وسط أجواء البهجة التي تعم أسواق مدينة كمبالا، عاصمة أوغندا، بأعياد الميلاد ونهاية العام، يجد السودانيون اللاجئون أنفسهم عالقين بين فقدان الوطن والآمال التي تمثلها نهاية عام وبداية عام جديد. في وقتٍ يحتفل فيه الملايين في شرق أفريقيا بتعافي الاقتصادات وعودة الحياة إلى طبيعتها بعد سنوات من الأزمات، يظل الحنين للوطن حاضرًا في قلوب السودانيين الذين يعيشون تجربة استثنائية بين أفراح الآخرين وأوجاعهم الخاصة.
للعام الثاني على التوالي، يشاهد اللاجئون السودانيون في أوغندا مظاهر أعياد نهاية العام مع مشاعر فقدان الوطن بسبب الحرب والأمل في العودة إلى الديار
قالت بائعة الورد وأشجار الميلاد، وسط مدينة كمبالا العاصمة الأوغندية التي تستضيف ملايين اللاجئين جنبًا إلى جنب مع سكان المدينة الواقعة على سلسلة من التلال الخضراء، إن أعياد الميلاد فرصة ثمينة لبيع السلع والمنتجات. البعض يستورد من الصين والبعض من أوروبا، ومثلما لكل منتج جودته، أيضًا له سعره في نهاية المطاف. الناس يشترون أي شيء في أعياد الميلاد لأنه يأتي مرة كل عام.
يتزامن عيد الميلاد في أوغندا مع عطلة المدارس الحكومية والخاصة التي تبدأ من نهاية تشرين الأول/نوفمبر كل عام، وتستمر حتى مطلع شباط/فبراير من السنة الجديدة. كما يتوقف القطاع العام خلال عطلة أعياد الكريسماس، ويغادر الناس إلى المدن والقرى والمحافظات لقضاء هذه اللحظات مع العائلة والأصدقاء.
ارتفعت حركة الأسواق قبيل حلول عطلة الميلاد بنحو شهر، وزادت طلبات التسوق. كما تشكل كمبالا مركزًا تجاريًا بالنسبة لدول الجوار من الكونغو، ورواندا، وجنوب السودان. وهناك حركة واسعة للشاحنات التي تنقل السلع على الطرق البرية التي تربط بين هذه البلدان، تُقدر بمئات الملايين من الدولارات.
واستبقت الشرطة الأوغندية أعياد الميلاد بجملة من النصائح والمحاذير مع إجراءات أمنية مشددة طالت جميع أنحاء البلاد، وبشكل أوسع في العاصمة كمبالا، مع نشر دوريات مكثفة في الشوارع والأسواق في بلد يقع على حزام تنشط فيه جماعات متطرفة، إلى جانب مكافحة جرائم اللصوص.
يحتفل الأوغنديون بعيد الميلاد وهم ينظرون بعيدًا نحو المستقبل، بينما اكتفى عشرات الآلاف من السودانيين الذين لجأوا إلى هذا البلد منذ اندلاع الحرب بين القوات السودانية المسلحة وقوات الدعم السريع بمشاهدة الشوارع التي تعج بمظاهر الحياة والأعياد. وربما ضاعف لديهم انتهاء العام وهم في الشتات، الشعور بانسداد الأبواب في العودة إلى الوطن لتلاشي الأفق نحو السلام، وآخرون يأملون في بداية عام جديد تحمل الأمل في مستقبل متجدد.
قدر مفوضية اللاجئين عدد اللاجئين السودانيين في أوغندا بـ(60) ألف لاجئ
تقدر مفوضية اللاجئين عدد اللاجئين السودانيين في أوغندا بـ(60) ألف لاجئ. هذه هي النسبة المقيدة في سجلات اللجوء، بينما تشير تقديرات غير رسمية إلى أن عدد السودانيين في هذا البلد وصل إلى قرابة مائة ألف شخص.
