سياسة

الحرب تنتقل جنوبًا.. كر وفر في إقليم كردفان

31 مايو 2025
الدعم السريع
انتقلت الحرب جنوبًا بعد استعادة الجيش مناطق الوسط (أرشيفية)
عامر صالح
عامر صالحصحفي من السودان

خرج قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، في خطاب جماهيري مصوّر، مهنئًا قواته بما وصفها بـ"الانتصارات الكبيرة"، مشيرًا إلى تقدمهم في مناطق الخوي والحمادي والدبيبات وهشابة في إقليم كردفان، متوعّدًا بالمضي قدمًا نحو الأبيض وكوستي وغيرها من المناطق في جنوب ووسط السودان.

وتقدّمت قوات الدعم السريع للمرة الأولى بعد أسابيع من الهزائم في وسط وجنوب وغرب السودان، كان أكبرها أثرًا إخراجها من عموم ولاية الخرطوم، العاصمة القومية للبلاد، لأول مرة منذ عامين، فضلًا عن سيطرة الجيش على منطقة الدبيبات الاستراتيجية، التي تُعدّ نقطة مهمة في خط إمداد قوات الدعم السريع في عموم مناطق إقليم كردفان.

عبدالرحيم دقلو: قوات تحالف السودان التأسيسي "تأسيس" تشارك في القتال

وفي إضافة لافتة، أشار عبد الرحيم دقلو، في خطابه الجماهيري المنشور بتاريخ 30 أيار/مايو 2025، إلى أن قوات تحالف السودان التأسيسي "تأسيس" تشارك في القتال إلى جانب قوات الدعم السريع، خاصًا بالذكر قوات عبد العزيز الحلو، والهادي إدريس، لافتًا إلى أن قوات الطاهر حجر، وسليمان صندل، بصدد الانضمام إلى أرض المعركة.

يطمح تحالف "تأسيس" إلى تشكيل حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان، ولكن هدّدت تحركات الجيش في إقليم كردفان هذه الطموحات. كما تظل مدينة الفاشر، التي ما تزال تحت سيطرة الجيش والقوة المشتركة بولاية شمال داروفر، شوكة في خاصرة مناطق هذا التحالف.

إعادة تنظيم

وفي هذا السياق، أفاد الصحفي والمحلل السياسي حافظ كبير، في حديثه مع موقع "الترا سودان"، بأن متابعاته تشير إلى أن "آلافًا من الجنود الذين كانوا في التدريب، دخلوا ميادين القتال في كردفان ضمن خطة تقدم بمحاور متعددة، للعودة من جديد لإكمال رؤية تحالف تأسيس في تحرير كافة أرض الوطن"، بحسب تعبيره.

عبر منصاتها على مواقع التواصل، اطّلع "الترا سودان" على مقاطع فيديو لقوات الدعم السريع، تقول إنها لعمليات تدريب تقوم بها لقوات "مهام خاصة"، ضمن مساعيها لإعادة ترتيب صفوفها، لا سيما في إقليم دارفور، الذي تسيطر على جميع مناطقه، وتطمح لأن تنشر فيه قوات لفرض الأمن في ظل انتشار التفلتات والجريمة، وغياب أي نظام حكومي حقيقي، إذ لم تنجح هذه القوات في الحفاظ على المؤسسات القائمة في مناطق سيطرتها، أو إقامة أخرى فعالة مكانها حتى الآن.

يشير حافظ كبير إلى أن قوات الدعم السريع، "منذ خروجها وانسحابها" من المناطق التي كانت تسيطر عليها في سنار والجزيرة، ومرورًا بولاية الخرطوم، كانت تجري ترتيبات لـ"إعادة تنظيم القوات عسكريًا، وكذلك ترتيب المشهد سياسيًا"، خاصة وأن الموجة الأولى من المعارك "شهدت تقدمًا وتفوقًا واضحًا لقوات الدعم السريع على الجيش والميليشيات المتحالفة معه"، والحديث لحافظ كبير.

