رأي

الشمالية في خطاب حميدتي: الحرب مستمرة

3 يونيو 2025
محمد حمدان دقلو - حميدتي.jpg
حميدتي (أرشيفية)
منصور الصويم
منصور الصويمكاتب من السودان

في الخطابات الأخيرة لقائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي"، أصبحت مناطق "الشمالية" لازمة رئيسية، تتكرر في مسار تهديدي ثابت بتصعيد الحرب وإيصالها إلى هذه المناطق "ولايتي الشمالية ونهر النيل"، وهذا بالطبع تكرر في آخر خطاب لحميدتي، أمس الاثنين 2 حزيران/يونيو 2025.

يضم الإقليم الشمالي ولايتي نهر النيل، والشمالية، وتتاخم الولايتان حدوديًا دولتي مصر وليبيا عن طريق صحراء الشمال التي تتداخل في شسوعها الممتد مع ولاية شمال دارفور في غرب السودان، وربما من هنا – انفتاح دارفور على الشمال – تتكرر تهديدات حميدتي وشقيقه عبد الرحيم بغزو الشمال، استغلالًا للمساحات الصحراوية الواسعة الرابطة بين الإقليمين: دارفور - معقل حميدتي، والشمالية- معقل قادة الجيش السوداني، والحاضنة المفترضة للقوات المسلحة، وتنظيم الإخوان المسلمين "المؤتمر الوطني".

النظر إلى الشمالية كـ "معادل للمركز" يضع المرء أمام مشهد غرائبي بكل معنى الكلمة

ما الذي يوجد في الشمالية ويغري باجتياحها؟

وهنا لا أتحدث عن "الناس" و"المغانم"، التي تُعد من الأهداف الرئيسية لجنود وبعض قادة قوات الدعم السريع، وفقًا لمسارات الحرب السابقة، فالشمالية مثلها مثل أغلب ولايات السودان تعاني فقرًا مدقعًا من حيث البنية التحتية، ومن حيث الثروات لأغلبية سكانها، ممن يمتهنون الرعي والزراعة، ويعيشون في أكواخ طينية بائسة على ضفاف النيل، أو في عمق الصحارى وفي سفوح الجبال المجدبة.

هناك سرديتان تتبناهما قوات الدعم السريع في تبرير الهجوم على الولايات الشمالية، السردية الأولى، وتخص حميدتي ومستشاريه وشقيقه، وتركز على أن الشمالية هي المعقل الرئيسي لـ الكيزان" وقادة الجيش، كما أنها المدخل الأول للتدخل المصري في الشأن السوداني بالتحالف مع الجيش، وبالتالي ضرب الشمالية بقواعدها الكيزانية والاستخباراتية ينهي الحرب تمامًا، ويخلص البلاد من تنظيم الإسلاميين – مشعل الحرب!

أما السردية الثانية، وتأتي مترافقة مع تصاعد خطاب الكراهية، وتفشي الجهوية والقبيلة بالتركيز على غزو "الشمالية" من قبل "حميدتي" وشقيقه عبدالرحيم والأكثرية من قادة وجنود "الدعم السريع"، فتبني فرضيتها على ضرورة نقل المعركة إلى ولايتي الشمالية ونهر النيل، حتى يكتوي أبناء هاتين الولايتين بنار الحرب مثل غيرهم من أبناء السودان، لاسيما دارفور، التي ينتمي إليها جنود ومقاتلو هذه القوات، وظلت تعاني من الحروب المتصلة لأكثر من عشرين عامًا.

