الخرطوم.. الجيش يسيطر وأحلام العودة تراود السكان
21 مايو 2025
"حتى الآن، لا أستطيع تصديق الخبر، أشعر بأنه حلم" – هكذا علّق النور بابكر على خبر سيطرة الجيش على الخرطوم وخلوها من قوات الدعم السريع، بعد نحو 700 يوم من اندلاع الحرب في منتصف أبريل/نيسان 2023، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
ويقول بابكر لـ"الترا سودان" إنه نزح إلى الولاية الشمالية بعد تسعين يومًا من اندلاع الحرب، إثر تهديدات من أفراد يتبعون لقوات الدعم السريع بانتهاك حرمة منزله إن لم يغادر.
ويضيف: "غادرت برفقة ابنتيّ خوفًا عليهما من انتهاكات الدعم السريع التي طالت سكان العاصمة، حيث مورست ضدهم كل أنواع الانتهاكات من قتل وسرقة واغتصاب للنساء".
وأشار النور إلى أن هناك مشاهد لن تُمحى من ذاكرته، مثل رؤيته لأفراد من الدعم السريع يقتلون جاره وصديقه ويرهبون أطفاله. ويعود الفرح إلى وجهه مرة أخرى وهو يتساءل: "خرجنا منها أذلة، فهل نعود إليها أعزة؟"
الشوبلي: هذا الانتصار يشكل تحولًا نوعيًا في المواجهات، إذ انتقلت قوات الدعم السريع من وضع الهجوم إلى الدفاع، ثم إلى الانسحاب والانكسار
الخرطوم خالية
أعلن الجيش السوداني، اليوم الثلاثاء، اكتمال استعادة ولاية الخرطوم وخلوها من أي وجود لعناصر قوات الدعم السريع، في أعقاب سيطرته على القصر الجمهوري بالعاصمة أواخر مارس/آذار الماضي.
وقال مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية، في بيان، إن "قوات الجيش بكل مكوناتها تواصل أداء واجبها في قتال قوات الدعم السريع وأعوانها وداعميها من قوى الشر المحلية والإقليمية والدولية"، مضيفًا أن الجيش يحقق الانتصارات يومًا بعد آخر.
وفي وقت سابق، أكد مصدران عسكريان لـ"الترا سودان" أن القوات المسلحة بصدد إعلان الخرطوم خالية من قوات الدعم السريع خلال اليوم، وذلك بعد معارك ضارية في منطقة صالحة جنوبي أم درمان، التي كانت آخر معاقل قوات الدعم السريع في الولاية.
وتخوض القوات المسلحة وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 حربًا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفقًا للأمم المتحدة والسلطات المحلية.
وذكرت مصادر عسكرية أن الجيش سيطر على منطقة "المثلث"، التي تُعد نقطة استراتيجية تربط شرق الخرطوم بغربها.
وأضافت المصادر أن "لواء النخبة" التابع لجهاز المخابرات العامة، سيطر على مناطق "إيد الحد"، و"المقداب"، و"الشيخ البشير"، فيما يستمر الزحف لتطهير جميع قرى الجموعية.
تدهور وانتهاكات
شهدت أجزاء واسعة من ولاية الخرطوم تدهورًا حادًا في الأوضاع الإنسانية والأمنية منذ اندلاع الحرب نتيجة عمليات القتل والنهب والاعتقال التي تُتهم بها قوات الدعم السريع، كما فاقمت الأمراض من معاناة المواطنين، خاصةً بعد خروج نحو 80% من المستشفيات عن الخدمة نتيجة التدمير الممنهج طوال أكثر من عامين من الحرب.
وفي الأسابيع الأخيرة، بدأت مساحات سيطرة الدعم السريع بالتناقص في عدة ولايات لصالح الجيش، الذي وسّع نطاق انتصاراته في العاصمة لتشمل السيطرة على القصر الرئاسي، ومقار الوزارات السيادية، والمتحف القومي، ومقر ولاية الخرطوم، والبنك المركزي، والمطار، وعدد من المواقع العسكرية والأمنية.
وجاء إعلان خلو الخرطوم من قوات حميدتي بعد يوم واحد من تعيين رئيس وزراء جديد، لأول مرة منذ استقالة الدكتور عبد الله حمدوك قبل خمس سنوات.
وأصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي تعديلًا حكوميًا تم بموجبه تعيين كامل الطيب إدريس رئيسًا للحكومة، إلى جانب تعيين سيدتين في عضوية مجلس السيادة. كما شمل القرار إلغاء إشراف أعضاء المجلس السيادي على الوزارات الاتحادية والوحدات.
احتفلت مدن سودانية عديدة بإعلان الجيش استعادة الخرطوم
مسيرات فرح
احتفلت مدن سودانية عديدة بإعلان الجيش استعادة الخرطوم، وخرج المواطنون في مسيرات رددوا خلالها شعارات مثل "جيش واحد شعب واحد"، دعمًا للجيش، بعد ما عانوه من انتهاكات جسيمة على يد الدعم السريع، شملت القتل والنهب والاغتصاب.