منذ اندلاع الحرب في نيسان/أبريل 2023، ظلّت قوات الدعم السريع تسيطر على معظم مناطق العاصمة، وتهاجم مناطق الجيش في إقليم الوسط حتى هدّدت القضارف شرقًا. ولكن عملية عسكرية متعددة المحاور، ابتدرتها القوات المسلحة السودانية في أيلول/سبتمبر 2024، غيّرت مجريات الأمور لصالح الجيش وحلفائه، الذي تمكّن من استرداد ولاية الجزيرة والعاصمة الخرطوم وجميع مناطق ولاية سنار التي كانت تحت قبضة قوات الدعم السريع.

حافظ كبير: قيادة الدعم السريع في إطار خطة إعادة التنظيم، سمحت بتراجع معقول ريثما تعيد ترتيب صفوفها

يقول حافظ كبير إن الملف السياسي كان الأكثر أهمية بالنسبة لقوات الدعم السريع والمجموعات المتحالفة معها، إذ تمكّنت من توقيع ميثاق "تأسيس" والدستور الانتقالي المصاحب له، بعد عملية حوار وتفاوض طويلة مع أطراف عديدة، انتهت إلى الاتفاق على "حكومة الوحدة والسلام".

ويرى حافظ كبير في التقدّم الأخير للجيش أنه نتيجة انشغال "تأسيس" بالملف السياسي. يقول في إفادته لـ"الترا سودان": "استثمر الجيش والكتائب الإسلامية، والحركات المساندة له هذا الانشغال، فسارعوا إلى تحقيق مكاسب ميدانية في مناطق مختلفة". ولكن حقيقة الأمر، بالنسبة لحافظ، أن قيادة الدعم السريع "في إطار خطة إعادة التنظيم، سمحت بتراجع معقول ريثما تعيد ترتيب صفوفها، وإدخال عناصر جديدة بدلًا من العناصر التي ظلّت مرابطة في الميدان لعامين"، حدّ قوله.

يطمح تحالف "تأسيس"، حسب حافظ، إلى "إقامة نظام جديد على أنقاض الدولة القديمة، التي تأسست على تاريخ طويل من الظلم والفساد والاستبداد والإقصاء"، ويرى الصحفي والمحلل السياسي أن هذه الرؤية يتفق عليها "طيف واسع من الداعين والمؤمنين بالتغيير في السودان بصورة جذرية، بعد أن فشلت محاولات سلمية لانتقال متدرج، الأمر الذي واجهه النظام القديم بانقلاب، ثم بإشعال حرب في الخامس عشر من نيسان/أبريل 2023، هروبًا من استحقاق التوقيع على الاتفاق النهائي للعملية السياسية، التي كانت أطرافها قوى الثورة، وشركاء العملية السياسية من العسكريين، وحركات الكفاح المسلح"، طبقًا لوصفه.

ثمن غالٍ

في الجانب الآخر، يقول الكاتب والمحلل السياسي عبد الحليم عباس إن "كردفان الآن هي ساحة معركة". ويوضح في إفادة لموقع "الترا سودان"، أن "الجيش بدأ في حشد قواته في الأبيض منذ فترة طويلة، حتى قبل اكتمال تحرير الخرطوم، وبدأ في توسيع عملياته الهجومية مؤخرًا". 

بالنسبة لعبدالحليم، فمعركة كردفان هي معركة استعد لها الجيش وتقدم إليها، و"المليشيا" تتعامل فيها من موقع رد الفعل؛ فـ"المبادرة بيد الجيش"، بحسب تعبيره.

يرى عباس، أن ما حدث مؤخرًا في محوري الدبيبات - الدلنج والخوي - النهود هو "انتصار للمليشيا"، التي يبدو أنها استخدمت المسيّرات الاستراتيجية بشكل مكثف، ما أجبر الجيش على التراجع. ويرجح أن هذه الحيثيات ستنجح في إيقاف تقدم الجيش لبعض الوقت على الأقل، إلى أن يجد حلًّا لمشكلة المسيّرات. يضيف: "مع ذلك، ينبغي ألّا ننسى أن الجيش تقدم ووصل إلى ما وصل إليه في ظل وجود مسيّرات استراتيجية مع المليشيا، فالأمر ليس بجديد".

عبدالحليم عباس: تعرضت المليشيا سلفًا لخسائر كبيرة في المعارك الأخيرة، أكبر من خسائر الجيش الذي انسحب

يقول عباس: "عندما يتراجع الجيش، فهو لا يبقى مكتوف الأيدي بالطبع، بل يعمل على استنزاف القوة المهاجمة، وقد تعرضت المليشيا سلفًا لخسائر كبيرة في المعارك الأخيرة، أكبر من خسائر الجيش الذي انسحب".

