08-سبتمبر-2020

المناطق التي سلمت من مياه الفيضان لن تسلم من تبعاته الاقتصادية والصحية (Getty)

لم تلتقط الحكومة الانتقالية أنفاسها من جائحة كورونا وتدابير الإغلاق الكلي الذي قلص الإيرادات الضريبية إلى النصف تقريبًا، حتى وجدت نفسها في قلب الفيضانات والسيول التي دمرت ما يفوق آلاف المنازل في (16) ولاية من ولايات السودان الـ(18)، ما اضطر الحكومة لإعلان حالة الطوارئ واستنفار الجهود الرسمية والشعبية لدرء آثار الكارثة الوطنية.

محلل اقتصادي: الأضرار فادحة جراء انهيار آلاف المنازل وغمر المياه للمزارع

وتتخوف الحكومة الانتقالية من الأضرار الاقتصادية التي قد تخلفها الفيضانات جراء المياه التي غمرت مساحات زراعية شاسعة أغلبها مزارع وبساتين لإنتاج الفواكه، سيما في ولايات سنار ونهر النيل والشمالية وأجزاء من العاصمة الخرطوم.

اقرأ/ي أيضًا: "الصحة" تتوقع أوبئة وحميات نتيجة للفيضان وتحذر من تهالك النظام الصحي

المناطق والقرى التي غمرتها المياه تعتمد على الزراعة والرعي أيضًا. والمراعي الخصبة أيضًا لم تنجُ من الفيضانات، حيث أظهرت بعض الصور المتداولة على المنصات الاجتماعية، أظهرت شبانًا يقتادون الماشية لإنقاذها من الغرق، وربما كان الدافع الأول البقاء أحياء لكليهما لتفادي الخسائر الاقتصادية في مجتمعات تعتمد على الماشية لمقابلة متطلبات الحياة.

كيف تحول السودان إلى "أراض خصبة للفيضانات؟" هذا السؤال يطرحه المحلل الاقتصادي محمد إبراهيم، والذي يحذر من تكرار الكوارث سنويًا بعودة المتضررين إلى مناطقهم التي غمرتها المياه.

هدمت الفيضانات والسيول عشرات الآلاف من البيوت في العاصمة والولايات
هدمت الفيضانات والسيول عشرات الآلاف من البيوت في العاصمة والولايات

 وأشار ابراهيم في تصريح لـ"الترا سودان"، إلى أن المناطق التي غمرتها المياه ستكون هي المتنفس الطبيعي لنهر النيل وروافده، وبالتالي العودة إليها للسكن مرة أخرى يعني العودة إلى جوف النيل والغرق مستقبلًا، لأن الفيضانات تتزايد سنويًا في ظل التغيرات المناخية.

ويوضح إبراهيم أن السودان يفتقر لأجهزة الإنذار المبكر وتوقعات المخاطر، وحتى وصول الفيضانات كان العديد من المواطنين في منازلهم، آملين أن تكتب لهم النجاة.

ويضيف: "السكن على مسافة (5-6) كيلومترات من النيل بالتأكيد سيضعك في قلب الفيضان، حتى المتاريس التي يتم تشييدها بواسطة الشباب، يتم تشييدها على مسافة قريبة من الفيضان".

ويعتقد إبراهيم أن الأضرار الاقتصادية فادحة جدًا جراء الدمار الذي طال حوالي (100,000) منزل بحسب إحصائيات مجلس الأمن والدفاع السوداني.

 ويتابع: "هذا رقم كبير جدًا، وتشييد المنازل مكلف للغاية، وبقاء المواطنين في مخيمات الإيواء يكلف أكثر، لأن المواطن هنا اعتاد على أنماط معينة من السكن، وبالتالي يجب أن تبحث الحكومة خطة جديدة لاستيعاب المتضررين في مخططات جديدة تبعدهم من النيل والأودية، وتوفر لهم مساكن لائقة بحيث يتم تفادي المخاطر مستقبلًا" ويحذر قائلًا: "العام القادم سيكون أسوأ من الحالي ما لم تتخذ تدابير عالية على المستوى الحكومي، وطبعًا لن يحدث هذا لأن الوضع الاقتصادي لوضع خطط مستقبلية لا يسمح لمتخذي القرار بوضع حلول جذرية".

ورغم انخفاض منسوب النيل الساعات الماضية، انتقلت المخاوف الحكومية إلى صعوبة مواجهة آثار الفيضان، فوزير الصحة الاتحادية أطلق تحذيرات من ظهور وبائيات وحميات خلال الأيام القادمة ناتجة عن الفيضانات.

