مجتمع

العودة الطوعية لنازحي ولاية الجزيرة... آمال وتحديات

13 فبراير 2025
Wad Madani.png
استعادت القوات المسلحة السيطرة على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، بعد عام من سيطرة الدعم السريع عليها
عبدالرحيم حمدالنيل
عبدالرحيم حمدالنيل

في الأسبوع الثاني من كانون الثاني/يناير 2025، دخلت قوات الجيش حاضرة ولاية الجزيرة، ود مدني، بعد شهور من حصارها لقوات الدعم السريع من محاور عديدة: غربًا القوات القادمة من المناقل، شرقًا القوات القادمة من القضارف، وجنوبًا القوات القادمة من سنار بعد تحرير جبل موية، سنجة، الدندر، السوكي، والعديد من المناطق التي دخلتها قوات الدعم السريع.

مواطنو ولاية الجزيرة، الذين ينحدرون من عشرات المدن وآلاف القرى والبلدات الصغيرة، والذين هجَّرتهم قوات الدعم السريع وتسببت في نزوحهم إلى المدن والمناطق الآمنة، أكلت الحسرة قلوبهم لعام ونيف

والي الجزيرة، الطاهر إبراهيم الخير، قال في تصريحات صحفية أعقبت تحرير مدني بأيام إن الوضع مستقر وآمن داخل المدينة، مضيفًا أن هناك بعض الأعمال التي تقوم بها الفرق المتخصصة؛ الكتيبة الهندسية التابعة لقوات الشعب المسلحة وإدارة الدفاع المدني، حيث يقومون بتفتيش المدينة في كل المحاور التي دارت بها الحرب، لرفع مخلفات الحرب من مقذوفات لم تتفجر وخلافه حتى تكون المدينة آمنة. قال: "بدأنا بأهم شيء، الماء، لدينا حوالي ثمانين بئرًا؛ قمنا بتشغيل خمسين بئرًا منها بالوقود، وهي تعمل الآن، أيضًا ثلاثة عشر بالطاقة الشمسية تعمل أيضًا. نعمل على إعادة الخدمات وإزالة المخلفات"، وفي ذلك الوقت كان قد دعا المواطنين للتريث في العودة إلى حين اكتمال الخدمات وتطهير المدينة.

مواطنو ولاية الجزيرة، الذين ينحدرون من عشرات المدن وآلاف القرى والبلدات الصغيرة، والذين هجَّرتهم قوات الدعم السريع وتسببت في نزوحهم إلى المدن والمناطق الآمنة، أكلت الحسرة قلوبهم لعام ونيف، قضوه بعيدًا عن منازلهم ومضاربهم والأماكن التي ولدوا وعاشوا فيها أنضر سنوات عمرهم وأيامهم، والتي لم يتخيلوا يومًا أن يخرجوا منها خائفين ومروَّعين. نزلت أخبار تحرير مدنهم وقراهم على قلوبهم بردًا وسلامًا.

تجربة قاسية

عبد المنعم الخير، من مواطني مدينة ود مدني، قال لـ"الترا سودان" إن تجربة النزوح كانت أقسى تجربة عاشها هو وأسرته، مضيفًا: "تنقلنا من مدينة إلى مدينة ومن قرية لأخرى طوال العام الفائت، سكنَّا في مدارس فُتحت لإيوائنا، منازل معارفنا وأهلنا، ثم بيوت أخرى، لكن قلوبنا ظلت معلقة ببيتنا في مدني، الذي عرفنا أنه قد تعرض للسرقة. لكن كل شيء سيعود بإذن الله، المهم أننا هنا وسنعود إلى الجزيرة الرحيمة بعد طرد هؤلاء المجرمين منها. ليس هناك مدينة أو منطقة يمكن أن تكون لنا مثل مدني، ولا بيت يمكنه أن يحتوينا مثل بيتنا. معنوياتنا عالية رغم كل شيء".

انتهى الحصار

يتفق معظم من تحدث إلينا في "الترا سودان" من العائدين على أن تحديات العودة تكمن في انتظام خدمات المياه، الكهرباء، شبكات الاتصال، الصحة، وقبل ذلك كله الأمن.

نازح: كل شيء سيكون جديدًا، حيث سرق منسوبو المليشيا مواشينا وسياراتنا ومقتنياتنا الثمينة، وما لم يستطيعوا حمله معهم دمروه

يقول مصطفى فرج الله، الذي ينحدر من إحدى قرى جنوب الجزيرة، والذي كان قد نزح إلى كسلا، إن العودة تمثل له حياة جديدة بكل تحدياتها وآمالها، فـ"كل شيء سيكون جديدًا، حيث سرق منسوبو المليشيا مواشينا وسياراتنا ومقتنياتنا الثمينة، وما لم يستطيعوا حمله معهم دمروه. لذلك سنبدأ من الصفر، لكن كله يهون من أجل الوطن، فلقد ضحى آخرون بأرواحهم فداءً للسودان، وما خسرناه ليس شيئًا يُذكر مقابل ذلك"، بحسب تعبيره.

