05-فبراير-2023
مواجهات بين الشرطة ومحتجين في الخرطوم

تواجه السلطات الاحتجاجات بقمع مفرط أسفر عن العشرات من الضحايا منذ الانقلاب (Getty)

يبدو للمتابع للساحة السياسية في السودان، كما لو أن شهر شباط/فبراير الجاري كان يتخفى خلف شهر كانون الثاني/يناير الماضي حافلًا بالمزيد من الأحداث الساخنة، والتي ابتدرها قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بلقاء وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في قصر الرئاسة في قلب الخرطوم الخميس الماضي.

الأحداث لم تتوقف عند حدود طائرة كوهين التي غادرت مساء نفس اليوم، بل صعد البرهان من لهجته معلنًا رغبة العسكريين في توسيع النقاشات حول الاتفاق الإطاري لتشمل مجموعات أخرى، وذلك في مناسبة اجتماعية شمال العاصمة الخرطوم السبت الماضي.

هذا الشهر حاسم للوصول إلى حكومة مدنية في السودان بالنسبة للأوروبيين وواشنطن

تصاعدت وتيرة الأحداث مع اقتراب الاتفاق الإطاري من الانتقال إلى الاتفاق النهائي كما كان متوقعًا نهاية هذا الشهر، فدخلت القاهرة وبروكسل وواشنطن على الخط.

وفي تطور مفاجئ أعلنت وكالة السودان للأنباء أمس السبت أيضًا، وصول مبعوثين من الاتحاد الأوروبي الأربعاء المقبل، للقاء مسؤولين سودانيين ومنظمات المجتمع المدني، في خطوة يهدف الأوروبيون من ورائها إلى تعزيز الانتقال المدني في هذا البلد الذي يواجه اضطرابات منذ سنوات، وتسارعت وتيرتها منذ استيلاء الجيش على السلطة في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

وفي القاهرة عقدت قوى الحرية والتغيير - الكتلة الديمقراطية، مائدة حوار سوداني ضمن مبادرة القاهرة التي ترفضها أطراف الإطاري، ووضعت مسارات للانخراط في العملية السياسية المفضية إلى تشكيل حكومة مدنية دون الإجابة على سؤال الاتفاق الإطاري، الموقع بين قوى مدنية والمكون العسكري في الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2022 بالقصر الجمهوري.

في الأعراف السائدة وسط المبعوثين الدوليين يعتبر الحوار وسياسة الجزرة مع العسكريين في السودان من أنجع الوسائل لضمان الاستقرار حتى لو كان على حساب الديمقراطية وتكميم الأفواه، ومبرراتهم تتمثل في منع تفكك هذا البلد، لذلك تعد مهمة مبعوثي بروكسل أكثر مرونة تجاه العسكريين إذا ما مضوا نحو تتويج الإطاري بحكومة مدنية.

https://t.me/ultrasudan

لم يقف العسكريون بمعزل عن التحركات الدولية، فالأجندة الدولية تتقاطع مع أجندة أخرى في صالح الجنرالات، حيث غربًا اشتعلت المعارك في دولة أفريقيا الوسطى بانغي، وسط تصريحات عن انخراط أطراف سودانية.

من يملك "كرت الأمن" هو الحاكم الفعلي كما جرت الوقائع خلال الفترة التي تقلد فيها المدنيون السلطة بين عامي 2019-2021، وهي مناورة لجأ إليها العسكريون لوضع المزيد من الكروت على ميزان القوى، وهي كروت يسيل لها لعاب المجتمع الدولي الذي يراقب الوضع في أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي.

ومن يدير "مراكز المعلومات" في أعلى هرم الدولة هو من يستبق الآخرين أيضًا، لذلك من المهم الوضع في الاعتبار أن النظام العسكري الذي يدير السودان حاليًا يملك مساحة المناورة في ملفات خارجية أكثر من الملفات الداخلية.

في ظل هذه المعطيات الماثلة أمام الرأي العام السوداني فإن دعم المجتمع الدولي للديمقراطية المتعثرة في السودان قد لا يكون مكتملًا، فالمصالح تطغى ولا يطغى عليها شيء.

بالنسبة لزيارة كوهين، أرسل البرهان رسالته في بريد واشنطن للمرة الثالثة خلال ثلاثة أعوام

بالنسبة لزيارة كوهين، أرسل البرهان رسالته في بريد واشنطن للمرة الثالثة خلال ثلاثة أعوام، أنه الوحيد الذي بإمكانه إحداث الفرق لأنه في مركز صناعة القرار، ورغم الحملات الشعبية وسط القوى المدنية ضد هذه الزيارة، إلا أن تل أبيب قد لا ترغب في الذهاب مع الخرطوم أكثر من الانتقال من خانة العداء إلى خانة الحياد على الأقل في الوقت الراهن، وأن يكون التعاون مقتصرًا على الأمن والواجبات الدفاعية العسكرية فقط، والفلسفة الإسرائيلية في ذلك أنها لن تعثر على أيادٍ تصافحها من بين المدنيين في الخرطوم على الأقل في الوقت الراهن.

ورغم انضمام السودان منذ عامين إلى اتفاقية أبراهام للتعاون مع الدولة العبرية التي تثير المخاوف من عرقلة الانتقال المدني في البلاد، إلا أن الخرطوم وقعت على اتفاقية إبراهام بالفعل في التاسع من كانون الثاني/يناير 2021 بمقر سفارة الولايات المتحدة بالخرطوم، حيث مثل السودان في مراسم التوقيع نصر الدين عبد الباري وزير العدل آنذاك في حكومة عبد الله حمدوك، ومثل واشنطن وزير الخزانة ستيفن منوتشين، ما يجعل زيارة كوهين في مطلع هذا الشهر تقوم مقام التذكير بذلك الاتفاق، تحسبًا للقادمين الجدد عبر الاتفاق السياسي المرتقب.