اتّجهت الحرب جنوبًا بالمعارك في كردفان، إذ انحسرت الأنباء من الفاشر، التي ما تزال تتعرض للقصف من قبل قوات الدعم السريع، ولكن توقفت محاولات السيطرة عليها ولو لوهلة من الزمن. ويرى الكاتب والمحلل السياسي عبد الحليم عباس أن الجيش قد "استطاع تحويل تركيز المليشيا من الفاشر المحاصرة إلى كردفان، حيث حشد الجيش قوات كبيرة، ويملك خطوط إمداد مفتوحة. وهي معركة بالنسبة للمليشيا معركة كسر عظم؛ لو خسرت معارك كردفان، فلن تصمد في دارفور"، طبقًا لتقديره.

يضيف لـ"الترا سودان": "من غير الواضح حتى الآن وجود أي تغيير جوهري في مجريات الحرب؛ فالجيش حقق انتصارات كاسحة في ولايات الوسط والخرطوم، وخسرت معها المليشيا الكثير من العتاد والقوات، ويتقدم ليهاجم في كردفان ودارفور".

ويرجّح عباس أن وضع الجيش من ناحية الاستعداد والعتاد "وضع مريح"، عكس "المليشيا" التي تعيش "حالة من الذعر والهستيريا"، مشيرًا إلى لجوء قوات الدعم السريع إلى إعلان التعبئة والاستنفار في مناطق سيطرتها مؤخرًا، لحشد كل مقدراتها للمعارك الأخيرة في كردفان.

ويرى أن الدعم السريع إذا خسرت المعارك في كردفان الكبرى، فمن غير المتوقع أن تجد الوقت الكافي لتعويض خسائرها للاستعداد لشن هجوم جديد، أو للتصدي لتقدم الجيش. على العكس من الجيش، الذي "أصبح يملك هامشًا كبيرًا للمناورة، وللمحاولات، وتعديل الخطط والتكتيكات، فهو في النهاية في وضعية هجوم، وظهره مؤمَّن من الخلف لأول مرة منذ بدء الحرب".

يمضي عباس بالقول: "الجيش يقاتل الآن، وقد وضع خلفه ولايات الوسط والعاصمة والشمال مؤمَّنة، وقد بدأت الدولة نفسها في استعادة عافيتها. وهو وضع جديد في هذه الحرب، التي كانت قد بدأت في قلب العاصمة وشلّت قدرات الدولة تمامًا. في المقابل، أصبحت المليشيا تقاتل على الحافة؛ مع أي خسائر تتعرض لها، تفقد أرضًا وحواضن ومساحة تحرك، وتجد نفسها محشورة نحو الحدود الغربية."، طبقًا لإفادته.

بالنسبة لعبدالحليم عباس، فإن المعركة الآن تأخذ طابع حرب الدولة في مواجهة "مليشيا" تسيطر على أجزاء بعيدة عن مركز ثقل الدولة، وإذا فقدتها، فليس أمامها "سوى الهروب خارج السودان".

معارك كردفان

المعارك في إقليم كردفان تدور في منطقة حساسة بالنسبة لجميع الأطراف المنخرطة في حرب السودان، إذ تقع في تقاطع طرق مهم، وتربط مناطق حيوية في عمق جنوب وغرب البلاد، ما يجعلها من أهم ساحات المعركة. تمسّ هذه المعارك أيضًا مناطق لمكوّنات اجتماعية منقسمة بين الجيش والدعم السريع، كما تهدد بتقطيع أوصال التحالف الجديد لقوات الدعم السريع التي تتمركز غربًا، وحركة الحلو المتواجدة في أقصى الجنوب.

يمكن القول إن الحرب بكل زخمها قد انتقلت جنوبًا، بالكرّ والفرّ الذي يشهده إقليم كردفان

الأحداث المتسارعة في كردفان الكبرى تشي بأن المعركة ما تزال في بداياتها، وتتردد الأنباء أثناء كتابة هذا التقرير عن تقدُّم للجيش والقوات المتحالفة معه في منطقة الخوي، التي شهدت أعنف المعارك منذ سيطرة الدعم السريع على مدينة النهود.

