24-ديسمبر-2024
الجزيرة أبا

ضربت فيضانات مفاجئة الجزيرة أبا (إكس)

يدفع الآلاف من سكان القرى المنكوبة بالجزيرة أبا بولاية النيل الأبيض ثمنًا فادحًا جراء إهمال الحكومة المحلية لكارثة إنسانية نتجت عن الفيضانات التي أجبرت المواطنين على النزوح إلى العراء.

فقد مئات المزارعين سُبل كسب العيش بفعل الفيضانات التي غمرت مزارعهم

انهمرت المياه إلى داخل المنازل ثم المرافق العامة، ولم تنجُ حتى المساجد. ويشاهد المتضررون المباني وهي تنهار أمام أعينهم بفعل الفيضانات، وينظرون بعيدًا نحو مناطق النجاة، بعضهم اضطر للبقاء في المواقع المرتفعة قليلًا عن سطح الأرض والتي لم تصلها المياه.

قال متطوع من قرية النجومي، وصل إلى كوستي للبحث عن مساعدات للمنكوبين، عندما تواصل معه مراسل "الترا سودان": "إن الأوضاع الإنسانية لا توصف إلا لمن يشاهد المتضررين وهم يفترشون الأرض وينتظرون أشياء لن تحدث مطلقًا مثل التدخلات الحكومية العاجلة". مشيرًا إلى أن تحرك المنظمات الإنسانية والوطنية محفوف بالمخاطر بسبب الوضع الأمني وتصاريح المرور. "لذلك وصلت إلى كوستي، ربما أتمكن من حل بعض المشكلات"، يضيف هذا المتطوع.

في أول رد فعل حكومي، علق مسؤول بوزارة البنية بولاية النيل الأبيض على كارثة الفيضانات قائلًا: "إن إغلاق بوابات خزان جبل أولياء تسبب في المأساة"، محملًا قوات الدعم السريع مسؤولية الفيضانات جراء عدم تمكين فريق وزارة الري من الوصول إلى الخزان والتحكم في البوابات.

الأنباء الواردة من خزان جبل أولياء أشارت إلى فتح البوابات الساعات الماضية. لم يتسنَّ لـ"الترا سودان" الحصول على تأكيد من جانب قوات الدعم السريع أو وزارة الري، في وقت أشار مستشار الدعم السريع، الباشا طبيق، إلى أن الفيضانات ناتجة عن القصف المستمر للقوات المسلحة على خزان جبل أولياء.

هناك تحليلات فنية نُشرت على الشبكات الاجتماعية حول فيضانات النيل الأبيض. وعزا خبراء في مجال المياه الكارثة إلى وجود معدلات عالية للأمطار في بحيرة فكتوريا ومن هناك إلى الأنهار في جنوب السودان، مشيرين إلى أهمية وجود تنسيق كامل بين دول حوض النيل. كما لا تنفصل الأزمة عن سد النهضة من خلال زيادة كميات المياه الجوفية المُرتدة عن مجرى النيل.

تشير التقديرات الأولية إلى نزوح أكثر من (25) ألف مواطن بسبب الفيضانات في قرى الجزيرة أبا منذ الأحد 22 كانون الأول/ديسمبر 2024. ورغم انحسار المياه خلال الساعات الماضية، إلا أن الأضرار التي لحقت بالمواطنين فادحة، تتمثل في انهيار المنازل وفقدان المأوى ومصادر كسب العيش لأن المياه غمرت الأراضي الزراعية.

تنعكس الفيضانات على حياة عشرات الآلاف من سكان ولاية النيل بانخفاض إنتاج الخضروات. كما تتأثر قرى غرب أم درمان وجنوب الخرطوم بقلة الواردات من الخضروات والمنتجات الزراعية. وتؤثر الفيضانات أيضًا على ولايتي سنار والجزيرة المجاورتين لولاية النيل الأبيض بانخفاض المنتجات الزراعية.

ويربط خبراء في مجال المياه بين الحرب والآثار الطبيعية المدمرة جراء توقف أعمال الصيانة للمحطات النيلية، متأثرة بالقتال والمعارك العسكرية التي تستمر منذ (20) شهرًا، دون أن يلوح أي شيء في الأفق حول مرور آمن لفرق وزارة الري. لأن التنسيق بين الجيش وقوات الدعم السريع في الغالب يذهب نحو الفشل وعدم الاتفاق لانعدام الثقة بينهما.

تسيطر قوات الدعم السريع على مساحات كبيرة تقع على جانبي النيل الأزرق في الخرطوم، إلى جانب السيطرة على مدينة القطنية الواقعة بولاية النيل الأبيض على مسافة تبعد نحو (150) كيلومترًا عن الخرطوم. قاطعًا هذه المسافة، يتجه النيل الأبيض نحو جنوب العاصمة، ولا يمكن للأنشطة الفنية أو حركة الصيد أن تكون بمأمن عن النزاع العسكري والمخاطر.

جرت نقاشات بين الجيش وقوات الدعم السريع في منبر جدة حول حماية المرافق المدنية خلال الحرب منذ أيار/مايو 2023، بينما تحمل القوات المسلحة قوات حميدتي مسؤولية التنصل عن هذا الاتفاق بالاستحواذ على منازل المدنيين والمرافق المدنية. وأحصى النائب العام في مؤتمر صحفي بمدينة بورتسودان، الإثنين 23 كانون الأول/ديسمبر 2024، (450) ألف مرفق مدني، تشكل المنازل (80)% من هذه النسبة.

يقول خبراء البيئة والمياه إن الأطراف المتحاربة لم تكترث للأزمة الناتجة عن توقف العمل في المحطات والأحباس المائية

في ذات الوقت، يقول خبراء البيئة والمياه إن الأطراف المتحاربة لم تكترث للأزمة الناتجة عن توقف العمل في المحطات والأحباس المائية، سيما وأن السودان يضم العشرات من الأنهار والممرات الغنية بالمياه العذبة. كما إن النيل يمتد من منطقة المقرن في قلب الخرطوم حتى دولة مصر، دون أن ينتبه الطرفان إلى ضرورة حماية هذا المورد الحيوي.

تُحاصر الاشتباكات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع منطقة المقرن، وهي تعني اقتران النيلين الأزرق والأبيض في المقرن، وتشكل رقعة خضراء شُيدت فيها المباني الاستثمارية الشاهقة، قبل أن تتحول أجزاء منها إلى أكوام رماد بسبب القذائف الصاروخية، بما في ذلك مقر البنك المركزي.