صدرت بالأمس عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، نتائج المؤشر العربي للعام 2022 في دورته الثامنة، والذي يعد المسح الأوسع في المنطقة، وأضخم استطلاع للرأي العام في العالم العربي. وأعلنت النتائج في مقر المركز بالدوحة أمس الثلاثاء 3 كانون الثاني/يناير 2023. وشمل المسح في النسخة الحالية (14) دولة عربية من ضمنها السودان، وغطى عينة تجاوزت (33,300) ألف مستجيبة ومستجيب، مثلت (91)% من سكان العالم العربي، واستغرق العمل عليه (72,362) ساعة، وعمل فيه أكثر من (900) من الباحثين والباحثات، قطعوا (900) ألف كلم للوصول إلى المستطلعات والمستطلعين. واستطلع المسح (2400) شخصًا في السودان في الفترة من 15 حزيران/يونيو 2022، وحتى 25 آب/أغسطس 2022.
يرصد المؤشر العربي وهو المسح الأكبر في المنطقة، تقييم المواطنين للقضايا الأساسية في حياتهم الخاصة وفي مجتمعاتهم والدول التي يقيمون فيها
ويعد المؤشر العربي استطلاع الرأي الأوسع من حيث المتغيرات وحجم البيانات وعدد الدول وحجم العينة في المنطقة العربية، حيث يرصد تقييم المواطنين للقضايا الأساسية في حياتهم الخاصة وفي مجتمعاتهم والدول التي يقيمون فيها، وشمل ذلك أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية الخاصة والعامة، ومستوى الأمان في مناطق سكنهم وبلدانهم على العموم، إضافة إلى تقييمهم للوضع الاقتصادي والأمني والسياسي الشخصي والعام في البلد، ومدى ثقتهم في مؤسسات الدولة والحكومات في دولهم، ونظرتهم للديمقراطية وما يفضلونه بخصوصها، وغيرها من المسائل التي تشغل الرأي العام العربي.
السودان غير آمن بالنسبة للسودانيين
وقيّم أكثر من نصف المستجيبين في السودان مستوى الأمان في مناطق سكنهم بأنه سيء، حيث رأي (26)% من السودانيين المستطلعين مستوى الأمان في مناطق سكنهم بأنه "سيء جدًا" فيما قال (31)% من العينة إن مستوى الأمان في مناطق سكنهم "سيء". وكذلك رأى الغالبية العظمى من السودانيين (84)% أن مستوى الأمان في بلادهم عمومًا سلبي. ويظهر تأثير الانقلاب وأحداث العام المنصرم على هذا المتغير، حيث انخفض تقييم السودانيين لمستوى الأمان في مناطق سكنهم (30) نقطة عن العام الماضي.
وكان أحد المؤشرات الأبرز في المسح هو تقييم السودانيين لسير الأمور في بلدانهم، حيث رأى الغالبية العظمى من السودانيين (83)%، إن الأمور تسير في الاتجاه الخاطئ في بلدهم، وكانت أهم أسبابهم لهذا التقييم السلبي هو الأوضاع الاقتصادية والسياسية السيئة التي تمر بها البلاد.
ظلال الانهيار الاقتصادي في السودان
وفي تقييم المستجيبين لأوضاع أسرهم الاقتصادية، كان تقييم معظم السودانيين المستطلعين لهذا المتغير سلبيًا، حيث قال (27)% إن أوضاع أسرهم الاقتصادية سيئة جدًا، فيما قيّم (31)% هذه الأوضاع بأنها "سيئة". وقال (40)% إن أسرهم في حالة عوز في تغطية الاحتياجات الأساسية. وأيضًا قيّم الغالبية العظمى من السودانيين الأوضاع الاقتصادية في بلادهم (87)% بشكل سلبي.
وتمثلت أهم المشاكل التي تواجه السودانيين في بلادهم في ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، وسوء الأوضاع الاقتصادية والبطالة، ورأى (74)% من السودانيين المستطلعين أن حكومتهم غير جادة في حل هذه المشاكل. وتدفع هذه الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد، (49)% من السودانيين للتفكير في الهجرة من بلادهم.
أزمة ثقة ممتدة
ولا يثق معظم السودانيون بمؤسسات الدولة ولا بالأحزاب السياسية ولا بمؤسسات الإعلام المحلية ولا حتى الشركات الخاصة، فيما استجاب (54)% بثقتهم في الجيش.
واستجاب (49)% من المستطلعين في السودان بعدم ثقتهم في الشرطة ومثلهم أيضًا لا يثقون في جهاز الأمن، فيما أعلن (52)% من المستطلعين ثقتهم في القضاء، بينما استجاب (62)% من السودانيين بعدم ثقتهم في الحكومة، و(66)% لا يثقون في الأحزاب السياسية، و(49)% لا يثقون في شركات القطاع الخاص الكبرى في السودان، وقال (53)% من المستطلعين إنهم لا يثقون في وسائل الإعلام المحلية.
الديمقراطية التي يفضلها السودانيون
أما بالنسبة للموقف من الديمقراطية، فضّل السودانيون نظام حكم ديمقراطي يقوم فيه المواطنون أنفسهم، وليس شخصيات منتخبة، بالتصويت مباشرة على القضايا الوطنية الكبرى لإقرار ما سيصبح قانونًا (49)%، وأيد (36) نظام حكم ديمقراطي يقوم فيه النواب الذين ينتخبهم المواطنون باتخاذ القرارات بشأن سن القوانين والتشريعات، ما يظهر قبولًا عامًا للديمقراطية في البلاد.
ومن الواضح أن العام 2022 الحافل بالأحداث عقب الانقلاب العسكري أواخر العام 2021، كان له تأثير كبير على الوضع في السودان، ويظهر ذلك بقوة في مستويات الأمان الشخصي والعام المنخفضة التي عبر عنها المستطلعون، وكذلك في الأوضاع الاقتصادية القاسية التي يعاني منها الغالبية العظمى من أبناء هذا البلد، والذي يواصل شبابه الاحتجاج في الشوارع منذ أعوام مطالبين بالحكم المدني والديمقراطية والعدالة للشهداء والمصابين، في وقت تستمر فيه آلة القمع الممولة من الميزانية العاجزة في حصد أرواحهم، بينما يواصل الجنيه انهياراته الكبيرة وكذلك التضخم الذي ابتلع الثروات، ما دفع المستطلعين السودانيين للإجابة بنعم في سؤال الهجرة بحثًا عن واقع أفضل.