ويمكن القول إن الحرب بكل زخمها قد انتقلت جنوبًا، بالكرّ والفرّ الذي يشهده إقليم كردفان، بعد سنتين من الاشتعال الشديد في الإقليم الأوسط، الذي يشهد هدوء الأوضاع وعودة للنازحين إلى ديارهم التي فارقوها مع وصول طلائع قوات الدعم السريع المتقدمة من العاصمة الخرطوم.

الكلمات المفتاحية

البيت الأبيض الأميركي .jpg

اجتماعات واشنطن.. هل تتفق على وقف حرب السودان؟

تعتزم الولايات المتحدة استضافة اجتماعات على مستوى وزراء خارجية "دول الرباعية" التي تضم واشنطن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، لمناقشة سبل وقف الحرب في السودان، نهاية هذا الشهر.


كردفان

كر وفر في أم صميمة.. استعار الاشتباكات في شمال كردفان

في شمال كردفان، تدفع قرى صغيرة على الطرقات الرابطة بين مناطق الدعم السريع وسيطرة الجيش، ثمن انتقال المعارك من العاصمة الخرطوم وإقليم الوسط إلى غرب وجنوب السودان


اللاجئين السودانيين في أوغندا (إنترنت)

تجدد الهجوم على مخيم اللاجئين السودانيين في أوغندا

تطورت أحداث العنف في مخيم كرياندنغو شمالي أوغندا بشكل متسارع، وكررت مجموعة تحمل الأسلحة البيضاء الهجوم على المخيم الذي يؤوي عشرات الآلاف من اللاجئين السودانيين للمرة الثانية السبت 12 تموز/يوليو 2025.


نساء في مدينة الفاشر

الفاشر تحت الحصار.. آلاف السكان يعيشون على شفا الموت

منذ نحو 400 يوم، تفرض قوات الدعم السريع حصارًا مطبقًا على مدينة الفاشر، مما أدى إلى منع وصول الغذاء والدواء إلى نحو 500 ألف مواطن يعيشون في أوضاع إنسانية كارثية.

الطقس 2.jpg
أخبار

13 إصابة بينها حالتا وفاة بضربات الشمس بولاية البحر الأحمر

كشفت اللجنة الفنية للطوارئ الصحية بوزارة الصحة ولاية البحر الأحمر، عن تسجيل 13 حالة إصابة بضربات الشمس، بينها حالتا وفاة بولاية البحر الأحمر.

سيول في السودان
أخبار

سيول مفاجئة تتسبب بنزوح عشرات الأسر في شمال دارفور

أعلنت مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة أن السيول الناجمة عن أمطار غزيرة اجتاحت بلدة دار السلام في ولاية شمال دارفور خلال يومي 14 و15 تموز/يوليو الجاري


الدولار-الامريكي-1280x720.jpg
اقتصاد

زيادة جديدة في الدولار الجمركي تحدث سخطًا في أوساط المستوردين بالسودان

قال متعاملون في التخليص الجمركي، إن الحكومة نفذت زيادة جديدة في التعرفة الجمركية الخاصة بعمليات الاستيراد، برفع القيمة من ألفي جنيه إلى 2400 جنيه اليوم الأربعاء.

جانب-من-لقاء-الهلال-والمريخ-أرشيفية.jpg
أخبار

الهلال والمريخ يعتذران عن خوض نهائي كأس السودان

أعلن ناديا الهلال والمريخ في بيان مشترك، أمس الثلاثاء، اعتذارهما عن خوض مباراة نهائي كأس السودان، المقررة في 26 تموز/ يوليو الجاري على ملعب بورتسودان، مبررين ذلك بجملة من التحديات التي رافقت مشاركتهما في البطولات خلال فترة الحرب.

الأكثر قراءة

1
أخبار

احتواء أزمة بين الجيش والقوة المشتركة في سوق صابرين بأم درمان


2
أخبار

النيابة بالشمالية تكشف تفاصيل الهجوم المسلح على قسم شرطة في دنقلا العجوز


3
أخبار

مجلس السيادة يُشكل لجنة عليا لتهيئة الخرطوم وعودة المواطنين


4
أخبار

الحكومة تحدد مواعيد استبدال العملة في ولاية الجزيرة


5
أخبار

الجيش والمشتركة يتمكنان من التصدي لهجوم على الفاشر