الرهد في قبضة الجيش.. انتصار إستراتيجي نحو فك حصار الأبيض
20 فبراير 2025
عاشت مدينة الرهد أبو دكنة شهورًا عصيبة تحت سيطرة الدعم السريع منذ تموز/يوليو 2023، حيث سادت حالة من الخوف وعدم الاستقرار وسط السكان. وشهدت المدينة تدهورًا أمنيًا مروعًا، حيث تعرض السكان لحالات نهب وسلب ممنهج من قبل عناصر الدعم السريع، إضافة إلى انتهاكات واسعة ضد المدنيين، شملت الاعتقالات العشوائية وطلب فدية وممارسات العنف، بحسب مواطنين.
وعلى الصعيد المعيشي، تدهورت الخدمات الأساسية بشكل سيء، حيث انقطعت الكهرباء والمياه لشهور عديدة، وانهارت الخدمات الصحية بسبب نهب المستشفى والمرافق الطبية. كما شهدت الأسواق ارتفاعًا جنونيًا في الأسعار نتيجة لانقطاع الإمدادات، مما زاد من معاناة السكان الذين واجهوا شحًّا في الغذاء والدواء. في ظل هذه الظروف، اضطر العديد من الأهالي إلى النزوح نحو القرى والمناطق المجاورة بحثًا عن الأمان، بينما ظل من تبقى يعيش تحت وطأة حالة من الرعب اليومي، مترقبًا لحظة التحرير.
تشتهر الرهد بكونها سوقًا رئيسيًا للمحاصيل الزراعية، وعلى رأسها الكركدي والفول السوداني والسمسم، والذرة، إضافة إلى كونها مركزًا مهمًا لتجارة الماشية
وفي الصدد، تقع مدينة الرهد أبو دكنة في ولاية شمال كردفان على ارتفاع 490 مترًا فوق سطح البحر، وتبعد حوالي 379 كيلومترًا عن العاصمة الخرطوم، و30 كيلومترًا فقط عن مدينة الأبيض، حاضرة الولاية. تتمتع المدينة بموقع إستراتيجي مهم، حيث تعد محطة رئيسية في خط السكة الحديدية الذي يربط شرق ووسط السودان بغربه، مما يجعلها نقطة محورية في حركة التجارة والنقل بين مختلف الأقاليم السودانية.
وتشتهر الرهد بكونها سوقًا رئيسيًا للمحاصيل الزراعية، وعلى رأسها الكركدي والفول السوداني والسمسم، والذرة، إضافة إلى كونها مركزًا مهمًا لتجارة الماشية. كما تعد المدينة من المراكز الحضرية الكبرى التي تحتضن تجمعات الرعاة الرحل، ما يجعلها نقطة تقاطع بين الحياة الحضرية والريفية. بفضل مواردها الغنية، تأتي الرهد في المرتبة الثانية من حيث الموارد في شمال كردفان، بعد محلية شيكان.
إلى جانب دورها الاقتصادي، تتمتع الرهد بنسيج اجتماعي متنوع، حيث تعيش فيها مختلف القبائل السودانية، مما يضفي عليها طابعًا ثقافيًا مميزًا. وتعد المدينة أيضًا مركزًا دينيًا وتعليميًا، حيث تحتضن خلاوي لتحفيظ القرآن مثل خلاوي الشيخ تكرور، التي لعبت دورًا مهمًا في نشر التعليم الديني في المنطقة.
وفي سياق متصل، في عملية عسكرية استغرقت حوالي 72 ساعة بحسب مصادر، أعلنت القوات المسلحة السودانية في 17 شباط/فبراير 2025 استعادة السيطرة على المدينة، بعد معارك عنيفة مع "الدعم السريع".
من جهة آخرى، شهدت شوارع المدينة مظاهر احتفال واسعة، حيث خرج المواطنون إلى الطرقات تعبيرًا عن فرحتهم بالنصر. من مدخل المدينة مرورًا بخلاوي الشيخ تكرور وسوق المحصولات وحتى رئاسة المحلية، امتلأت الشوارع بالحشود التي رفعت الأعلام ورددت الهتافات الوطنية، وسط زغاريد النساء التي صدحت في الأحياء والأسواق.
وامتدت الاحتفالات إلى مدينتي أم روابة والأبيض، حيث عمت الفرحة السكان الذين خرجوا في مسيرات حاشدة. وسط ترقب لعودة الخدمات الأساسية إلى المدينة و رجوع الأهالي النازحين.
عملية عسكرية متكاملة
في هذا الجانب، انطلقت العملية العسكرية لاستعادة السيطرة على الرهد من مدينة أم روابة بعد تحريرها من سيطرة "الدعم السريع" في أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي، حيث تم وضع خطة ميدانية محكمة شملت تحركات من محورين رئيسيين: الأول على شمال الطريق القومي، والثاني جنوب الطريق القومي مرورًا بغابات خور أبو حبل.
وبحسب مصدر أمني تحدث إلى "الترا سودان" قادت العملية غرفة سيطرة مركزية ضمت قيادات عسكرية عليا، من بينهم لواء في القوات المسلحة. الى جانب ذلك عدد من القوات المساندة مثل لواء البراء بن مالك، إضافة إلى وحدات من جهاز المخابرات العامة وقوات المشاة والمدفعية وسلاح الجو والمسيرات القتالية.
