30-ديسمبر-2024
طبيب متطوع ومريض

قطاع الصحة في السودان

ألقت الحرب المستمرة في السودان منذ نيسان/أبريل من العام الماضي بظلالها على القطاع الصحي في البلاد خلال عام 2024، بجانب الكوارث الصحية التي تسببت في وبائيات قاتلة حصدت أرواح آلاف المواطنين.

تعرضت العديد من المستشفيات والصيدليات في الولايات المتضررة من الحرب إلى عمليات سلب ونهب خلال العام الجاري

استقبلت البلاد هذا العام أمطارًا فوق المتوسطة في فصل الخريف، مما أدى إلى انهيار آلاف المنازل، فيما ساهمت هذه الأمطار في انتشار العديد من الوبائيات التي تضمنت الكوليرا وحمى الضنك والملاريا.


وجدير بالذكر أن وزارة الصحة أعلنت خلال آب/أغسطس المنصرم بشكل رسمي عن تفشي وباء الكوليرا في البلاد، حيث تم الإبلاغ عن 8,457 حالة، من بينها 299 حالة وفاة في ثماني ولايات في الفترة من 22 تموز/يوليو إلى 15 أيلول/سبتمبر من العام الجاري. وأرجعت منظمة اليونيسيف في تقرير لها الأزمات الصحية التي يعاني منها السودان إلى انخفاض معدلات التطعيم، بالإضافة إلى تضرر البنية التحتية للصحة والمياه والصرف الصحي والنظافة نتيجة للصراع الدائر في البلاد بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
تعرضت العديد من المستشفيات والصيدليات في الولايات المتضررة من الحرب إلى عمليات سلب ونهب خلال العام الجاري، فيما عانت أخرى من القصف، ما أدى إلى خروج العديد من المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة جراء هذه الانتهاكات، الأمر الذي ضاعف من معاناة المواطنين، وزاد رقعة النزوح للأشخاص الباحثين عن العلاج في ظل ندرة الأدوية في بعض المناطق جراء عمليات النهب الممنهج الذي تعرضت له الصيدليات.

الكوليرا في السودان

بدأ وباء الكوليرا في السودان في الظهور منذ تموز/يوليو الماضي بالتزامن مع فصل الخريف، وسرعان ما انتشر الوباء بشكل سريع حتى تجاوز عدد الإصابات بالمرض في البلاد خلال أقل من ستة أشهر الـ (46) ألف حالة، فيما تشير الإحصائيات إلى وفاة نحو 1,216 شخصًا بالوباء، وسط تحديات متعلقة بتوفير مراكز العزل والإمدادات الطبية.
نظمت وزارة الصحة بالتعاون مع شركائها عددًا من حملات التطعيم التي تستهدف السيطرة على المرض، خاصة في ولاية كسلا التي شهدت انتشارًا مخيفًا للوباء وسط المواطنين. وكانت الوزارة قد ذكرت في تقرير لها خلال الشهر الجاري أن نسبة التغطية بلقاح الكوليرا بلغت 84% في ولاية كسلا و49% بولاية النيل الأبيض، مشيرة إلى أن انخفاض التغطية في ولاية النيل الأبيض يعود إلى عدم التمكن من تنفيذ الحملة في بعض المناطق بسبب الأوضاع الأمنية.
تعتبر حمى الضنك من الوبائيات التي تنتقل عبر البعوض، بحيث انتشر الوباء في أنحاء واسعة من البلاد بالتزامن مع فصل الخريف، ووصل عدد الإصابات إلى 8,572 إصابة، بينها 16 حالة وفاة، في تسع ولايات من أصل 18 ولاية في السودان.
أما الحصبة فقد كانت أيضًا من الأمراض التي انتشرت خلال العام، حيث تشير الإحصائيات إلى إصابة 777 شخصًا بالمرض، من ضمنهم 10 وفيات، في 39 محلية في 12 ولاية في البلاد. وتشهد ولايات القضارف ونهر النيل وكسلا والبحر الأحمر تسجيل حالات جديدة بمرض الحصبة، وفقًا لتقارير صادرة عن الجهات الصحية.

نهب وتدمير

تعرضت منشآت القطاع الصحي في السودان إلى عمليات نهب وتدمير في المناطق المتضررة من النزاع خلال العام الجاري، لا سيما العاصمة الخرطوم، حيث أفادت شبكة أطباء السودان في تقرير حديث بخروج 73 مستشفى خاصًا عن الخدمة من أصل 80 مستشفى في الفترة من نيسان/أبريل 2023 وحتى تشرين الثاني/نوفمبر من العام الحالي، جراء عمليات النهب والتدمير، بالإضافة إلى تحويل بعض المنشآت الطبية إلى مقرات عسكرية، ما أسفر عن خسائر مالية تقدر بحوالي 121 مليون دولار.
وجدير بالذكر أن الاعتداء على المنشآت الطبية يُعد انتهاكًا صارخًا لقواعد الحرب الدولية التي تحظر الاعتداء على هذه المنشآت، وهو ما أشار إليه تقرير الشبكة، محذرًا من عواقب هذه الممارسات. وقد اتهم التقرير قوات الدعم السريع بالضلوع في تنفيذ عمليات نهب وتدمير المنشآت الطبية بشكل متعمد.


وكانت الشبكة قد كشفت عن نهب مستودعات الإمدادات الطبية في مدينة سنجة، حاضرة ولاية سنار، من قبل قوات الدعم السريع، بحيث تقدر قيمة الإمدادات المنهوبة بـ 2.5 مليون دولار، مشيرة إلى أن قوات حميدتي قامت بتهريبها إلى مناطق سيطرتها.

وصفت منظمة أطباء بلا حدود وضع الخدمات الصحية في مدينة الفاشر بـ"الكارثي"

وفي سياق متصل، تعرضت أكبر خمسة مستشفيات في مدينة الفاشر، غربي البلاد، التي تعتبر إحدى البقاع الساخنة والمتضررة بالحرب، إلى عمليات نهب وتدمير، حيث وصفت منظمة أطباء بلا حدود وضع الخدمات الصحية في المدينة بـ"الكارثي".
وتضرر المستشفى السعودي، الذي تعرض للقصف، ما أسفر عن وفاة طبيبة صيدلانية كانت تعمل بالصيدلية التابعة للمشفى في حزيران/يونيو المنصرم فيما استهدفت قوات الدعم السريع المشفى مرتين خلال كانون الأول/ديسمبر الجاري، ما أسفر عن سقوط ضحايا في صفوف المدنيين. وتضرر أيضًا في مدينة الفاشر مستشفى بابكر نهار، مركز علاج الكلى، مستشفى إقرأ، ومستشفى الفاشر جنوب.

وأفادت منظمة الصحة العالمية أن انعدام الأمن يصعب عملية تقديم الرعاية الصحية. مشيرة إلى أن أكثر من  ثلثي المستشفيات الرئيسية في المناطق الساخنة أصبحت خارج الخدمة، فيما تواجه المستشفيات التي لا تزال في الخدمة خطر الإغلاق جراء  نقص الكوادر الطبية والإمدادات.

وتسببت الحرب المندلعة في البلاد في نزوح ما يزيد عن السبعة ملايين داخليًا، مما أدى إلى الضغط على المرافق الصحية في الولايات التي لم يكن نظامها الصحي مستعدًا لتقديم خدماته لهذه الأعداد، بحيث تمدد النزاع المسلح ليصل إلى (12) ولاية من أصل (18). وقبل اندلاع الحرب كانت الخرطوم بمثابة المدينة التي يقصدها كافة السودانيين من أجل الحصول على العلاج والرعاية الصحية.