14-نوفمبر-2019

وزير التربية والتعليم السوداني محمد الأمين التوم (سودان بلوغ)

قبل أيام كشف وزير التربية والتعليم محمد الأمين التوم في مؤتمر صحفي حقائق صادمة عن الشهادة الثانوية العليا أو "الشهادة السودانية" مثل عمليات تزوير وكشف للامتحانات وقال أنها كانت تطبخ بليل مثل الانقلابات العسكرية، وما يتم الإعلان عنه في المؤتمرات الصحفية ليس كل الحقيقة. تصريحات الوزير هزت الرأي العام السوداني والمهتمين بقضايا التعليم. لكن من ناحية أخرى قدمت إجابة كافية لسؤال لماذا ظلت الشهادة السودانية طوال أعوام في تراجع مستمر وتدنٍ في المستوى؟

استقبل البعض تصريحات الوزير برحابة صدر، لكن آخرين رفضوا التشكيك في نزاهة مجلس الامتحانات

تصريحات استقبلها البعض برحابة صدر لأنها -وفق تصورهم- تعبر عن واقع معاش وحقيقي. وآخرون رفضوا التشكيك في نزاهة مجلس الامتحانات وأكدوا على المكانة العالية للشهادة السودانية. 

اقرأ/ي أيضًا: حمدوك يستمع لتنوير اجتماع واشنطن.. وانطلاق مفاوضات سد النهضة في أديس الخميس

ذعر وغضب بين المواطنين

أثارت تصريحات الوزير الذعر في أوساط المواطنين في حين تقبلها البعض بعين الرضا. "ألترا سودان" تحدث مع ربة منزل وأم لأبناء من حاملي الشهادة السودانية. أبدت زهرة دهشتها من الحقائق الصادمة التي كشفها الوزير ووصفته بالشجاع، وأضافت: "كل الأسر السودانية تعتبر مرحلة الشهادة السودانية حدث فاصل في حياتها ونسخر كل سبل الراحة الطلاب الممتحنين. لكن هناك من يتفاجأ بنتائج غير متوقعة عند ظهور النتيجة وفي العهد القديم ظلت مدارس محددة في الخرطوم يتحصل طلابها على أعلى الدرجات والبقية لا يتفوقون، لذلك كانت الشهادة السودانية بالنسبة للبعض بمثابة دعاية لمدارس محددة. تناهى إلى سمعنا أن الامتحانات تكشف لبعض أبناء الأثرياء وأعضاء حزب المؤتمر الوطني، لكنها كانت في نظرنا مجرد اشاعات لم نلتفت إليها في وقتها. لكن تصريحات الوزير الأخيرة أكدت صحتها". تحسرت زهرة على المجهود الذي بذله الطلاب "المساكين" -على حد وصفها- لأن آخرين حصدوا الثمار دون مشقة وطالبت بمعاقبة كل المتورطين في القضية.

من جانب آخر، قالت سيدة -رفضت ذكر اسمها- أن ابنها الصغير لم يلتحق بالمدرسة نسبة للظروف المادية القاسية وكانت أمام خيار صعب في منع ابنتها الكبرى من مواصلة الدراسة لتفسح المجال لابنها الصغير، هل تسمح لها بمواصلة التعليم خاصة وهي في مرحلة متقدمة أم لا؟ قالت: لجأت إلى الخيار الأول إلى حين توفير المال الكافي. وعن تسريب امتحانات الشهادة السودانية خلال الأعوام السابقة أكدت أن حكومة الإنقاذ يمكن أن تفعل أي شيء والتعليم لم يكن يومًا من أولوياتها.

اقرأ/ي أيضًا: أوامر من النيابة بالقبض على منفذي انقلاب 1989

مطالبة بالأدلة والبراهين

وصف الخبير التربوي الهادي السيد عثمان تصريحات الوزير الأخيرة بأنها معممة وتجرم أجيالًا من التربويين العاملين في الوزارة ولجنة الامتحانات. وطلب الهادي السيد من الوزير تقديم الأدلة والمستندات على أن الشهادة السودانية كانت تكشف لجزء من الطلاب. وقال: هذا أتهام خطير هز كيان المجتمع السوداني ويشكك في مصداقية شهادات السودان التعليمية، لذلك نطالب الوزير بتقديم توضيح كامل حول ملابسات القصة وكشف المتورطين فيها بالاسماء وإلا عليه الاعتذار عن هذا التصريح الصادم".