هل تمثل الشمالية حقًا حاضنة للجيش؟

بنظرة سريعة للقيادات المتعاقبة للجيش السوداني، ولحكام السودان العسكريين على مدار الستين عامًا الماضية، سيكتشف المرء – من الوجهة الجهوية – أن هذه القيادات فعلًا تنتمي إلى جذر جهوي – إثني واحد، وهو الشمال السوداني في ترميزه الأوسع "شمال، وسط، شرق"، مع استثناءات قليلة تشمل القيادات العليا، وترمي إلى إضفاء توازن فوقي يغطي السودان بمختلف أقاليمه وإثنياته، مثلما نلحظ في القيادة الحالية للقوات المسلحة. هذا الوضع، سيطرة إقليم محدد على قيادة الجيش، نتج لسببين، الأول يتعلق بمرحلة "ما بعد الاستعمار"، وأعني هنا الدولة الموروثة من الاستعمار والمستمرة في الحكم حتى الآن. هذه الدولة ولدت في الشمال، بحكم تركيز الاستعمار على هذه المناطق من حيث التعليم والتنمية وصنع القيادات "سياسية، عسكرية، حزبية.. الخ"، في حين ركز الاستعمار ذاته، على تفريخ أنظمة أهلية – قبلية مغلقة في بقية مناطق السودان – دارفور نموذجًا. هذه الدولة الموروثة من الاستعمار، وبشكلها الأحادي الإقصائي، وصلت إلى نهايتها في عهد نظام الإنقاذ "1989 -2019"، الذي - مثل في رأيي – ذروة الصعود والتفكك لأنظمة الحكم الفاشلة في السودان، وفقًا لمعايير التنمية، والاقتصاد. لكن، هذه "المنظومة الاستعمارية" الحاكمة، وخلال مسيرتها الطويلة من الاستعمار وإلى لحظة التفكك، تمكنت من ضم أطياف متنافرة تقع مبعثرة في أطراف وهوامش مركزها المسيطر، وبلا أدنى شك" "قوات الدعم السريع" أسطع تمثل لهذه الحالة.

من المفارقات التي تستوجب التوقف، أن النظر إلى الشمالية كـ "معادل للمركز" يضع المرء أمام مشهد غرائبي بكل معنى الكلمة. فإذا اتفقنا على أن سودانيي الشمالية، استولوا على السودان وموارده منذ الاستقلال، سنجد أنفسنا أمام مقارنة مجحفة أمام حال الشمالية نفسها.

تحذير حميدتي في خطابه الأخير، لسكان الولاية الشمالية، بالتزام مساكنهم وهجر متاجرهم – تفهم هجر الحياة – يعني أن الحرب مستمرة، ولا أمل قريب في إيقافها. ورغمًا عن صعوبة تنفيذ هذا التهديد في الوقت الراهن، بسبب الأوضاع الميدانية المعقدة لقوات الدعم السريع، في إقليم كردفان، وإجبارها على الخروج من العاصمة الخرطوم ووسط السودان، إلا أن التهديد يمثل خطرًا كبيرًا على الولاية وسكانها، فالحرب في أشهرها الأخيرة تحولت إلى "حرب مسيرات"، تنتقل في خفاء وخفة وتضرب في كل اتجاه ومكان، وتحدث ما تحدث من خراب.

انتهى السودان بشكله القديم – يشمل حميدتي وقواته - مع سقوط نظام البشير، وما كان لثورة ديسمبر أن تحققه في اتجاه "الحرية والسلام والعدالة"، جاءت الحرب لتأخره فقط، وليس لتوقفه إلى الأبد.

الحل الأمثل والأوفق للسودانيين الآن يكمن في إيقاف الحرب، وانفتاح دارفور على الشمالية وبقية أنحاء السودان، في سبيل السلم والأمن والصلح المجتمعي الكبير.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"

الكلمات المفتاحية

فعالية لتحالف صمود

هل تحالف "صمود" قابل للإصلاح؟

بما أن تحالف "صمود" يرغب في سماع الآراء المخالفة، يجب عليه الوضع في الاعتبار أن الإصلاح، بالنسبة للقوى المدنية المنخرطة في البحث عن الحكم المدني والديمقراطية، يمكن أن يحدث إذا تحملت "عملية جراحية قاسية"، وقررت العودة إلى نقطة الصفر عند حدود ثورة ديسمبر، ومراجعة التحالفات التي ارتُكبت فيها أخطاء فادحة


image

الإسلاميون في السودان.. من الشعارات إلى واقع الانهيار

لم ينتظر الإسلاميون كثيرًا عقب سقوط نظامهم، فانخرطوا في معارضة السلطة الانتقالية التي ورثت كثيرًا من التحديات على عدة أصعدة؛ أبرزها تعدد الجيوش، والانهيار الاقتصادي، والديون الهائلة التي ظلت تتراكم، وملف العدالة