في اليوم الأول، تحركت القوات باتجاه قرية السميح، التي تبعد نحو 42 كيلومترًا من أم روابة، إلا أن الاشتباكات الأولى اندلعت في منطقة "أب حمرة المحطة". كان القتال عنيفًا، خاصة في المحور الجنوبي حيث اشتبك المستنفرون التابعون لمتحرك "الصياد"، وهو التشكيل العسكري الذي ضم مقاتلين من أبناء أم روابة والرهد والمناطق الريفية المحيطة.
عند دخول القوات إلى مدينة الرهد، حاولت مركبات قتالية تابعة للدعم السريع الفرار شمالًا، إلا أنه تم استهدافها وتدميرها
أسفرت المعركة عن "استيلاء القوات المسلحة على 13 مركبة عسكرية تابعة للدعم السريع وتدمير 9 عربات أخرى"، فيما "تمكنت حوالي 5 عربات من الفرار من ساحة المعركة"، يضيف المصدر.
ومع استمرار العمليات العسكرية، تم استخدام الطائرات المسيرة والمدفعية الثقيلة لاستهداف كمائن نصبتها الدعم السريع على الطرق المؤدية إلى الرهد. وأفاد المصدر برصد 3 كمائن بين منطقتي "أضيات" و"أضيات الشرقية"، حيث تمكنت القوات المسلحة من تشتيت الدعم السريع عبر قصف مكثف بالمدفعية والمسيرات.
في اليوم الثاني، تقدمت القوات نحو قرية "الله كريم"، وسيطرت عليها، واستهدفت العديد من المركبات العسكرية كانت متمركزة في مدينة السميح، مما مهد الطريق أمام اقتحام المدينة والسيطرة عليها بالكامل. ومع تأمين السميح، بات الطريق مفتوحًا نحو الرهد، ما دفع القوات إلى مواصلة التقدم نحو المدينة، رغم أن القيادة المركزية لم تكن قد أعطت الضوء الأخضر بعد لهذه الخطوة.
عند دخول القوات إلى مدينة الرهد، حاولت مركبات قتالية تابعة للدعم السريع الفرار شمالًا، إلا أنه تم استهدافها وتدميرها. لم تواجه القوات المسلحة مقاومة تذكر داخل المدينة، ما أكد انهيار دفاعات الدعم السريع، وبذلك أُعلن عن تحرير الرهد وتأمينها بالكامل.
وفي ختام حديثه وصف المصدر العملية بأنها "إستراتيجية متكاملة"، شاركت فيها مختلف التشكيلات العسكرية، بما في ذلك سلاح الجو، المدفعية بمختلف أنواعها، المشاة، المسيرات القتالية. وأكد أن المدينة أصبحت "حرة وآمنة"، بعد أكثر من عام على معاناة سكانها تحت سيطرة "الدعم السريع".
نصر استراتيجي يمهد الطريق نحو دارفور
اعتبر الإعلامي والفاعل السياسي محمد أحمد المحبوب في حديثه لـ"الترا سودان" استعادة الجيش السوداني لمدينة الرهد نصرًا إستراتيجيًا يعكس التفوق العسكري الذي أظهرته القوات المسلحة خلال الفترة الأخيرة. وأوضح أن هذا الانتصار يأتي في سياق سلسلة من التقدمات الميدانية التي حققها الجيش، والتي شملت استعادة مدن مهمة مثل أم روابة والرهد في ولاية شمال كردفان.
بحسب المحبوب، فإن السيطرة على الرهد تمثل محطة محورية في مسار العمليات العسكرية، حيث يسهم هذا التقدم في تأمين الطريق القومي، مما يسهل فك الحصار عن مدينة الأبيض، التي تعد من أبرز المدن الإستراتيجية في كردفان. كما إن الطريق بات ممهدًا الآن نحو الدبيبات، وهي نقطة عبور رئيسية نحو غرب السودان.
وأكد المحبوب أن "الهدف النهائي للقوات المسلحة هو الوصول إلى نيالا، كبرى مدن دارفور"، حيث يعد متحرك "الصياد" أحد التشكيلات العسكرية التي تستهدف استعادة السيطرة على الإقليم بالكامل. ويضم هذا المتحرك قوات من الفرقة 16 مشاة نيالا بقيادة حسين جودات، والتي تلعب دورًا رئيسيًا في العمليات العسكرية الجارية.
يرى المحبوب أن السيناريو المرجح بعد استعادة الرهد هو استمرار تقدم الجيش نحو دارفور وفق الخطة العسكرية الموضوعة
وفي سياق متصل، يرى المحبوب أن السيناريو المرجح بعد استعادة الرهد هو استمرار تقدم الجيش نحو دارفور وفق الخطة العسكرية الموضوعة، مشيرًا إلى أن هذه التطورات تعزز "مشروع الجيش الهادف إلى تحرير إقليمي كردفان و دارفور من سيطرة الدعم السريع"، بحسب تعبيره.
ومع استمرار تقدم القوات المسلحة، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن السلطات من تأمين هذه المدن وحمايتها من أي هجمات مضادة، أم أن الحرب ستأخذ منحنيات جديدة؟ خصوصًا مع سيناريو التقسيم عبر الحكومة الموازية المزمع إعلانها في مناطق سيطرة الدعم السريع، مع ترقب لانفتاح الجيش تجاه المعركة القادمة في دارفور.
الكلمات المفتاحية