كما وُثّقت حالات استهداف للبنية التحتية المدنية، في خرق واضح للقانون الدولي الإنساني، الذي يصنف هذه الأفعال كجرائم حرب.
وفي سياق متصل، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حالة من البهجة، إذ عبّر المواطنون والناشطون عن فرحتهم باستعادة العاصمة من خلال مئات التغريدات، مستخدمين هاشتاقات مثل "الخرطوم حرة".
هروب بقال
أثارت مقاطع فيديو متداولة لإبراهيم بقال، الذي يزعم أنه والي الخرطوم، الجدل بعد هروبه من منطقة الصالحة عقب دخول الجيش وإعلان تحرير الولاية.
وكتب بقال على صفحته بموقع "فيسبوك": "كنت قد توقفت لبعض الوقت، حيث ظللنا في الميدان منذ الطلقة الأولى، ولم تتوفر لنا الإمكانيات الضرورية للعمل الإعلامي".
وأضاف: "واجهنا مصيرنا لوحدنا، ودخلنا في حصار، لكن بفضل الله تمكّنت من الخروج بسلام، تاركًا منزلي وعربتي الشخصية وكل أموالي ومستنداتي".
ونفذ الجيش في وقت سابق اليوم أكبر اجتياح بري لمناطق عسكرية ومدنية بالعاصمة، حيث انتزعها من قبضة الدعم السريع وأجبرها على التراجع إلى جنوب وغرب أم درمان.
أهداف مشروعة
يقول القائد الميداني بقوات العمل الخاص، فتح العليم الشوبلي، لـ"الترا سودان": "بعد السيطرة الكاملة على ولاية الخرطوم، والانفتاح الكبير لقواتنا غرب أم درمان، أصبحت مليشيا الدعم السريع في مناطق حمرة الشيخ، وجبرة الشيخ، وأم سيالة، وجريجخ، أهدافًا مشروعة لقواتنا".
وأضاف: "سنكثف عملياتنا في تلك المناطق، ما سيحد من تحركات العدو ويمنع دعمه لقواته في بارا، وهو ما يضع ضغوطًا هائلة عليه في الدفاع عن بارا أو النهود لاحقًا".
وأكد الشوبلي أن هذا الانتصار يشكل تحولًا نوعيًا في المواجهات، إذ انتقلت قوات الدعم السريع من وضع الهجوم إلى الدفاع، ثم إلى الانسحاب والانكسار.
وأشار إلى أن لا جدوى من المفاوضات مع الدعم السريع، معتبرًا القضية "مبدئية وغير قابلة لأنصاف الحلول"، وأن النصر قادم لا محالة، طالما استمر التكاتف الشعبي.
علو كعب الجيش
من جانبه، قال الخبير العسكري الفريق محمد بشير سليمان إن إعلان الخرطوم خالية من الدعم السريع يؤكد علو كعب القوات المسلحة وخبرتها الطويلة، رغم تفوق الدعم السريع في الدعم الخارجي.
وأوضح أن هذا النصر جاء نتيجة الضغط المكثف على قوات الدعم السريع التي تحظى بدعم إقليمي ودولي يهدف لزعزعة استقرار السودان.
وأكد سليمان أن الهزيمة التي لحقت بالدعم السريع تمهد للسيطرة على كردفان ودارفور، مشيرًا إلى أن حديث حميدتي عن البقاء في الخرطوم لم يكن سوى محاولة لرفع الروح المعنوية المنهارة لجنوده.
وتوقع أن تتجه المعركة القادمة إلى كردفان، لفك الحصار عن الأبيض، ومن ثم إلى دارفور، مشيرًا إلى أن الحواضن الاجتماعية للدعم السريع بدأت التفكير في الانسحاب من المعركة.
وختم بأن الدعم السريع قد يكثف من استخدام الطائرات المسيرة، لكن الدولة ستضع حلولًا عاجلة من خلال منظومات الدفاع الجوي وتقنيات المراقبة الجوية الحديثة.
وشهدت مدينة الخرطوم في الأيام الأخيرة تصعيدًا ملحوظًا من جانب الدعم السريع، حيث كثّفت هجماتها على مناطق سيطرة الجيش باستخدام الطائرات المسيّرة بعيدة المدى والانتحارية، وأسفرت هذه الهجمات عن تدمير عدد من محطات الكهرباء في مناطق متفرقة، من ضمنها مدينة أمدرمان غرب العاصمة الخرطوم، وبورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة، ومدينة كسلا شرقي البلاد، وسد مروى بالولاية الشمالية، ومدينة عطبرة بولاية نهر النيل، وكوستي بولاية النيل الأبيض.
ومنذ اندلاع حرب 15 نيسان/أبريل 2023، قُتل أكثر من 20 ألف شخص، بينما تسبب النزاع في نزوح نحو 14 مليون شخص، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.
ومع تأكيدات أن الخرطوم خالية من قوات الدعم السريع، حزم بابكر أمتعته ايذانًا بالعودة لدياره التي غاب عنها زهاء عامين، وفي خاطره ذكريات أليمة يواجهها بإصرار وعزيمة بأن تمسح وتستبدل بآمال عريضة بغد أفضل.
الكلمات المفتاحية

