الفريشة فريسة.. حملات المحلية تُضيق الخناق على الفريشة والباعة الجائلين في بورتسودان
9 يونيو 2025
منذ مطلع أيار/مايو، تقود المحلية حملة واسعة تستهدف "الفريشة" والباعة الجائلين و"ستات الشاي". ويشهد سوق بورتسودان هذه الأيام حالة من التوتر والقلق في أوساط هؤلاء الباعة، في ظل حملات مكثفة تنفذها المحلية بالتعاون مع اللجنة الأمنية، تستهدف إزالة البسطات ومصادرة البضائع، وسط اتهامات بأن هذه الفئة تمثل تهديدًا أمنيًا أو مصدرًا للدعم لقوات الدعم السريع.
حملات قاسية
وبحسب شهود عيان ومتضررين، فإن المحلية في حملتها، حينما تصل إلى بائعات الشاي، تقوم بكسر أدوات صنع الشاي (البنابر، الكبابي)، وتصادر البضائع دون رحمة. وفي 17 أيار/مايو 2025، قامت الشرطة والمحلية بحملة تجاه غسّالي السيارات، وأمام الجميع تم اقتياد أحد الغسالين أثناء قيامه بعمله.
تحدثنا مع محمد أحمد، أحد الباعة المتضررين، وهو صاحب تربيزة لتحويل الرصيد، فقال: "شغلنا أصبح في خطر، لا ندري ماذا نفعل؟ أصبحنا بلا عمل، ولا توجد حلول"، بحسب تعبيره.
بائع متضرر: نحن في السوق يوميًا تحت التهديد، منسوبو المحلية لا يوقفون حملاتهم
وأضاف: "نحن في السوق يوميًا تحت التهديد، منسوبو المحلية لا يوقفون حملاتهم، وإذا ألقي القبض عليك، يمكنك أن تذهب بعد المغرب لاسترداد بضاعتك، وأحيانًا أخرى يطالبون بدفع غرامة كشرط لاسترجاع البضاعة، وهي عبارة عن مبلغ كبير؛ كانت 500 ألف، والآن وصلت إلى 700 ألف".
ويضيف: "قبل أشهر، ألقي القبض على أحد زملائنا، وهو بائع أحذية، وغُرِّم 500 ألف، وفي حالة عدم السداد، تكون العقوبة السجن لثلاثة أشهر".
هذه الغرامات ظلت تُخيف "الفريشة"، إذ يعمل الواحد تحت خوف كبير وترقُّب أن المحلية يمكنها أن تأتي في أي وقت. هكذا هو حالهم منذ مطلع شهر أيار/مايو.
خوف وترقب
يقول عثمان، صاحب تربيزة لبيع السجائر والحلويات: "كنا أربعة: صاحب قهوة وهو من سكان بورتسودان، وبائع عصير نازح من مدني، وصاحب محل أقاشي عمره 22 عامًا نازح من سنار، وأنا أعمل بتربيزة بسيطة للسجائر والرصيد. في 19 أيار/مايو، عند حوالي الساعة التاسعة صباحًا، جاء أفراد من المحلية وأبلغونا بضرورة الإغلاق، وأنهم لا يريدون تجمهرًا، فقمتُ بنقل طاولتي إلى الداخل، بينما بقي الآخرون".
ويتابع: "عند منتصف النهار من ذات اليوم، عادت قوة من المحلية، وكان بائع القهوة قد أخفى البنابر في المخزن وترك الفرشات فقط. نزل أفراد المحلية من الدفار وبدؤوا برفع أدوات بائع القهوة والعصير، من تربيزة وجبنات وكبابي. حاول صاحب العصير أن يتحدث معهم، فاقتادوه أمام الجميع، قبل أن يُطلق سراحه بعد دفع غرامة، مع مصادرة أدواته، بما فيها حافظات المياه".
صاحب تربيزة لبيع السجائر والحلويات في بورتسودان: نعمل لكن بحذر شديد
يضيف: "منذ ذلك الحين، نحن نعمل لكن بحذر شديد. بائع القهوة أصبح يكتفي بتربيزة واحدة، وصاحب الأقاشي يعمل على استحياء دون عرضٍ كامل. أما الخوف، فقد أصبح رفيقنا الدائم طيلة ساعات النهار".
قرارات المحلية واللجنة الأمنية
وسط هذا التصعيد، أصدرت لجنة أمن ولاية البحر الأحمر قرارًا رسميًا بإغلاق المقاهي والطبالي في السوق والمواقع الاستراتيجية ببورتسودان، وأوضحت في بيان أن الخطوة تأتي ضمن تدابير أمنية تهدف إلى "تعزيز الاستقرار وتوفير بيئة آمنة"، مشيرة إلى أن النشاط العشوائي قد يسهم في "الاضطراب الأمني" بالمدينة.
شددت اللجنة في بيانها على منع أصحاب المهن الجائلة من ممارسة نشاطهم في هذه المناطق، مؤكدة أن هذه الإجراءات ضرورية للحد من الفوضى والازدحام في النقاط الحيوية ذات الكثافة التجارية العالية.
يرى الباعة أن القرار لا يُراعي واقعهم المعيشي، ويُحمّلهم فوق طاقتهم دون بدائل
لكن على الأرض، يرى الباعة أن القرار لا يُراعي واقعهم المعيشي، ويُحمّلهم فوق طاقتهم دون بدائل، فـ"الفريشة" هم آخر حلقة في سلسلة الاقتصاد الهش، وغالبًا ما لا يملكون خيارًا آخر سوى "الفرش" لكسب لقمة العيش.
معارضون للقرار
