السودان.. لا يوجد ما يمنع التقهقر إلى مملكة سنارية تليدة؟
22 أبريل 2025
حين أطل العام 2023م كان السودان قد ابتعد 200 سنة عن دولة سنار الوطنية، وهي المئتا سنة التي بدأت باحتلال بشع قام به محمد علي باشا في حزيران/يونيو 1821 لصالح الأمبراطورية العثمانية التوسعية. وبطريقة أو بأخرى صارع السودان وحاور هذه التركة وغيرها من المؤثرات لمدة قرنين كاملين حتى وصل إلى حرب مندلعة منذ نيسان/أبريل 2023 بين الجيش ومليشيا قوات الدعم السريع.
وحتى الآن تتضاءل الحلول السياسية المطروحة في الإتيان بحد لهذه الأزمة المتشعبة. وتتطابق مع هذا التضاؤل نزعات نشطة لتقسيم هذا البلد مترامي الأطراف. فهل من الممكن أن يعود السودان عبر هذه الحرب إلى نقطة دولة سنار نفسها التي انهارت قبل قرنين؟ لكن، وقبل ذلك، ما الوضع السياسي والإداري الذي كانت عليه دولة سنار أوانئذ؟
كانت الشعوب السودانية قبل غزو محمد علي باشا عبارة عن دويلات قبلية صغيرة
كانت الشعوب السودانية قبل غزو محمد علي باشا عبارة عن دويلات قبلية صغيرة، عمادها القبيلة التي يصل فيها الفرد إلى الزعامة السياسية والعشائرية بالقليل من الوراثة والكثير من قدراته على قيادة الناس، وهذه الدويلات (المشايخ) الصغيرة هي التي كونت مجتمعة الدولة السنارية المستمرة لمدة 315 سنة.
وعلى سبيل المثال، كانت هناك مشيخة خشم البحر، ومملكة فازوغلي، ومملكة البلو "بني عامر"، مملكة الحلنقة، ومشيخة الشنابلة، ومملكة الجموعية، ومملكة الجعليين، ومملكة الميرفاب، ومملكة الرباطاب، ومملكة الشايقية، ومملكة الدفار، ومملكة الخندق، ومملكة أرقو، وغير ذلك من الممالك والمشايخ الصغيرة والكبيرة التي كانت تتمتع بنوع من الاستقلالية لكن تربطها بالدولة المركزية رسوم الجزية التي تدفع إلى الملك في سنار.
الرقعة السياسية التي يسيطر عليها قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، هي نفسها حدود الدولة السنارية حتى آخر سنواتها
في الواقع فإن الرقعة السياسية التي يسيطر عليها قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، هي نفسها حدود الدولة السنارية حتى آخر سنواتها. بل إن البرهان بات أخيرًا يستخدم الأدوات السياسية السنارية نفسها مثل الاتكاء على مليشيات غير مركزية وعقد التحالفات السياسية معها، ما يشير إلى انحلال أعمدة السلطة القومية الحديثة.
وحتى الآن تتقاصر المؤثرات والقوى الحية التي تمنع الارتداد إلى الدولة السنارية، سواء على المستوى الإقليمي أو المستوى المحلي، إذ تآكلت، على سبيل المثال، سلطة النخبة السياسية مع مجريات الحرب، ولم تقدم الأحزاب المتحالفة ضد الحرب إلا أداء متواضعا مع الكثير من الأمنيات الصادقة. وإزاء هذا الوضع تكيفت الشعوب سريعًا مع الواقع الجديد وأصبحت فاعلًا أصيلًا يعبر عن نفسه دون الحاجة إلى إنابة.
وبالمقابل فإن القوى الإقليمية المؤثرة على السودان باتت غير قادرة على منع البلاد من الانزلاق إلى 200 سنة إلى الوراء، إذ هي نفسها محاطة بمشكلات داخلية معيقة لا تمكنها من فعل شيء إيجابي.
إذا كانت المائتا سنة الماضية بدأت باستعمار خارجي فإن السنوات الجديدة بدأت بثورة شعبية ثم انزلقت إلى حرب واسعة النطاق
إذا كانت المائتا سنة الماضية بدأت باستعمار خارجي فإن السنوات الجديدة بدأت بثورة شعبية ثم انزلقت إلى حرب واسعة النطاق شارك فيها البعض من منطلق جهوي ومناطقي، وأفرخت عدة مليشيات مناطقية موزعة على فرقي الحرب، أولاها تقاتل إلى جانب الجيش القومي، لكن لا يبدو أن هناك ضمانات كافية تنتهي بها نهاية سعيدة يغتبط بها دعاة الدولة القومية الحديثة، فيما تتحالف المليشيات الأخرى مع مليشيا قوات الدعم السريع المنسحبة إلى إقليم دارفور.
وفي الواقع تحارب إلى جانب الجيش أكثر من 12 ميليشيا قبلية مسلحة، بعضها حديث التكوين، والأخرى أقدم قليلًا. وعلى سبيل المثال، توجد في شرق السودان عدة مليشيات هي: مؤتمر البجا المسلح الذي يقوده موسى محمد أحمد، وقوات مؤتمر البجا الكفاح المسلح بقيادة شيبة ضرار، وقوات مؤتمر البجا، القيادة الجماعية، بقيادة أبو آمنة، والحركة الوطنية للعدالة والتنمية، بقيادة محمد طاهر بيتاي، وقوات الأورطة الشرقية بقيادة الأمين داؤود، وقوات تحرير السودان بقيادة إبراهيم دنيا، وحركة الأسود الحرة بقيادة مبروك مبارك سليم، إضافة إلى قوات أبوعاقلة كيكل المتواجد في الشرق الأدنى للبلاد.
وإلى جانب ذلك ثمة أربع ميليشيات دارفورية هي الأخرى حليفة للجيش: قوات حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وقوات حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وقوات حركة تحرير السودان بقيادة مصطفى طمبور، وقوات تحرير السودان بقيادة صلاح تور.
فضلًا عن كل ذلك فهناك مليشيا قوات الدعم السريع وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو التي تحالفت مؤخرًا سياسيًا وعسكريًا.
اليوم يمكن القول بإطمئنان إن السكة الحديد خرجت من الخدمة، ولم تعد توفر الاتصال المطلوب لتمتين شكل الدولة الحديثة
في وقت سابق من الحقبة الحديثة، كان السودان يتمتع بأكبر شبكة للسكك الحديد في إفريقيا، وتمتد قضبانها لأكثر من 5 آلاف كيلومتر، تبدأ من الحدود المصرية وصولًا إلى دارفور في غرب البلاد وشرقًا إلى بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، وكذلك إلى مدينة (واو) الواقعة الآن في دولة جنوب السودان. وساهمت هذه الخطوط الطويلة في ربط السودان إلى بعضه و"قربت المسافات.. وأكثر" كما وصفها أحد الأدباء في عمل مسرحي مشهور. لكن اليوم يمكن القول بإطمئنان إن السكة الحديد خرجت من الخدمة، ولم تعد توفر الاتصال المطلوب لتمتين شكل الدولة الحديثة.
وبطريقة أخرى، لا يوجد في السودان طريق فعال مثل (طريق 66) الأسطوري الذي ينسب إليه الفضل في بناء الولايات المتحدة الأميركية بما فيها من اقتصاد وعلاقات سياسية، ففي السودان بنية طرق برية متواضعة (6200) كلم على وجه التقريب، ويسهل إغلاقها، وليس من المواتي إصلاحها إذا تم تآكلت وتدمرت.. وحينها لا تبقى إلا عزلة سنارية معاشة في التاريخ البعيد.
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"
الكلمات المفتاحية

