربة. ويُستدل على ذلك بنجاحها في طي الخلافات بين إثيوبيا والصومال في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ومنع البلدين من الانزلاق إلى المواجهة العسكرية.

تُعد تركيا ضمن الدول التي عملت على هندسة مرحلة ما قبل وبعد نظام الأسد مع الولايات المتحدة الأميركية نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وتسعى لتثبيت أقدامها بين الدول المؤثرة في الشرق الأوسط وأفريقيا. لذلك، وخلال شهرين فقط، تبنت مبادرتين في أفريقيا: الأولى للتوسط بين إثيوبيا والصومال، والثانية بين السودان والإمارات. وبينما نجحت في الأولى، ما تزال تتلمس الطريق نحو الثانية.

تركيا لن تعود دون حل

يبدو أن تركيا لن تعود خالية الوفاض من مبادرتها للوساطة بين السودان والإمارات. ويُعتقد أن أنقرة تعتمد على علاقاتها الاستراتيجية مع كلا البلدين، بدءًا بعلاقة الرئيس رجب طيب أردوغان مع قادة سابقين في النظام السوداني، الذين سُمح لهم بالبقاء في تركيا قبل وأثناء الحرب، واستضافة بلاده محطات تلفزة داعمة للجيش السوداني. أما في أبوظبي، فلدى أنقرة اتفاقيات مهمة مع الدولة الخليجية.

هل تكون المبادرة مدخلًا لإنهاء الحرب في السودان؟ قد تكون الردود التي حصلت عليها تركيا من البلدين، رغم موافقتهما المبدئية، مؤشرًا على وجود تردد

فهل تكون المبادرة مدخلًا لإنهاء الحرب في السودان؟ قد تكون الردود التي حصلت عليها تركيا من البلدين، رغم موافقتهما المبدئية، مؤشرًا على وجود تردد. يبدو أن التقلبات الدبلوماسية ورمال السياسة المتحركة تجعل قادة البلدين يتحسسون الماء قبل دخول النهر.