يرى الناشط السياسي بتيار المستقبل، معمر موسى، أن القرار الصادر عن لجنة أمن البحر الأحمر يعكس تعميمًا مُخلًّا وتنميطًا خطيرًا لـ"الفريشة" والباعة الجائلين، باعتبارهم مصدر تهديد أمني، وكأنهم مجرمون بطبيعتهم. في رأيه، هذا التوجه لا يفتقر فقط إلى العدالة، بل يتجاهل تمامًا أن هذه الفئة تمثل قطاعًا اقتصاديًا واسعًا وحيويًا، تقدم خدمات أساسية بأسعار معقولة لشريحة كبيرة من المواطنين، وتُعد ركيزة من ركائز الاقتصاد غير الرسمي.
من جهة أخرى، ترى السلطات الأمنية في بورتسودان أن الباعة الجائلين و"الفريشة" يشكلون تهديدًا أمنيًا محتملًا على الولاية، كما تزداد حملات ملاحقتهم وتشديد الرقابة عليهم في كل مرة تنفذ فيها قوات الدعم السريع هجمات بالطائرات المسيّرة على بورتسودان، مما يعكس ارتباطًا تفرضه السلطات بين تصاعد التهديدات الأمنية وتصعيد الإجراءات ضد هذا القطاع.
في هذا السياق، يشير موسى إلى أن هذه التهم تُغذيها خطابات على وسائل التواصل الاجتماعي تتبنى نظرة استعلائية تجاه الباعة الجائلين وسكان الأحياء الطرفية، وتروج لفكرة أنهم مجرمون أو متعاونون مع الدعم السريع.
ويضيف أن الحرب أظهرت أن المتورطين الحقيقيين في التعاون مع الميليشيات، من الناحية السياسية والاقتصادية، لا ينتمون إلى الفئات الفقيرة أو المهمشة.
معمر موسى: القرار يتغافل عن التبعات الاجتماعية الجسيمة، إذ تعتمد آلاف الأسر على دخل بائع جائل أو "ست شاي" أو عامل مهن بسيطة
ويشير إلى أن القرار يتغافل عن التبعات الاجتماعية الجسيمة، إذ تعتمد آلاف الأسر على دخل بائع جائل أو "ست شاي" أو عامل مهن بسيطة.
ويختم قائلًا: "هل يُعقل أن من يبيع شايًا أو عصيرًا هو من يهدد الأمن ويرسل إحداثيات لفندق مارينا أو القاعدة الجوية؟ الحقيقة أن الذين تورطوا فعليًا في دعم الميليشيات لا ينتمون إلى هذه الطبقة المسحوقة، لذلك فإن القرار مرفوض من حيث مضمونه، ومن حيث ظلاله الاجتماعية وانعكاساته على أوضاع الناس".
"المحلية مالا؟"
من جانبه، يرى عضو حملة "المحلية مالا؟"، وهي مبادرة للتعامل مع الباعة، مدثر عبدالرحيم أن هذا القرار يقوم على تعميم مخل وتنميط مجحف للباعة الجائلين، عبر تصويرهم كمجرمين أو مصدر تهديد أمني، بينما هم في الواقع يمثلون شريحة حيوية من الاقتصاد غير المنظم، يقدمون خدمات بأسعار معقولة لقطاعات واسعة من المواطنين.
وأشار إلى أن النشاط الاقتصادي غير الرسمي، كبيع الشاي والطعام والسلع في الشارع، هو نتاج مباشر لفشل الدولة في توفير فرص عمل عادلة، وأن كثيرًا من العاملين في هذا القطاع لم يختاروا الشارع، بل لجأوا إليه بدلاً من مد اليد أو البطالة .
بينما أكد البيان الصادر من لجنة أمن البحر الأحمر أن هذه الإجراءات تعد جزءًا من سلسلة تدابير أمنية تهدف إلى تعزيز الاستقرار بالعاصمة، خصوصًا في المناطق التى تشهد نشاطا تجاريًا كثيفًا، وشدد البيان بإغلاق جميع المقاهي والطبالي.
وانتقد عبدالرحيم في حديثه لـ"الترا سودان"، ما وصفه بـ " التحامل الطبقي" الكامن في القرار، والذي يستند -حسب تعبيره- إلى تصورات نخبوية سائدة في وسائل التواصل الاجتماعي، تتعامل مع سكان الأحياء الطرفية والعاملين في القطاع غير المنظم كأنهم خارجون عن القانون. وأعرب عن أسفه من أن السلطات الأمنية باتت تستمد رؤيتها من هذا النوع من الخطاب الإقصائي.
عضو حملة "المحلية مالا؟": التبعات الاجتماعية للقرار كبيرة، إذ أن آلاف الأسر السودانية تعتمد على هذا العمل الهش كوسيلة وحيدة للعيش
وأختتم بأن التبعات الاجتماعية للقرار كبيرة، إذ أن آلاف الأسر السودانية تعتمد على هذا العمل الهش كوسيلة وحيدة للعيش، مضيفًا أن "الحملات الحالية لا تسهم في حل الأزمات، بل تزيد الفقراء فقرًا والمهمشين تهميشًا"، طبقًا لوصفه.
وبحسب عطية محمد، أحد الباعة الجائلين في سوق بورتسودان، فإن حملات المحلية شهدت تراجعًا طفيفًا خلال فترة عيد الأضحى، حيث خفت وتيرتها نسبيًا مقارنة بما قبل العيد، لكن الباعة لا يزالون يعملون بحذر، في ظل غياب أي ضمانات بعدم تجدد الحملات في أي لحظة.
وتبقى الأسئلة قائمة: هل تُحل الأزمات الأمنية عبر كسر مصادر الرزق؟ وهل يكفي فرض النظام دون معالجة جذور الفوضى الاقتصادية؟ وماذا عن الأسر التي تعتمد على هؤلاء الباعة يومًا بيوم؟
الكلمات المفتاحية