بابنوسة: الحرب داخل الحرب
استوقفني خلال اليومين الماضيين عدد كبير من مقاطع الفيديو القصيرة المتداولة، عن المواجهات المسلحة العنيفة الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان.

هاجر.. موسيقية سودانية تدعو لإيقاف الحرب كل يوم منذ عامين
منذ أكثر من عامين، لا تتعب الدكتورة هاجر أبشر عميدة كلية الدراسات الموسيقية والمسرحية بجامعة شرق كردفان، من كتابة منشور واحد على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي الشهير "فيسبوك"، تكرره كل صباح، لمئات الأيام، المنشور يحتوي جملة من كلمتين فقط : "أوقفوا الحرب".

يا جمال النيل والخرطوم بالليل... مشاهد شخصية للعاصمة السودانية
حين أفكِّر بالخرطوم الآن؛ أبصرها بعين خيالي وأنا في البعيد، الخرطوم كما أحببتها ودسستها في قلبي، تبقى هي هي، موئلًا للمصادفات الجميلة، كما عبَّر عاطف خيري عن مدينةٍ أخرى لا تقل بأسًا عن الخرطوم.

السودان: الحل بالداخل.. لا بالهندسة الخارجية
ها نحن الآن، ومع أول تحرك لإدارة الرئيس ترامب بعد 5 أشهر من توليها السلطة، تعود الولايات المتحدة الأمريكية -بمشاركة السعودية والإمارات ومصر مع استبعاد بريطانيا هذه المرة- لإحياء ما يُعرف بـ"المجموعة الرباعية" في مسعى جديد لتحريك المياه الراكدة ووقف الحرب في السودان

شبكة أطباء السودان: مقتل طبيبة في قصف على مستشفى المجلد بغرب كردفان
قُتلت طبيبة سودانية تُدعى مودة رحمة الله، جراء قصف نفذته القوات المسلحة السودانية على مستشفى المجلد بولاية غرب كردفان، استهدف قوات تابعة للدعم السريع كانت متمركزة داخل المستشفى، بحسب ما أعلنت شبكة أطباء السودان.

الخارجية السودانية: نعتزم تقييم العلاقات مع الدول التي لا تدعم الشرعية
جددت وزارة الخارجية السودانية الاتهامات للتحالف المدني لقوى الثورة "صمود" بالعمل ضمن الذراع السياسي لقوات الدعم السريع

الجيش يدمر مركبات قتالية قُرب بابنوسة والدعم السريع يتوعد بـ"بركان الغضب"
قال مرصد "كردفان" الأحد 22 حزيران/يونيو 2025 إن مسيرات تابعة للجيش دمرت 13 عربة قتالية ومدفع 120 لقوات الدعم السريع حول مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان ضمن عمليات عسكرية جارية في المنطقة حاليًا.

حرب التسريبات.. حاكم إقليم دارفور يهدد باللجوء إلى الإعلام
نشر حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي ورئيس حركة تحرير السودان المسلحة المتحالفة مع الجيش في الحرب ضد قوات الدعم السريع، تغريدة على منصة (إكس) الأحد 22 حزيران/يونيو 2025 قائلًا، إن من يسربون محاضر الاجتماعات ويزورون الحقائق يفعلون ذلك لاغتيال الشخصيات.