آثار دمار في الخرطوم.jpg

السودان.. هل يذهب نحو السيناريو الليبي؟

يعتقد كثيرٌ من السودانيين أن مآلات هذه الحرب ستشبه كثيرًا السيناريو الليبي، وأننا موعودون بنظامين يقسِّمان السودان شرقًا وغربًا؛ تكون فيه القوات المسلحة تحكم الجزء الشرقي، الذي يضم "الإقليم الشرقي والعاصمة الخرطوم ووسط السودان وبعضًا من إقليم كردفان"، بينما تتحكم مليشيا الدعم السريع في غرب السودان (ولايات دارفور وبعض من إقليم كردفان)، ويحدث وقف دائم لإطلاق النار، وتستمر الحياة هكذا.


عمر البشير

30 يونيو.. ذكرى انقلاب أطاح بالسودان إلى قاع أزماته

هذا الانقلاب لم يكن مجرد حدث سياسي عابر، بل كان بداية لعقود من الانحدار الشامل الذي طال جميع مناحي الحياة في السودان. فطوال ثلاثين عامًا، تربع هذا النظام على كرسي الحكم، وأحال البلاد إلى أنقاض دولة.

الطقس 2.jpg
أخبار

13 إصابة بينها حالتا وفاة بضربات الشمس بولاية البحر الأحمر

كشفت اللجنة الفنية للطوارئ الصحية بوزارة الصحة ولاية البحر الأحمر، عن تسجيل 13 حالة إصابة بضربات الشمس، بينها حالتا وفاة بولاية البحر الأحمر.

سيول في السودان
أخبار

سيول مفاجئة تتسبب بنزوح عشرات الأسر في شمال دارفور

أعلنت مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة أن السيول الناجمة عن أمطار غزيرة اجتاحت بلدة دار السلام في ولاية شمال دارفور خلال يومي 14 و15 تموز/يوليو الجاري


الدولار-الامريكي-1280x720.jpg
اقتصاد

زيادة جديدة في الدولار الجمركي تحدث سخطًا في أوساط المستوردين بالسودان

قال متعاملون في التخليص الجمركي، إن الحكومة نفذت زيادة جديدة في التعرفة الجمركية الخاصة بعمليات الاستيراد، برفع القيمة من ألفي جنيه إلى 2400 جنيه اليوم الأربعاء.

جانب-من-لقاء-الهلال-والمريخ-أرشيفية.jpg
أخبار

الهلال والمريخ يعتذران عن خوض نهائي كأس السودان

أعلن ناديا الهلال والمريخ في بيان مشترك، أمس الثلاثاء، اعتذارهما عن خوض مباراة نهائي كأس السودان، المقررة في 26 تموز/ يوليو الجاري على ملعب بورتسودان، مبررين ذلك بجملة من التحديات التي رافقت مشاركتهما في البطولات خلال فترة الحرب.

الأكثر قراءة

1
أخبار

احتواء أزمة بين الجيش والقوة المشتركة في سوق صابرين بأم درمان


2
أخبار

النيابة بالشمالية تكشف تفاصيل الهجوم المسلح على قسم شرطة في دنقلا العجوز


3
أخبار

مجلس السيادة يُشكل لجنة عليا لتهيئة الخرطوم وعودة المواطنين


4
أخبار

الحكومة تحدد مواعيد استبدال العملة في ولاية الجزيرة


5
أخبار

الجيش والمشتركة يتمكنان من التصدي لهجوم على الفاشر