معركة الخرطوم.. انهيار أم إعادة تموضع؟
في تحول استراتيجي حاسم، بعد قرابة العامين من حرب منتصف أبريل /نيسان 2023، أعلن رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان

قائد الجيش.. الرقص على رؤوس التحالفات عند بوابة القصر الرئاسي
مع اقتراب الإعلان رسميًا عن خلو العاصمة الخرطوم من قوات الدعم السريع واستعادة مباني القصر الرئاسي، يجد قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان والحاكم الفعلي للبلاد نفسه أمام مشهد جديد سياسيًا وعسكريًا.

الأفق الرمزي والدلالي لاستعادة القصر الجمهوري
حت وسم الطريق إلى القصر، خاض الجيش سلسلة معارك عنيفة منذ عملية العبور إلى المقرن في السادس والعشرين من أيلول/سبتمبر المنصرم، قبل أن يحقق أهم التحامات جيوشه بين الإشارة والقيادة، وبين المدرعات والقيادة في وسط الخرطوم

غرفة طوارئ أبو شوك لـ"الترا سودان": وفاة 53 مواطنًا بالتدوين والجوع
كشفت غرفة طوارئ معسكر أبو شوك للنازحين بولاية شمال دارفور، عن وفاة (53) مواطنًا من جرّاءِ القصف المدفعي والجوع خلال الثلاثة أشهر الماضية.

محكمة العدل الدولية تعلن موعدًا لجلسات دعوى السودان ضد الإمارات
أعلنت محكمة العدل الدولية في بيان بتاريخ اليوم 28 آذار/مارس 2025، عن الشروع في إجراءات التقاضي في الدعوى المقدمة من حكومة السودان ضد دولة الإمارات.

معركة الخرطوم.. انهيار أم إعادة تموضع؟
في تحول استراتيجي حاسم، بعد قرابة العامين من حرب منتصف أبريل /نيسان 2023، أعلن رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان

مقاومة الفتيحاب: انتهاكات واسعة للدعم السريع جنوب أمدرمان
أفادت تنسيقية لجان مقاومة الفتيحاب، مساء أمس الخميس، الموافق 27 آذار/مارس 2024، بأن قوات الدعم السريع التي فرت من مدينة الخرطوم تمارس انتهاكات واسعة في الريف الجنوبي وقرى الجموعية بأمدرمان