تحديات مجتمعية

تواجه المجتمعات النازحة تحديات هائلة تتعلق بالعودة إلى ديارهم وإعادة بناء حياتهم. ويمثل هذا الفعل نقطة تحول حاسمة في حياة ملايين من أبناء ولاية الجزيرة الذين تأثروا بالحرب على مدار العام الماضي، والذين نزحوا من بيوتهم التي تعرضت للتخريب والنهب والقصف، ولا يعرف كثيرون إن كانت منازلهم لا تزال قائمة في مكانها أم أنها تحولت إلى حطام بسبب الحرب.

يقول حمد النيل حسن، الذي بقي في منزلهم بإحدى قرى شرق الجزيرة، بينما أجلى زوجته وأولاده ووالدته وإخوته إلى مناطق آمنة: "بقيت لحماية البيت من السرقة. كانت فترة صعبة جدًا، بلا اتصالات، أو كهرباء، أو خدمات، لكن الحمد لله؛ انتصر الجيش ودحر المليشيا اللعينة، وانتهى الحصار المقيت. بقيت وحدي كالمجنون في بيت كان يعج بالأنس والضحكات، وبات خاليًا، بعيدًا عن أولادي وأهلي. فترة صعبة، لكن الحمد لله، لم يتعرض منزلي للسرقة والنهب والتحطيم مثل بيوت أخرى. قررتُ أنني لن أخرج من بيتي، وليكن ما يكن، لن نترك لهم بيوتنا وأملاكنا. قررنا أن نبقى لنحرس حقنا، والحمد لله الذي نصر جيشنا على الغزاة والمنتهكين"، طبقًا لما قال.

لسنا ضيوفًا

بدرية عبد اللطيف، من ود مدني، كانت قد نزحت إلى سنار ومنها إلى كسلا ثم إلى بورتسودان، قالت إنهم قد تعبوا بعيدًا عن بيوتهم وأهلهم. "لقد تفرق أهل بيتي كل في اتجاه، لم تكن دور الإيواء تسعنا جميعًا، استضافنا الأهل ولم يقصروا، لكننا لم نرد أن نثقل عليهم أكثر. الإيجار كان غاليًا، خاصة وأننا أصبحنا بلا دخل بعد الحرب، ما عدا المساعدات المتفرقة التي يرسلها شقيقي المغترب، والتي تكفي بعض احتياجاتنا. الحمد لله، أخيرًا سنعود إلى البيت، رغم مخاوفنا من انقطاع الخدمات، لكننا سنكون في منزلنا، ولسنا ضيوفًا. سنبدأ من جديد، وهكذا الحياة، يوم لك ويوم عليك. ما أجمل رمضان في المنزل رغم كل شيء! أتمنى أن تكون الأقدار خفيفة علينا جميعًا، وأن يتحرر كامل السودان من هذه العصابة المجرمة".

آمال مزدهرة

كانت المنظمة الدولية للهجرة قد أعلنت أن عدد النازحين داخليًا في السودان بلغ 11.58 مليون شخص، موزعين على أكثر من 10 آلاف موقع في 185 منطقة بجميع ولايات البلاد الـ18. ووفقًا لتقديرات المنظمة، فإن نحو 8.85 مليون شخص نزحوا داخل السودان منذ اندلاع الصراع في 15 نيسان/أبريل 2023، في حين تجاوز عدد الفارين إلى الدول المجاورة 3.5 مليون شخص. وتشير البيانات إلى أن الأطفال دون سن 18 عامًا يشكلون حوالي 53% من إجمالي النازحين داخليًا. كما أفادت المنظمة بأن 29% من النازحين الذين اضطروا إلى مغادرة مناطقهم قبل اندلاع الأزمة الحالية تعرضوا لنزوح ثانٍ، مما يزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية.

هذا الواقع الصعب والمعقد، الذي يعود فيه مواطنو ولاية الجزيرة إلى منازلهم بعد التهجير الممنهج الذي تعرضوا له، لا شيء يعادله موضوعيًا سوى الراحة التي يشعر بها النازح، الذي تعرض لظروف قاسية، لكنه أخيرًا يعود إلى البيت

بيد أن الآمال المزدهرة بالعودة، والتي حفَّزت مئات الأسر في اليومين الماضيين من كسلا، بورتسودان، والقضارف، قد تصطدم بواقع ما بعد الحرب الصعب، والذي في أصغر تجلياته يتمظهر في انعدام المدخرات للأسر، التي فقدت جميعها مصدر الدخل الرئيس، إضافة إلى الممتلكات والمقدرات، حيث تعرضت الأسر إلى حملة إفقار شاملة بتحطيم أدوات العمل ومصدر الرزق الرئيسي، إن كان مرتبات "موظفين، عمال"، أو أدوات إنتاج زراعية أو حيوانية. فمعظم السيارات في الولاية تعرضت للنهب، إضافة إلى تخريب أدوات الإنتاج الزراعية التي استغلها منسوبو الدعم السريع في التنقل، وأحيانًا تم إتلافها بغرض الانتقام ليس إلا.

