السودان.. ما الذي ينتظر كامل إدريس في رئاسة الوزراء؟

من العاصمة الإدارية، مدينة بورتسودان، أُعلن أخيرًا عن تعيين الدكتور كامل الطيب إدريس رئيسًا للوزراء في السودان، وهي خطوة تردد عبد الفتاح البرهان في اتخاذها منذ انقلابه على حكومة الدكتور عبد الله حمدوك في تشرين الأول/أكتوبر من العام 2021.فرغم إحساسه بأنه صاحب شرعية وحق دستوري في اتخاذ القرار، استنادًا إلى الوثيقة الدستورية المعدلة في 2025، إلا أن عبد الفتاح البرهان واصل تردده حتى بعد تعديل الوثيقة واندلاع الحرب في أبريل بينه وبين محمد حمدان دقلو، قائد مليشيا قوات الدعم السريع وشريكه في الانقلاب، مع أن البرهان كان كثير التلويح برغبته في تعيين شخصية مدنية مناسبة لهذا المنصب.

يُعد قرار تعيين كامل إدريس تحوّلًا في رؤية قائد الجيش لمستقبل السياسة القريب في السودان

والآن، يُعد قرار تعيين كامل إدريس تحوّلًا في رؤية قائد الجيش لمستقبل السياسة القريب في السودان، وهو تحوّل لا يمكن التنبؤ بمآلاته نظرًا لاستمرار الحرب، وحالة الاستقطاب، وغموض الصلاحيات الممنوحة لرئيس مجلس الوزراء الجديد.

وطيلة السنوات الماضية، ظلت مهمة رئاسة الوزراء تُدار بالتكليف، أو وُزعت بعض مهامها على أعضاء مجلس السيادة الانتقالي الحالي؛ فكانوا هم المشرفين المباشرين على أداء الوزارات ووضع سياساتها.

وفي هذا الصدد، أُوكلت مهمة رئاسة الوزراء، قبل أقل من شهر، على سبيل التكليف، إلى السفير دفع الله الحاج يوسف، المعروف بخدمته الدبلوماسية الطويلة في حكومة عمر البشير ونظام الإخوان المسلمين. لكن لا يبدو أن الحاج يوسف قبل المهمة، واعتذر عنها بطريقة لم تصل إلى وسائل الإعلام، إذ صمت ولم يتحدث إلى الرأي العام بخصوصها.

الآن، تُوفر سيرة كامل إدريس، المرشح المستقل لمنصب رئاسة الجمهورية عام 2010، والرئيس المستقيل عن منظمة الملكية الفكرية، هذا الشرط للراغبين في ذم القوى السياسية وإبعادها عن مهامها، وبالقدر نفسه للراغبين في حرمان جماعة الإخوان المسلمين من العودة إلى السلطة، حتى ولو بشكل سري متحالف. وتُعد صفة كامل إدريس المتعلقة بعمله الأممي السابق ميزة خاصة، يُروج لها أنصاره المتحمسون منذ سنوات لتوليه هذا المنصب.

وبغض النظر عن النقاش المحتدم حول دستورية قرار التعيين، إلا أن كامل إدريس حصل على تهنئة سريعة من الاتحاد الأفريقي، الذي اعتبر تعيينه "خطوة نحو حوكمة شاملة"، وتأمل المؤسسة الإقليمية الأفريقية "أن تُسهم خطوة تعيين كامل بشكل فعال في استعادة النظام الديمقراطي في السودان".

قبل بروز اسم كامل إدريس، تواتر التبشير بسلطة التكنوقراط منذ الإطاحة بنظام عمر البشير، وكذلك الحال بعد انقلاب 2021. وجدير بالملاحظة أن غالبية المروجين لهذه النزعة هم جماعة الإخوان المسلمين، الذين سقط نظامهم بثورة سلمية وجدت المساندة والقيادة من قبل معارضة عمر البشير القديمة.

يُعد كامل إدريس هو المحصلة الأخيرة لنزعة جلب التكنوقراط إلى الحكم، المنتشرة منذ سنوات، وهي نزعة سياسية متكررة، كان الغرض منها إبعاد السياسيين المحترفين عن الحكم

وفي هذا الوضع، يُعد كامل إدريس هو المحصلة الأخيرة لنزعة جلب التكنوقراط إلى الحكم، المنتشرة منذ سنوات، وهي نزعة سياسية متكررة، كان الغرض منها إبعاد السياسيين المحترفين عن الحكم، جريًا وراء مزاعم الاستقلالية السياسية والحياد في بيئة متصارعة ومستقطبة سياسيًا.

لا يُعد تعيين كامل إدريس رئيسًا للوزراء أول ظهور له في السياسة السودانية، فقد قاد وساطة تاريخية عام 1997 بين الصادق المهدي، آخر رئيس وزراء منتخب، وحسن الترابي الذي دبر عملية الانقلاب عليه عام 1989، لإعادة المهدي إلى رئاسة الوزراء، لكن المساعي لم تُكلل بالنجاح. وكذلك، عقب استقالته من المنظمة الأممية، عاد كامل إدريس إلى السودان وانخرط في نشاط سياسي محموم، قاده إلى الترشح مستقلًا لرئاسة الجمهورية في الانتخابات التي جرت عام 2010، وبالطبع لم يفز فيها، وأصبح شخصية سياسية معارضة تنادي بإسقاط نظام عمر البشير، وطاله الاعتقال عام 2012 من قبل جهاز الأمن. وأيضًا، التُقطت له صور من مدينة الدامر، وهو جالس في الاعتصام الذي نظمه أبناء المناصير المحتجون على بناء سد مروي بولاية نهر النيل.

ومنذ إعلان خبر تعيينه، تمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي بالفيديوهات والاقتباسات القديمة التي عبّر فيها كامل إدريس عن دعمه لثورة 2018، وانحيازه لتحالف قوى الحرية والتغيير الذي مثّل الثورة، والاقتباسات الأخرى التي تُعلن دعمه للقوات المسلحة في الحرب التي تخوضها ضد مليشيا قوات الدعم السريع. وتترافق مع كل ذلك ملابسات استقالته من منظمة الملكية الفكرية عقب اتهامات بالتزوير في تاريخ ميلاده.

وفي كل الأحوال، جاء كامل إدريس ليُذكّر بالدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء المنقلب عليه، المنحدر هو الآخر من العمل في منظمات الأمم المتحدة، باعتبار أن للموظف الأممي قدرة على إقناع الحكومات الغربية ويتحدث لغتها. وفي هذا الصدد، فإن حمدوك وكامل يُذكّران معًا بنوع من السياسيين التنفيذيين المنحدرين من خلفيات تكنوقراطية، المنتشرين بشكلٍ ما في الواقع السياسي العربي.

تنتظر كامل إدريس تحديات جسيمة، أبرزها إدارة شأن تنفيذي في ظل حرب شاملة بين الجيش ومليشيا قوات الدعم السريع

تنتظر كامل إدريس تحديات جسيمة، أبرزها إدارة شأن تنفيذي في ظل حرب شاملة بين الجيش ومليشيا قوات الدعم السريع، تمنع حتى تواجده في العاصمة الخرطوم، وأيضًا مواجهة أزمات اقتصادية وإنسانية وعلاقات خارجية مرتبكة، وبصلاحيات ليست واضحة بدقة.

وفي الواقع، فإن السودان إزاء نسخة أقل حظًا من شبيهه الموظف الأممي عبد الله حمدوك، ومحاطة بالإشكالات التي تجعل من نجاحه مجرد رغبات يُسهل التنظير لها، أكثر مما هي مضمونة عمليًا.

• المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"