الخرطوم.. المدينة المُستردة في حرب السودان بلا معارك عسكرية 

ربما تكون الخرطوم المدينة الأكثر حظًا كونها أُستردت لصالح الجيش بمعزل عن دوي المدافع والرصاص، عقب انهيار قوات الدعم السريع والانسحاب كمجموعات صغيرة جنوبًا نحو خزان جبل أولياء، ومغادرة حدود ولاية الخرطوم بما تيسر من عتاد ووقود وسلاح ومقتنيات.

أحياء عديدة وجدت نفسها بلا قوة عسكرية مسيطرة على الأرض، خرج المواطنون إلى الشوارع وأعلنوا بأنفسهم أن المناطق خالية من قوات حميدتي، مناشدين الجيش بالقدوم واستعادة الانتشار.

أحياء عديدة وجدت نفسها بلا قوة عسكرية من الطرفين ناشد سكانها الجيش بالقدوم والانتشار 

ورغم خلو المناطق السكينة من قوات دقلو التي ارتكبت جرائم بحق المدنيين إلا أن الوضع الأمني بدا طبيعيًا وكأن شوارعها لم تشهد حربًا، بينما في المناطق من تخوم مطار الخرطوم إلى شارع الستين وعبيد ختم وإلى أركويت تنفس المواطنون الصعداء وهم يشاهدون بأعينهم المدينة وقد عادت إليهم بعد قرابة العامين.

مراكز المطابخ الجماعية تحولت إلى مكان للاحتفال بين النساء والرجال والأطفال خرج الناس إلى شارع الستين من أحياء الجريف غرب وأركويت ورددوا: "ما في مليشيا بتحكم دولة" وكأنهم يعيدون سيرة المواكب السلمية.

أما في السوق المركزي وجنوب الحزام، لم يتعرف المواطنون تحت سيطرة أي طرف عسكري تقع المنطقة، مع مغادرة قوات حميدتي أفواجًا وجماعات نحو جسر جبل أولياء منذ مساء الثلاثاء 25 آذار/مارس 2025، وفق شهود عيان.

قال مازن من جنوب الحزام متحدثًا لـ"الترا سودان" من موقع تزويد الإنترنت الفضائي "ستار لينك" إن الوضع في أحياء جنوب الحزام يسوده الهدوء، لا توجد مظاهر تؤكد وصول الجيش، والناس يترقبون وصول القوات المسلحة في أي لحظة.

شدد مازن على ضرورة تعويض فرحة الناس في جنوب الحزام بمغادرة الدعم السريع وقدوم الجيش، بمراعاة الوضع الإنساني والاجتماعي والاقتصادي لمئات الآلاف من المواطنين، الذين اضطروا للبقاء في منطقة تخضع سيطرة قوات حميدتي.

أما في في "أحياء الصحافات" التي تعرضت لانتهاكات غير مسبوقة ترتقي لجرائم الحرب من جانب قوات الدعم السريع، احتفل المواطنون من المنطقة الواقعة جنوب القصر الرئاسي على بعد نحو 15 كيلو مترًا بزغاريد النساء وهتافات الشبان والرجال.

وصل عشرات الجنود من سلاح المدرعات إلى أحياء الصحافة والعشرة كونها تجاور هذه القاعدة العسكرية، وتعرض المدنيون في هذه الأحياء إلى تهجير قسري من قوات الدعم السريع، وحولتها إلى منصات صواريخ موجهة إلى منطقة الشجرة والمدرعات طيلة الشهور الماضية قبل أن تنهار ترسانة حميدتي اليوم الأربعاء 26 آذار/مارس 2025.

عانق جنود الجيش المواطنين في "أحياء الصحافات" في صورة أظهرت حالة الانتظار التي انتباتهم طيلة العامين الماضين مع فقدان الأمل، ومع تحول حياتهم رأسًا على عقب، وفيما نجا المدنيون في نهاية المطاف من محرقة قوات الدعم السريع غادرت الأخيرة العاصمة تاركة الأسئلة حول مصير الأسرى وأقبية الاعتقال السرية التي تجاوزت الأربعين في العاصمة.

اعتاد المدنيون قبل انهيار قوات الدعم السريع على تجنب الشوارع الرئيسية خاصة النساء، واليوم كان لافتًا تدفق مئات المواطنين إلى الشوارع وأطلقوا العنان للاحتفالات، وخلت الشوارع من السيارات كعنوان بارز لحرب السودان بتعرض نحو 1.5 مليون سيارة للنهب أغلبها نفذتها قوات الدعم السريع.

ربما انتزع المدنيون صخب الاحتفال بمغادرة قوات حميدتي للخرطوم بعد تحمل 24 شهرًا من الوضع الإنساني الحرج ونقص الغذاء والدواء، ومقتل المواطنين تحت أعينهم بالرصاص والقصف، ومع ذلك تبدو الآمال مرتفعة باستعادة حياتهم الأولى التي كانت قبل اندلاع القتال منتصف نيسان/أبريل 2023.

في بداية أحياء جبرة جنوب العاصمة من أمام مكتب حكومي للكهرباء يلوح المواطنون بعلم السودان، كان هذا الموقع لا يمكن الاقتراب طيلة الشهور الماضية بعد أن وزعت قوات حميدتي ترسانة عسكرية لشن هجمات على سلاح المدرعات.

تحت أنظار المواطنين في قرى جبل أولياء غادرت قوات الدعم السريع الخرطوم عبر جسر صغير بالكاد يتسع لسيارة واحدة من اتجاه واحد بينهم قادة ميدانيين بارزين.

استرد الجيش الخرطوم دون أن تسيل دماء جنوده خلال حرب طاحنة لا تزال مستمرة، بينما يترقب المواطنون الإعلان الرسمي وعودة جزئية للخدمات الأساسية، خاصة شبكة الاتصالات والمياه والأسواق والمراكز الصحية.