الخرطوم خالية من السكان.. متى يعود المواطنون؟
سؤال يطرحه السودانيون في دول اللجوء عما إذا كانت الأولوية لإعادة إعمار المرافق والمدن التي دمرتها الحرب أم العودة قبل ذلك. هذه الأسئلة تُطرح على شبكات التواصل بشكل شبه يومي.

هبة المهندس.. من مشوار المساء إلى رحلة علاج السرطان
بثت الإعلامية هبة المهندس تطمينات عبر مقطع فيديو على حسابها في "فيسبوك" للسودانيين. وقالت إنها مستمرة في رحلة علاج مرض السرطان بصورة جيدة وتقترب من التماثل للشفاء.

بالجهد الذاتي.. طبيبة بصريات تنير ظلام العيون في السودان
ترسم طبيبة البصريات رفيدة جمال لوحة إنسانية رائعة من خلال جهودها في مساعدة السودانيين الذين يعانون من مشكلات في البصر، حيث تعمل بجد لتقديم الرعاية الصحية والبصرية لهم، دون انتظار الدعم أو الرعاية من أي جهة

13 إصابة بينها حالتا وفاة بضربات الشمس بولاية البحر الأحمر
كشفت اللجنة الفنية للطوارئ الصحية بوزارة الصحة ولاية البحر الأحمر، عن تسجيل 13 حالة إصابة بضربات الشمس، بينها حالتا وفاة بولاية البحر الأحمر.

سيول مفاجئة تتسبب بنزوح عشرات الأسر في شمال دارفور
أعلنت مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة أن السيول الناجمة عن أمطار غزيرة اجتاحت بلدة دار السلام في ولاية شمال دارفور خلال يومي 14 و15 تموز/يوليو الجاري

زيادة جديدة في الدولار الجمركي تحدث سخطًا في أوساط المستوردين بالسودان
قال متعاملون في التخليص الجمركي، إن الحكومة نفذت زيادة جديدة في التعرفة الجمركية الخاصة بعمليات الاستيراد، برفع القيمة من ألفي جنيه إلى 2400 جنيه اليوم الأربعاء.

الهلال والمريخ يعتذران عن خوض نهائي كأس السودان
أعلن ناديا الهلال والمريخ في بيان مشترك، أمس الثلاثاء، اعتذارهما عن خوض مباراة نهائي كأس السودان، المقررة في 26 تموز/ يوليو الجاري على ملعب بورتسودان، مبررين ذلك بجملة من التحديات التي رافقت مشاركتهما في البطولات خلال فترة الحرب.