نسبة لتمسك السودانيين بالنمط الغذائي الخاص بهم، يتحملون تكاليف كبيرة في تدبير المعيشة في أوغندا. كما أن غالبية المطاعم التي يستثمر فيها السودانيون تحدد أسعارًا باهظة للوجبات المحلية السودانية مثل العصيدة، والفول، واللحم المشوي، إذ يباع طلب الفول بسعر (10) آلاف شلن أوغندي، ما يعادل ثلاثة دولارات.
في محطة حافلات شمال وسط مدينة كمبالا، لم يتوقف العمل طوال اليومين الماضيين. توافد آلاف الأشخاص للسفر إلى المحافظات الواقعة خارج العاصمة لقضاء أعياد الميلاد. تراوحت أسعار التذاكر بين (30) ألف شلن أوغندي، ما يعادل تسع دولارات أميركية، وما بين (50) ألف شلن أوغندي، ما يعادل (15) دولارًا أميركيًا. ومع صيحات عمال الحافلات، كانت أنغام الموسيقى الشرق أفريقية تصدر من جهاز وُضع بالقرب من الحافلة لجذب أكبر عدد من المسافرين.
للموسيقى هنا في شرق أفريقيا وقع خاص. لا يعرف الأوغنديون توقيتًا معينًا للاستماع إليها، بل تكون صادرة على مدار الوقت من مكبرات الصوت الحديثة. حتى أسواق الخضروات في كمبالا، ناحية منطقة "ناكسيرو" وسط المدينة، تفضل وضع الموسيقى أثناء ساعات الظهيرة لكسر الملل، كما تقول بائعة "الأفوكادو والأناناس"، الثمرتان الرائجتان في أوغندا، وتشكلان مائدة الطعام في العديد من الفنادق والمطاعم.
فيما طافت شاحنات عليها مكبرات الصوت الشوارع في كمبالا، وهي تنوه إلى عدد من المسارح التي تستضيف الحفلات خلال عطلة أعياد الميلاد. فالإعلان هناك لا زال يحتفظ بقيمته المعنوية بتحريك شاحنة في الشوارع، وعليها ملصقات وصور الفنانين والفنانات، والفرق الراقصة، أو الفنان الكوميدي.
تكاد أعياد الميلاد في دول شرق أفريقيا فرصة ثمينة بالنسبة للشركات والأسواق لدفع المستهلكين إلى إنفاق مليارات الدولارات. فالمجتمعات هنا تجد في عطلة الكريسماس استراحة من عناء عام من العمل والكد، ولا تجد ضيرًا في شراء الملابس الفاخرة، والسفر، وقضاء الوقت مع العائلة.
قال عامل محطة وقود وسط مدينة كمبالا إن العمل طوال العام يكاد ينتهي بالنسبة للعديد من الأشخاص خلال عطلة أعياد الميلاد. على الناس أن يصلوا ويتناولوا الطعام مع العائلة أو الأصدقاء في المنزل.
بينما تغلق أعياد الميلاد صفحة عام مليء بالتحديات، يبقى السودانيون في أوغندا بين تطلعات نحو مستقبل أفضل وحنين لا يفارقهم إلى وطن يعصف به الصراع
في ساعة مبكرة من صباح الأربعاء 25 كانون الأول/ديسمبر 2024، صدرت الأصوات أثناء الصلوات من الكنائس الواقعة وسط مدينة كمبالا، مع أمطار غزيرة لم تتوقف طوال ثلاث ساعات. ومن ثم ينتشر الناس في الطرقات لإتمام بقية الطقوس في بلد لا تتوقف شوارعه عن الحركة حتى الساعات الأولى من الصباح خلال أعياد الكريسماس.
بينما تغلق أعياد الميلاد صفحة عام مليء بالتحديات، يبقى السودانيون في أوغندا بين تطلعات نحو مستقبل أفضل وحنين لا يفارقهم إلى وطن يعصف به الصراع. وسط أجواء الاحتفالات التي تعم المدن والقرى، يتجدد الأمل في عودة السلام، ولو بعيدًا عن الديار، حيث يواصل اللاجئون البحث عن الاستقرار بين أحضان مجتمعاتٍ تشاركهم أفراحها وتخفف عنهم وطأة الغربة.