هذا الواقع الصعب والمعقد، الذي يعود فيه مواطنو ولاية الجزيرة إلى منازلهم بعد التهجير الممنهج الذي تعرضوا له، لا شيء يعادله موضوعيًا سوى الراحة التي يشعر بها النازح، الذي تعرض لظروف قاسية، لكنه أخيرًا يعود إلى البيت، يعود إلى ما يعرفه وما يألفه من مكان، وبيئة، وأهل، ومجتمع.

الكلمات المفتاحية

سودانيون في طريقهم إلي مصر.png

سودانيون مبعدون من مصر.. الانتقال من اللجوء إلى التشرد

قال متطوعون في غرف الطوارئ بالولاية الشمالية إن السلطات المصرية أبعدت ما لا يقل عن عشرات الآلاف من اللاجئين السودانيين بين عامي 2024 و2025، مشيرين إلى أن عمليات الإبعاد لا تزال مستمرة.


الأبيض - شمال كردفان.jpg 2.jpg

في انتظار التدوين.. "عروس الرمال" مدينة الأبيض تنزف ببطء

"على قلق، في كل يوم مع مواعيد إفطار رمضان، صرنا ننتظر قذائف قوات الدعم السريع، التي لم تتوقف منذ أحد عشر يومًا، تبث الرعب والخوف بين سكان المدينة. لن تستطيع أن تخمن في أي مكان ستسقط قذيفة اليوم، فكل الأمكنة قيد "التدوين". هكذا تحدثت المواطنة فتحية التوم، من مدينة الأبيض لـ"الترا سودان"، وأضافت: "فقدنا أعزاء كثر منذ بداية الحرب، عانينا كثيرًا جدًا في الأبيض، وحين…


شارع السينما - نيالا (ويكيميديا).jpeg

نيالا.. مدينة تخيم عليها أصوات السلاح والقتل 

تعيش مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حالة من التدهور الأمني بسبب الاستهداف الذي يتعرض له التجار في الأسواق بغرض نهب الأموال، ما أدى إلى ظهور حركة عكسية لنقل الأنشطة التجارية إلى دول الجوار.


Ramadan Charity Kitchen.png

تكايا رمضان في السودان.. موائد الرحمة في زمن الصراع

من بحري إلى أم روابة، ومن القضارف إلى المدن والقرى التي أنهكها النزاع، تتكاتف الأيدي في تكايا رمضان لتوفير وجبات تُشعر الناس بكرامتهم

Sudan Army.png
سياسة

السودان.. هل يقود صراع الفصائل العسكرية المساندة للجيش إلى الاقتتال؟

في غمرة تقدم الجيش، اندلع تنافس محموم بين الفصائل على النفوذ ومواقع التأثير السلطوي ومراكمة الثروة والاعتبار، فاشتعل خلاف معلن بين القوة المشتركة لحركات دارفور المسلحة وقوات درع السودان من جهة، وبينهما معًا في مقابل كتائب الإسلاميين من جهة أخرى

كوبري توتي في العاصمة الخرطوم.JPG
أخبار

لجنة مقاومة: القوات المسلحة تسيطر على منطقة المقرن وفندق كورنثيا

أفادت لجان مقاومة إن القوات المسلحة السودانية تمكنت من فرض سيطرتها بالكامل على الجبهة الغربية من مناطق وسط الخرطوم، ويشمل ذلك حي المقرن وفندق كورنثيا، وقاعة الصدافة، وجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا "المجمع الغربي"، وكلية البيان.


عناصر من الجيش أمام القصر الجمهوري
سياسة

سيطرة الجيش على القصر الجمهوري.. دلالات سياسية ومرحلة جديدة

بعد قرابة العامين من المعارك الدامية التي مزقت العاصمة الخرطوم وعدد من الولايات، أعلن الجيش السوداني استعادة السيطرة على القصر الجمهوري، أحد أهم الرموز السيادية في البلاد.

القوات المسلحة - الجيش.jpg
أخبار

لجان مقاومة: انفتاح كبير للجيش في محلية أمبدة حتى تخوم سوق ليبيا

قالت تنسيقية لجان مقاومة كرري إن القوات المسلحة السودانية وقوات العمل الخاص، حققت اليوم الجمعة 21 آذار/مارس 2025 انفتاحًا كبيرًا في محلية أمبدة إلى تخوم سوق ليبيا.