"الجوعان يسمع بالبطن وليس الأذن" هكذا وصف المعلم أحمد واقع بعض المعلمين وشرح مقولته بالقول: المعلم في السودان في أدنى درجات السلم الوظيفي ويتحصل على مبالغ زهيدة بالكاد تكفي قوت يومه. لذلك لا أستبعد عمليات كشف امتحانات الشهادة السودانية التي حدثت في الماضي خاصة من منسوبي المؤتمر الوطني. أيضًا هناك إعلانات كثيرة تظهر مع اقتراب موعد الشهادة السودانية تتمثل في مراكز ومعسكرات مغلقة وكراسات تباع بثمٍن غال وكلها تغري الطلاب بكشف أسئلة الامتحانات. تحولت العملية التعليمية في عهد الإنقاذ إلى عملية تجارية بحتة من عرض وطلب دون الاهتمام بالمحتوى".

خلل في المنظومة التعليمية

قال مدير مكتب الإعلام بلجنة المعلمين سامي الباقر في تعليقه على حوادث كشف الشهادة السودانية، أن الامتحانات هي الإجراء الأخير في العملية التعليمية. ولتكتمل الحلقة وتكون مخرجات التعليم جيدة ومتوافقة مع المعايير الدولية لا بد من اكتمال المثلث التعليمي وهو: المتعلم، المعلم والرسالة. في عهد الحكومة السابقة منذ ليلة انقلابها على الحكم إلى آخر يوم لها، كان هناك خلل واضح في المنظومة التعليمية من البيئة الدراسية ومحتوى المقررات وتوفرها للطالب والسلم التعليمي، حيث الحكومة قامت بإلغاء المرحلة المتوسطة وهي مرحلة مهمة حسب المعيار العالمي للتعليم. افتقرت المدارس وخاصة في الأقاليم إلى الوسائل التعليمية البسيطة مثل مقاعد الجلوس في حجرات الدراسة والمراحيض لأن الصرف الحكومي طوال عهد الإنقاذ على التعليم لم يتجاوز (1%) إلى (2%) والمفترض حسب المقياس العالمي أن يبلغ (20%) من الميزانية العامة للحكومة. لذلك على الرغم أن السودان وقع على الكثير من المواثيق الدولية الخاصة بالتعليم إلا أنه لم يتمكن من فرض التعليم الإلزامي والمجاني. وتقول آخر إحصائية عام 2012 أن 50% (50%) إلى (60%) من الطلاب يتسربون من المدارس ويعود السبب في المقام الأول إلى التدهور الاقتصادي.

اقرأ/ي أيضًا: تجمع المهنيين يعتزم مساءلة "حميدتي" ومدير المخابرات دمبلاب

يؤكد الباقر أن هذا الخلل الواضح له تأثير كبير على مخرجات الشهادة السودانية. وحذر الجهات التي تصب الزيت على النار من أذيال النظام السابق مثل نقابة المعلمين المندحرة، من مغبة عدم الاعتراف بالأخطاء السابقة وضرورة مواجهة الحقائق. وأكد لـ"الترا سودان" أن إدارة الامتحانات تمارس عملها بشكل طبيعي وتم احتواء الموقف الذي تفجر عقب تصريحات وزير التربية والتعليم الأخيرة.

ضحايا الشهادة السودانية

عضو في لجنة المعلمين: الطلاب في عهد الإنقاذ كانوا هم ضحايا ولا يجب معاقبتهم مرتين. ونطالب بتشكيل لجنة تقصي حقائق وكشف المتورطين

ذكرت عضو لجنة المعلمين السودانيين "قمرية عمر" وقائع حدثت في الأعوام السابقة مثل كشف امتحان مادة الكيمياء العام قبل الفائت وتم ضبط المتهمين من المعلمين وإدانتهم. في الأردن تساءلت الأسر عن سر نجاح الطلاب في السودان ولماذا يسافرون خصيصًا للجلوس لامتحانات الشهادة الثانوية في السودان؟ فرد الوزير الأردني حينها "لأنه سهل ويمكن أن يباع ويشترى". وقبل أعوام تم القبض على طلاب أجانب متهمين في قضية بيع أسئلة امتحانات الشهادة السودانية.

لم تتفاجأ الأستاذة قمرية من تصريحات الوزير ووصفت الطلاب في سنوات الإنقاذ بالضحايا، لأنهم كانوا ضحايا للتعليم المتدني والفساد الإداري، فلا يجوز معاقبتهم مرتين بتجريمهم وفقدان الثقة فيهم. وأوضحت أن جميع الحقائق التي كشفها الوزير معلومة للأسر السودانية لكنها المرة الأولى التي تقال بهذا الوضوح والصراحة. وطالبت قمرية بتكوين لجان تحقيق مع المسؤولين لمعرفة المتورطين وتقديم معالجات مستقبلية، وإلا فسيظل الاتهام ضد مجهول.

 

اقرأ/ي أيضًا  

سد النهضة.. اتفاق على انعقاد لجان فنية وتحكيم المادة العاشرة من إعلان المبادئ

محلل سياسي: كير ومشار أمام آخر فرصة لإحلال السلام.. والفشل ستليه عقوبات