حرب السودان.. حالات اختفاء قسري لمهاجرين من دول الجوار
قال مدافعون حقوقيون إن هناك حالات اختفاء قسري لمهاجرين من دول إرتريا وجنوب السودان وإثيوبيا واليمن في السودان، خلال الحرب بين الجيش والدعم السريع.

حملات الخمور ونظام الحكم.. هل يناور الدعم السريع داخل "تأسيس"؟
أثار مقطع فيديو نشرته منصات موالية لقوات الدعم السريع بشأن الحملات ضد بائعات الخمور في منطقة تقع بإقليم دارفور جدلًا بين السودانيين، عما إذا كانت هذه القوات تعتزم الاستمرار في تطبيق قوانين سادت خلال نظام البشير، ولا تزال مستمرة في الولايات الخاضعة لسيطرة الجيش.

رئيس الوزراء السوداني يقترب من إنهاء أزمة "المالية" و"المعادن"
يقترب رئيس الوزراء كامل إدريس من الوصول إلى "تفاهمات" مع قادة الحركات المسلحة، وأبرزهم جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي، حول أزمة وزارتي "المالية" و"المعادن" وفق مصدر قال إن هناك إمكانية لاستمرار ممثليهم في الحقائب الوزارية خلال التشكيل الوزاري المرتقب.

شبكة أطباء السودان: مقتل طبيبة في قصف على مستشفى المجلد بغرب كردفان
قُتلت طبيبة سودانية تُدعى مودة رحمة الله، جراء قصف نفذته القوات المسلحة السودانية على مستشفى المجلد بولاية غرب كردفان، استهدف قوات تابعة للدعم السريع كانت متمركزة داخل المستشفى، بحسب ما أعلنت شبكة أطباء السودان.

الخارجية السودانية: نعتزم تقييم العلاقات مع الدول التي لا تدعم الشرعية
جددت وزارة الخارجية السودانية الاتهامات للتحالف المدني لقوى الثورة "صمود" بالعمل ضمن الذراع السياسي لقوات الدعم السريع

الجيش يدمر مركبات قتالية قُرب بابنوسة والدعم السريع يتوعد بـ"بركان الغضب"
قال مرصد "كردفان" الأحد 22 حزيران/يونيو 2025 إن مسيرات تابعة للجيش دمرت 13 عربة قتالية ومدفع 120 لقوات الدعم السريع حول مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان ضمن عمليات عسكرية جارية في المنطقة حاليًا.

حرب التسريبات.. حاكم إقليم دارفور يهدد باللجوء إلى الإعلام
نشر حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي ورئيس حركة تحرير السودان المسلحة المتحالفة مع الجيش في الحرب ضد قوات الدعم السريع، تغريدة على منصة (إكس) الأحد 22 حزيران/يونيو 2025 قائلًا، إن من يسربون محاضر الاجتماعات ويزورون الحقائق يفعلون ذلك لاغتيال الشخصيات.