العمل الإنساني في السودان هل يتعرض إلى قيود صارمة؟

يشكو متطوعون في القطاع الإنساني في العاصمة الخرطوم من استمرار القيود الحكومية على تقديم المساعدات الطبية والغذائية، بينما ترفض مفوضية العون الإنساني "هيئة حكومية" هذه الاتهامات وتصفها بـ"الملفقة".

نشر متطوع إنساني مقطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي الثلاثاء 14 تشرين الأول/أكتوبر 2025، مشيرًا إلى أنه منع من توزيع محاليل البندول في أحياء الجزيرة اسلانج جنوب أم درمان.

متطوعون: تواجه غرف الطوارئ في العاصمة الخرطوم خطر التفكك والتلاشي بسبب القيود
 

وتعود الرواية إلى أن الشاب المتطوع وصل بسيارته التي حملت شحنة من محاليل البندول إلى مستشفى الجزيرة أسلانج جنوب أم درمان لتوزيعه مجانًا على المرضى والمواطنين.

قال المتطوع إن السلطات الصحية منعته من توزيع المحاليل وطلبت منه تسليم الشحنة لتوزيعها تحت إشرافها وهو الأمر الذي استهجنه الشاب، واضطر إلى الوقوف في الشارع وتوزيع المحاليل على المارة حسب روايته.

وفي الوقت ذاته تؤكد المصادر الطبية أن توزيع الأدوية حتى وإن كانت مجانية لا يتم إلا عبر السلطات الصحية أو الصيدليات المرخصة بحسب قوانين الصيدلة والسموم.

لمتابعة قضايا العمل الإنساني والمتطوعين التي تثير استياء السودانيين استفسر مراسل "الترا سودان" متطوعة إنسانية تعمل في غرف طوارئ شرق الخرطوم لم تنشر اسمها لتجنب الملاحقة، وأكدت وجود قيود أمنية وحكومية على العمل الإنساني، ولم تعد غرف الطوارئ كما كانت قبل أشهر وباتت معرضة للتفكك خاصة في العاصمة الخرطوم على حد تعبيرها.

وأشارت إلى أن العمل الإنساني لم يعد مشجعًا داخل ولاية الخرطوم وأصبحت الرقابة مشددة رغم التعاون الذي نجده من بعض المسؤولين العسكريين، إلا أن القيود الأمنية ذات طابع سياسي لطرد غرف الطوارئ من القطاع الإنساني وتفكيكها.

وتابعت: "عناصر نشطة جدًا في غرف الطوارئ جلست على الرصيف لتجنب الملاحقة والتصنيف السياسي الذي بات أسهل من كل شيء، كما إن هناك منظمات موازية باتت تعمل في هذا القطاع وحدثت الأمور كما لو أن هناك جهة ما تريد القضاء على وجود غرف الطوارئ بالعاصمة".

وفي خطوة للنأي بنفسها عن الاستقطاب بين الجيش وقوات الدعم السريع أصدرت غرف الطوارئ بولاية الخرطوم بيانًا نهاية أيار/مايو 2025، مشيرة إلى أنها تعمل باستقلالية لتقديم العون الإنساني للسودانيين الذين تأثروا بالنزاع المسلح وتعمل وفق خارطة تتوزع فيها قرابة 800 مطبخ جماعي و"تكايا".

وللمزيد من تسليط الضوء على قضية العمل الإنساني وغرف الطوارئ بالعاصمة نعود إلى قرار ولاية الخرطوم منتصف أيار/مايو 2025، الذي نص على تسجيل الأعمال الطوعية رسميًا لدى المفوضية الحكومية المعنية بالقطاع الإنساني والتطوعي.

حظيت غرف الطوارئ وشبكات التدخلات الإنسانية على مستوى البلاد باهتمام المجتمع الدولي ونافست الأسبوع الماضي على جائزة نوبل للسلام، كما أشادت الأمم المتحدة أكثر من مرة بغرف الطوارئ والمتطوعين في السودان، مشيرة على سبيل المثال إلى أن غرف الطوارئ في محلية طويلة بولاية شمال دارفور ساعدت بشكل واسع آلاف الفارين من هجمات الفاشر.

وتقول الباحثة في القطاع الإنساني نهلة حسن لـ"الترا سودان" إن حرب السودان لم تترك فرصة لقبول أي طرف مستقل لذلك هناك ملاحقة الناشطين في العمل الإنساني والطبي في مناطق سيطرة الطرفين، بينما هناك مقاومة من غرف الطوارئ في مناطق سيطرة الجيش من خلال اتباع الطرق السليمة بالمقابل هذا الأمر لن يدوم طويلًا.

وتقترح نهلة حسن ضرورة ابتدار حوار بين الحكومة وغرف الطوارئ لإزالة التوجس والسماح لها بالعمل بحرية طالما أن العمل الإنساني بالنسبة للمواطنين أولوية، مشيرة إلى استمرار المطابخ الجماعية في الخرطوم وبحري وأم درمان والقرى المحيطة حتى اليوم، لأن المجتمعات تضررت من الحرب ولم تتمكن من الوصول إلى مرحلة شراء الطعام.

وعابت نهلة حسن عدم إصدار وزارة الخارجية السودانية أي بيان للترحيب بمنافسة غرف الطوارئ على جائزة نوبل للسلام، مشيرة إلى أن الحكومة يجب أن تقف على مسافة واحدة من الجميع وتشجع على العمل التكافلي والإنساني لسد الاحتياجات التي لم تستطع تلبيتها.

وأكملت قائلة: "من الواضح أن هناك كيانات إنسانية تطوعية تحظى بحماية وتأييد الحكومة بينما تتعرض غرف الطوارئ للملاحقة والقيود".