العائدون من مصر.. المعاناة تبدأ عند حدود السودان

على طريقٍ صحراوي بين وادي حلفا والعاصمة الخرطوم، تتنفس أُمنية الصعداء بعد أن عثرت، بمعية عائلها، على حافلة تقلهم من المعبر عقب انتظارٍ استمر لثلاثة أيام، للحافلات القادمة من الأراضي السودانية لإجلاء العالقين على الحدود من السودانيين العائدين من مصر.

حفزت استعادة الجيش للعاصمة الخرطوم، والجزيرة، وسنار، وأجزاء من شمال كردفان والنيل الأبيض، عشرات الآلاف من السودانيين في مصر على بدء الاستعداد للعودة إلى بلادهم، خاصة أولئك الذين يواجهون ظروفًا اقتصادية ولم يحصلوا على فرص عمل أو سُبل كسب العيش.

عائدة: الوضع في معبر أرقين حالة أقرب إلى الموت، والملاحظ انهيار الخدمات الحكومية كليًّا

تقول أُمنية، التي وصلت إلى مدينة دنقلا التي تبعد نحو 400 كيلومتر عن شمال الخرطوم، لـ"الترا سودان": إن الوضع في معبر أرقين حالة أقرب إلى الموت، والملاحظ انهيار الخدمات الحكومية كليًّا، وعدم القدرة على استيعاب الأعداد الهائلة من السودانيين العائدين الذين وصلوا من مصر إلى المعبر في غضون أيام قليلة، قد تكون بعد عيد الفطر نهاية آذار/مارس 2025.

وتردف بالقول: "وصلنا معبر أرقين، غرب وادي حلفا، في الثالث من نيسان/أبريل، وغادرنا بعد إجراءات شاقة وانتظار الحافلات القادمة من دنقلا وعطبرة في السادس من نيسان/أبريل 2025، وما زلنا في طريقنا إلى المنزل في الخرطوم. هذا يعني أن الرحلة من مصر إلى السودان قد تستغرق عشرة أيام بالحافلة".

وتابعت: "بعض العالقين، نتيجة اليأس من وصول الحافلات، استخدموا الشاحنات المخصصة للحيوانات للسفر إلى الخرطوم ومدن أخرى داخل البلاد. كما زادت الحافلات أسعار التذاكر إلى ثلاثة أضعاف، وتُباع في السوق الموازي بسعر 750 ألف جنيه في معبر أرقين".

كانت عائلة أُمنية تقيم في منطقة الجيزة بمصر، وغادرت الشقة السكنية بعد قرابة العامين، قبل أن تحصل على مستحقاتها من مبلغ التأمين الذي يبلغ نحو ستة آلاف جنيه مصري، ما يعادل 110 دولارات أميركية، وهي قيمة تعادل إيجار شهر واحد، ويستردها المستأجر نظير إخلاء الشقة دون إلحاق أي ضرر في المبنى والمقتنيات. تضيف: "تنازلنا عن استرداد قيمة تأمين الشقة.. طالما قررنا العودة إلى بلدنا، لا شيء أهم من ذلك في نظرنا".

قالت المنظمة الدولية للهجرة إن 72 ألف فرد عادوا من مصر إلى السودان خلال الأشهر الثلاثة الماضية

من محطة حافلات في منطقة عابدين، يصف حافظ يعقوب، متعامل سوداني في مجال العقارات من قلب القاهرة، حركة القادمين من مصر إلى السودان بالمرتفعة طوال اليومين الماضيين، وقال إن حوالي 120 حافلة غادرت خلال الساعات الماضية.

يعزو حافظ يعقوب تزايد أعداد العائدين إلى السودان إلى الوضع الاقتصادي، والتخلص من أعباء إيجار المساكن في ظل اعتماد الغالبية على الإعانات المالية من الأقارب والأصدقاء، وتفضيلهم الحياة في السودان، خاصة أولئك الذين يملكون منازل في الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض.

في سياقٍ موازٍ، قالت المنظمة الدولية للهجرة إن 72 ألف فرد عادوا من مصر إلى السودان بين الأول من كانون الثاني/يناير حتى 31 آذار/مارس 2025، مقارنة بـ42 ألف فرد خلال العام الماضي بأكمله.

واستقبل معبر أشكيت 87% من العائدين، بينما استقبل معبر أرقين 13% بمدينة وادي حلفا، فيما يُقدَّر إجمالي عدد العائدين منذ بداية العام 2024 وحتى الآن بـ114,457 شخصًا. وبلغت نسبة العائدين إلى الخرطوم 71%، وولاية الجزيرة 22%.

عضو بغرفة طوارئ حلفا: تأخر وصول الحافلات أدى إلى تكدس المسافرين بمعابر وادي حلفا

ويعزو عضو غرفة طوارئ وادي حلفا، محمد سليم، في حديثٍ لـ"الترا سودان"، تكدس العائدين في معابر وادي حلفا إلى نقص الحافلات الناقلة من داخل البلاد، وقال إن الأزمة انفرجت بوصول الحافلات صباح الثلاثاء 8 نيسان/أبريل 2025، ومن المتوقع مغادرة أفواج كبيرة خلال وقت الظهيرة.

ونفى سليم وجود بطء في إجراءات الجمارك والجوازات، وقال إن تأخر وصول الحافلات أدى إلى تكدس المسافرين بمعابر وادي حلفا.

بالمقابل، يحمل الناشط في قضايا وادي حلفا، عبد الرحمن صالح، إدارة المعابر مسؤولية تكدس القادمين من مصر إلى السودان، وقال إن الفرق واضح؛ بينما تُسير السلطات المصرية الإجراءات بسلاسة في معبر قسطل، الذي يقع على بعد أمتار قليلة من المعبر السوداني، يواجه العائدون صعوبة في إكمال إجراءات الدخول إلى الأراضي السودانية، لعدم كفاءة العمل.

وأضاف صالح: "كم عدد ضباط الجمارك والجوازات في الجانب السوداني؟ هل يتناسب مع الضغط الكبير، خاصة في هذا الوقت؟". يستدرك: "لا أعتقد ذلك، كما إن إدارة المعبر تركز على الجباية لأنها تتبع لوزارة المالية، ولا توفر الخدمات العامة.. الدولة الجبائية عادةً ما تفشل في الخدمات الأساسية".

ويقول عبد الرحمن صالح: "المعبر يقع في منطقة خلوية، ويفتقر للمرافق الصحية وعربات الإطفاء.. عند حدوث الطوارئ، أكثر من مرة، ساعدت عربات الإطفاء من الجانب المصري في إطفاء الحرائق داخل المعابر السودانية".