14-ديسمبر-2019

مبنى الاتحادالعام لكرة القدم السوداني (الجزيرة نت)

لم تهدأ أنفاس الشارِع السوداني بعد مُغالطاته حول ما تم تسميته بالتعديلات على الوثيقة الدُستورية والتي قيل بأن يدًا "خفية" قد طالتها لتضع موادًا تمنح الحصانة لمن كان من المتوقع أن يتم تقديمهم للمحاكمة على ما اقترفوه من جرائم، حتى عاود صدر الأحداث في التصاعُد من جديد مع إجازة مجلسي السيادة والوزراء لقانون "تفكيك المؤتمر الوطني" بعد أن سبقت إجازتة تداولًا لمسودة أشارت بوضوح لمادة العزل السياسي لكل قيادات حزب المؤتمر الوطني، وحددت مدة لهذا العزل بعشر سنوات.

المادة المحذوفة أو التي دُست في المسودة المُسرّبة أرادت أن تضرب طوقًا من العُزلة السياسية على كل من انتمى أو شارك أو ثبت استفادته من نظام المؤتمر الوطني

احتاج المجلس السيادي لخروج الناطق الرسمي باسمه محمد الفكي ليقول للناس إن المسودة التي تم تداولها في الاجتماع المشترك لم تكُن تحوي بالأساس هذه المادة المشار إليها، وإن يدًا ما كانت لها المصلحة في سرقة احتفاء الشارع السوداني بصدور هذا القانون الذي وضع ما قام به الشارع في ثورة ديسمبر في قالب قانوني، وقامت بدس تلك المادة.

اقرأ/ي أيضًا: لغة الثورة الصادقة الركيكة

المادة المحذوفة أو التي دُست في المسودة المُسرّبة أرادت أن تضرب طوقًا من العُزلة السياسية على كل من انتمى أو شارك أو ثبت استفادته من نظام المؤتمر الوطني طوال سني حُكمه للسودان، لمدة عشر سنوات، ثم صارت بعد ذلك للفترة الانتقالية، كما أشار وزير الإعلام فيصل محمد صالح، ورفضها المؤتمر الوطني بلسان عدد من قيادييه قائلًا: "إن القانون لا يسوى الحبر الذي كٌتب به"، وإلا لكانت المادة ستشمل نشاط منسوبي المؤتمر الوطني في الوسط الرياضي، لولا أنهم كانوا قد احتاطوا مُبكرًا لذلك بحصانات المؤسسات الدولية المنظمة للأنشطة الرياضية، والتي لا تعترف بالتدخلات السياسية في النشاط الرياضي.

مشروع "التمكين" الذي خطط له المؤتمر الوطني في السودان قام بالاستناد للسيطرة على مفاصل الدولة السودانية بكل مكوناتها بما فيها النشاط الرياضي، باعتبار جماهيرية هذا الوسط وتأثير تفاعلاته على المجتمع السوداني، فاختار لمهمة التمكين للمؤتمر الوطني في الرياضة أستاذًا في الحساب الرياضي لُقّب لاحقًا بأبو القوانين في الوسط الرياضي هو محمد الشيخ مدني، وهو مهندس سياسات التمكين للمؤتمر الوطني في الرياضة. كيف لا وهو رئيس مجلس الولايات بالبرلمان، الذي صاغ وأجاز ونفذ قانون هيئات الشباب والرياضة للعام 2007، وكان عرّابًا لكل القرارات التي جعلت من العمل الرياضي مُحتكرًا بامتياز لصالح منسوبي الحزب الذي ينتمي إليه.

ولن يخفى على أحد مظاهِر التمكين للمؤتمر الوطني في العمل الرياضي، لو أنه أعاد البصر كرّتين في النُظُم الإدارية التي حكمت ناديي القِمة السودانية الهلال والمريخ ومنظومة الاتحاد العام لكرة القدم السودانية.

اقرأ/ي أيضًا: تأملات في القمّة الكُروية.. وتفاصيل صِناعة الفوضى

تفكيك أهلية الرياضة وديموقراطيتها في الهلال يبدو ظاهرًا للعيان بتدخُل مباشر في العملية الانتخابية وتزوير إرادة الجمعية العمومية للنادي في ما عُرف لاحقًا بفضيحة "الطائف والتحرير"، والتي حشد فيها الحزب منسوبيه في المؤسسات المدنية والعسكرية ليقوموا بالتصويت في مراكز مخالفة لما نص عليه النظام الأساسي لنادي الهلال، وبالتعديل الصريح لأحكام القانون والنظام الأساسي للنادي، ليأتي المدعوم من أمانة الشباب والرياضة للمؤتمر الوطني أشرف سيد أحمد الكاردينال.

هذا بالإضافة للصياغة الشيطانية من مُشرّع التمكين للمؤتمر الوطني للماده (9) في القانون والتي تمنح الوزير المُعين سلفًا من الحزب نفسه، سُلطة التقدير بتعيين مجالس الإدارات في ناديي الهلال والمريخ متى ما رأى الحزب حوجه له في التدخل المباشر لفرض منسوبيه وسياساته في الرياضة.

"العزل الرياضي" بالتأكيد لن يكون مادة صالحة للتنفيذ على رموز المؤتمر الوطني الذين مكنهم من مقاعد الاتحاد الوطني لكرة القدم في السودان بقوة العضل السياسي والأمني

"العزل الرياضي" بالتأكيد لن يكون مادة صالحة للتنفيذ على رموز المؤتمر الوطني الذين مكنهم من مقاعد الاتحاد الوطني لكرة القدم في السودان بقوة العضل السياسي والأمني، ليصير المشهد شائهًا في حضور الزخم الثوري العام المطالب بتفكيك دولة حزب المؤتمر الوطني لصالح دولة التغيير.

حتى وزارة الشباب والرياضة في عهد الحرية والتغيير تجد يدها مغلولة عليها، بسبب قانون "التمكين" الولائي، الذي يجعل السلطات تحت يد "مفوّض" تم تعيينه بالولاء الحزبي في النظام السابق، ويُطبّق القانون وكأنما المؤتمر الوطني لم يعُد محلولًا بموجب القانون المجاز أخيرًا.

لم يعد أمام الوسط الرياضي من خيار لتطبيق قانون "العزل الرياضي" غير المسار الذي اختاره الشعب السوداني في ثورة كانون الأول/ديسمبر ليفكك سُلطة المؤتمر الوطني، وهو اللجوء لسُلطة الشعب بخلق إرادة تغيير في الجمعيات العمومية للأندية والاتحادات تُفكك تمكين المؤتمر الوطني في الرياضة السودانية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الدعم السريع.. حصاد دولة ما بعد الاستقلال

لماذا وجب على الحكومة السودانية إدانة الاستيطان؟