لن تتوقف التعرفة الجمركية التي تضعها وزارة المالية والهيئة العامة لشرطة الجمارك في السودان عند حدود الزيادة الأخيرة التي بلغت (2000) جنيه، والتي نُفذت منذ الأول من كانون الثاني/يناير مع بداية العام الجديد، لأن البرنامج يستهدف الوصول إلى مرحلة إلغاء سعر الدولار الجمركي وتركه لآلية السوق، وفق مصادر رسمية وخبراء الاقتصاد.
اقتصادي: عام 2025 سيكون كارثيًا على المواطنين فيما يتعلق بالمعيشة بسبب الضرائب الحكومية
ورغم أن البرنامج الذي تبنته الحكومة القائمة في بورتسودان بدأ منذ ثلاثة أعوام، إلا أن الوضع خلال الحرب اختلف من ناحية القوة الشرائية لدى المواطنين وطاقة الأسواق في تحمل الزيادات، وفق الخبير الاقتصادي محمد إبراهيم، الذي يتوقع تفاقم الوضع المعيشي في السودان خلال العام 2025 ما لم تتوقف الحرب وتُجرى معالجات اقتصادية لصالح المواطنين.
ويرى إبراهيم، في حديثه لـ"الترا سودان"، أن الحكومة لجأت إلى زيادة التعرفة الجمركية لا لتشجيع الإنتاج المحلي، بل لتغطية العجز في الموازنة وتمويل القطاعات العسكرية والأمنية وسداد رواتب العاملين في الدولة. وأضاف أن البلدان عادةً تعجز في تنفيذ الموازنة في الأوضاع الطبيعية، ناهيك عن بلد يخوض حربًا عنيفة قضت على الإنتاج في (13) ولاية سودانية. بالتالي، فإن الإصرار على الاستمرار في القتال دون الإجابة على سؤال الاقتصاد سيمضي بالسودان نحو الفوضى.
من ستة جنيهات، قفز كيلو الأرز إلى (7.5) جنيهات، متأثرًا برفع الدولار الجمركي في سوق صغير بمدينة عطبرة شمال البلاد، اعتبارًا من الأول من كانون الثاني/يناير 2025، ضمن حزمة متدرجة تنفذها وزارة المالية لمعادلة الدولار الجمركي مع سعر الصرف الساري في البنوك التجارية.
وبلغت الزيادة الجديدة للتعرفة الجمركية، التي طبقتها شرطة الجمارك بالمعابر والمطارات، (2000) جنيه من (1700)، اعتبارًا من الأول من كانون الثاني/يناير 2025، وهي الزيادة الثانية خلال أقل من شهر.
أجازت الحكومة القائمة في بورتسودان موازنة غير معلنة وصفها مجلس الوزراء بـ"الطارئة"، دون الكشف عن بنودها المالية وحجم الإيرادات والعجز المتوقع عند تنفيذها اعتبارًا من العام الجديد.
وقال جمال، وهو تاجر تجزئة في سوق مدينة عطبرة، لـ"الترا سودان"، إن السلع التموينية تأثرت برفع الدولار الجمركي، وأحجم تجار الإجمالي عن البيع وهم في انتظار الأسعار الجديدة، مشيرًا إلى أن الأسواق كانت تترقب زيادات جديدة في التعرفة الجمركية لأنها اعتادت عليها مع بداية كل عام جديد.
وأضاف: "ستنعكس الزيادة على أسعار السلع الاستهلاكية بشكل كبير، لأنها تعد الزيادة الثانية خلال أقل من شهر. أغلب التجار في قطاع التجزئة زادوا أسعار السلع حسب تقديراتهم الشخصية، لأن قطاع الإجمالي بلا شك سيضع زيادات هائلة".
وفي العادة، كان السودان يجيز موازنته السنوية، قبيل اندلاع الحرب، في حدود سبعة مليارات دولار، مع عجز يصل إلى ثلاثة مليارات دولار. وخلال الصراع المسلح، وفي ظل فقدان الإيرادات العامة بنسبة الثلثين وخروج القطاعين الصناعي والزراعي عن الإنتاج، فإن الموازنة في الغالب تكون طارئة، أي الصرف على النفقات الضرورية فقط، مع الوضع في الاعتبار صفقات الأسلحة التي تبرمها وزارة الدفاع السودانية لتمويل الحرب.
ويقول المواطن عبد الرحمن (35 عامًا)، الذي يعمل في سيارة أجرة بمدينة عطبرة، إن الأسواق ستتعرض إلى كساد كبير لأن القوة الشرائية تأثرت بالحرب، ولم يعد الناس يملكون طاقة لشراء الاحتياجات الضرورية اليومية من طعام ودواء. موضحًا أن الحكومة تلجأ إلى الحلول السهلة وتترك الحلول الصعبة. وقال إن المشكلة لا تنحصر في وزارة المالية، بل في التركيبة الحكومية القائمة على خوض صراع مسلح بإمكانيات تكاد تكون صفرية، ودون الحصول على مساعدات دولية. من الجنون أن تصر على الحرب وإدارة شؤون الناس.
وتابع: "المواطن لا يشكل أولوية للحكومة، وإلا لشعرت بالخجل من زيادة الضرائب في هذا الوقت، رغم تفشي الجوع في مناطق كثيرة. غالبية مراكز الإيواء في المدن الآمنة تواجه مشاكل يومية لتوفير الغذاء والأدوية".
ويوضح عبد الرحمن، الحاصل على درجة البكالوريوس في الهندسة، والذي خسر عمله في العاصمة الخرطوم، أن الأمور خرجت عن سيطرة الحكومة القائمة في بورتسودان، لأن الحرب لن تترك فرصة لإدارة شؤون المواطنين لتوفير الخدمات الأساسية واتخاذ برامج فعالة لخفض أسعار المعيشة.
مصدر من لجنة الموازنة: الزيادات المتدرجة في التعرفة الجمركية برنامج اقتصادي تنفذه الحكومة منذ ثلاثة أعوام
وتابع: "يحتاج الشخص الذي يعول أسرة إلى من 800 ألف إلى مليون جنيه شهريًا، دون إضافة نفقة إيجار المنزل، الذي يصل في المتوسط إلى 500 ألف جنيه". وتُعادل نفقات الإيجار والمعيشة التي ذكرها عبد الرحمن نحو (650) دولارًا أميركيًا شهريًا.
فيما يشير مصدر من لجنة الموازنة بوزارة المالية إلى أن الزيادات المتدرجة في التعرفة الجمركية برنامج اقتصادي تنفذه الحكومة منذ ثلاثة أعوام، لإلغاء السعر الحكومي للدولار الجمركي وتركه خاضعًا لآليات السوق، كما فعلت مع سعر الصرف بـ"تعويم متدرج" للعملات الصعبة مقابل الجنيه السوداني، ونجحت إلى حد كبير في ترويض السوق الموازي.