16-سبتمبر-2015

متظاهرة مؤيدة للاجئين في لندن (Getty)

مثل عشرات غيره كما أخمِّن، عاد إلى السودان قبل عامين، أحد معارفي المهاجرين، بسبب أن ابنته صارت في السن التي تتطلع فيها لاتخاذ "Boyfriend"! الرجل الذي قضى سنوات طويلة في أوروبا، بدا واثقًا من موافقتي على خطوته الهادفة، حسبما يقول، "لصيانة البنت"! حتى فاجأته بسؤالي: "أليست بريطانية؟ إذن لمَ تريد أن تحكمها بقواعد ثقافية من خارج بلادها؟". ما قالته لي الدهشة في وجهه عقب سؤالي هذا، إن هناك سنوات طويلة بين المسلمين والاندماج في مَهَاجِر يريدونها ولكن يرفضون قواعدها الاجتماعية.

هناك سنوات طويلة بين المسلمين والاندماج في مَهَاجِر يريدونها ولكن يرفضون قواعدها الاجتماعية

أبناءُ يساريين مهاجرين انضموا إلى "داعش"! لا يبدو الأمر صادمًا إن قرأناه في سياق سماح أهلهم، بالتجاهل أحيانًا وبدفع من اللاوعي في أخرى، بتسلل الأفكار الدينية دون تمحيص، كدرعٍ يصدّ ما لا يتوافق معهم "هم" وليس مع أبنائهم المولودين هناك، من تفاصيل اجتماعية وثقافية على رأسها حرية اعتناق أي دين أو تركه، وحرية العلاقات الجنسية، التي تشكل الهاجس الأبرز للأهل، ففي المهجر يلتقي اليساريون واليمينيون وما بينهما، في التشبث بثقافة موروثة مبنية على نفس المعتقدات الدينية، كل ذلك مقروءًا مع الانشطار الذي يعانيه أولئك الصبية بين مجتمع ولدوا فيه ويتكلمون لغته ويؤمنون بقيمه، ومجتمع آخر في المنزل يختلف كليًا عنه ويشكل لهم شائبة تمنع اندماجهم الكامل في مجتمعهم كما يلاحظون من نظرات وتلميحات البعض.

وعلى خلفية معضلة اللاجئين والمهاجرين الذين يخاطرون بكل شيء في سبيل الوصول إلى التراب الأوروبي، إن كانوا فارين من الحروب والانتهاكات الإنسانية في بلدانهم مثلما هو الحال في سوريا، أو كانوا هاربين نحو حياة أفضل مخلفين وراءهم بؤس العالم الثالث؛ نتساءل: ما الذي سيحدث بعد أن يأمَن هؤلاء اللاجئون، وأكثرهم مسلمون، ويستقروا؟ هل ستتذكر الأجيال اللاحقة منهم، إن سمح لهم بالتوطُّن، أن أوروبا فتحت لهم أبوابها حين أغلقها "الإخوة" المفترضون، ويكافئونها بالاندماج ودعم تنوعها، أم سيجازونها باتِّباع أفكار دينية راديكالية تسعى لتماهي أوروبا مع الإسلام قسرًا أو طوعًا؟

كثير من النازحين إلى أوروبا هذه الأيام أتوا من بيئات ازدهر فيها إسلام أرثوذكسي يحقنهم بتعاليم تمثل ما يشبه قنبلة غير مفعلة، ترفض الآخر غير المنضوي تحت رايته وتستحلّ دمه إن لم يخضع له. وسواء أكان إمام مسجد، أو مُدرِّساً في مدرسة دينية للمهاجرين، أو بالإنترنت.. ستُفعَّل القنبلة يومًا، سُتقرأ آيات مقنعة، وتُفسَّر بالسيرة والأحاديث، وستؤثر في الصغار، وسوف يرفض بعضهم المجتمع الذي يصعب عليهم الاندماج الكامل فيه بسبب من أثر ثقافة الوالدين المرتكزة على فهم محدد للدين والتي تميل لتشكيل غيتوهات تعليمية واجتماعية تتحوصل فيها الأفكار الرافضة.

هي ثقافة، تُسمى الشرقية تقيةً، غازية، كخصيصة يرينا إياها التاريخ الإسلامي، من ثمّ فهي تضع نفسها دائمًا في موضع أفضلية يجعلها غير قابلة للاندماج في الآخر، ولا حتى التعايش معه، وكلنا نرى مصير "التعايش" في دولنا. وعدم القدرة على الاندماج هذا، هو خلل عميق في التصميم الأوَّلي لهذه الثقافة، ما يجعل محاولات علاجه بطرق عاطفية تحفر في السطح أمرًا لا يجدي في ثقافة تملك تفاصيل دقيقة للتعامل مع غير المسلمين في بلاد الإسلام، وبالمقابل لا تجد فيها تفاصيل لضبط وجود المسلمين في "بلاد الكفر".

هل هي ثقافة غير ديمقراطية؟ في رأيي.. نعم. وحين نقرأ السؤال القديم: "لمَ لم يذهبوا إلى بلاد المسلمين عسى أن يقيلهم المؤمنون الإخوة، واتجهوا إلى أولئك الكفار الإنسانيين؟"؛ بإمكاننا، إن شئنا، رؤية أن مشكلة المنطقة الإسلامية/العربية، ليست في الديكتاتورية وحسب، بل في البنية الثقافية المستندة على نمط محدد من التدين، التي تشكِّل بيئة صالحة لإنباتها دومًا.

إنني أرى، منذ الآن، ابتسامات المهووسين بأسلمة العالم تتسع، وهم يرون التدافع البشري صوب أوروبا، المرشح لتغيير البنية الثقافية لـ "الغرب المسيحي الكافر"، طوعًا أو بالقوة، كون آلاف المهاجرين وأبناءهم يظلون أهدافًا للتجنيد من أجل الجهاد.