ويرى الاقتصادي معتصم الأقرع في حديثه لـ"ألترا سودان"، أن الفيضانات تسببت في خسائر كبيرة بتدمير المباني والزراعة وتعطيل العمل، وبالتالي على الحكومة السودانية التي لا تملك موارد مالية أن تطلب مساعدة المنظمات الأجنبية وتبرعات السودانيين بالخارج.

وينصح الأقرع بإعفاء المزارعين والمنتجين الذين تضرروا من الفيضانات من الضرائب والرسوم والديون، بجانب توفير الدعم المادي والعيني لإعادتهم مرة أخرى إلى النشاط الزراعي بتوفير القروض الميسرة والمدخلات.

ويرى معتصم الأقرع أن المزارعين على الشريط النيلي تضرروا من دمار زراعتهم جراء الفيضانات، لأن أغلب المساحات أو جميعها يبدو أنها لم تنجُ من المياه التي غمرت جميع المساحات القريبة من النيل.

كما لا يخفي الأقرع قلقه من التكلفة العالية لمواجهة الآثار الصحية الناتجة عن المياه الراكدة، مشيرًا إلى أن الأمراض ومكافحتها مكلف ماليًا. 

وغمرت المياه الأراضي الزراعية بمنطقة طوكر شرق السودان، وحاصرت المنازل والمزارع بالكامل، حتى اضطرت الحكومة إلى إعلانها منطقة كوارث نهاية الأسبوع المنصرم، وهي مدينة تعاني أصلًا من انعدام البنى التحتية، ولم تحدث فيها أي تنمية تذكر منذ نشأتها، وتعتمد على زراعة الخضروات من المياه الموسمية، لكن يبدو أن مزارعيها خسروا كل شيء تقريبًا.

 أما في مدينة سنجة بولاية سنار، فيبدو أنها ستحتاج إلى وقت طويل لاستئناف الحياة، فالمدينة التي يحدها النيل الأزرق شرقًا، وجدت نفسها في قلب الفيضان الذي أغرق ثلاثة أحياء كبيرة وشرد ثلاثة آلاف شخص ودمر المنازل.

أتت الفيضانات والسيول في ظل أزمة طاحنة تعصف باقتصاد البلاد
تأتي الفيضانات والسيول في ظل أزمة طاحنة تعصف باقتصاد البلاد

بينما طالت الفيضانات مزراع في ولايتي نهر النيل والشمالية، إذ أن العائلات التي تعتمد على المزارع في الشمالية وجزرها؛ خسرت المحاصيل التي كانت تتوقع حصادها في نهاية الموسم، والآن تعتمد على الإغاثة من الجمعيات والمبادرات، وتحولوا من منتجين إلى متلقي إعانات.

وحجبت الفيضانات آمال قاطني المناطق المتضررة بولاية الخرطوم، وحولت منازلهم التي شيدت من أموال طائلة إلى ركام، حيث فضلوا حمل ماخف وزنه وغلا ثمنه للوصول إلى اليابسة والإقامة في المخيمات.

اقرأ/ي أيضًا: لجان مقاومة تتهم قياديين في التجمع الاتحادي بالتآمر عليها وتهدد بالتصعيد

ويقول عضو مبادرة نفير محمود إسماعيل في حديثه لـ"الترا سودان"، لم يتبق من مدينة سنجة ولاية سنار موقعًا نعتبره ناجيًا من الفيضانات، والتي لاحقت أجزاء من مدينة السوكي وقرية أم بنينة ودمرتها بالكامل".

 كارثة الفيضانات غير المسبوقة لهذا العام، سيكون لها آثارها الاقتصادية الكارثية بنفس القدر

من الواضح أن كارثة الفيضانات غير المسبوقة لهذا العام، سيكون لها آثارها الاقتصادية الكارثية بنفس القدر في ظل الأوبئة المتوقعة وخسارة الناس لمنازلهم وممتلكاتهم بالإضافة لمحاصيلهم الزراعية. وهي كارثة تأتي في ظل واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلاد مع انخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الصعبة والآثار الاقتصادية محليًا وعالميًا لجائحة كورونا التي هزت الاقتصاد العالمي.

اقرأ/ي أيضًا

حاكم شمال كردفان يعفي مدراء تنفيذيين بمحليات الولاية ويعين آخرين

في أول زيارة له.. حمدوك يصل سنجة لمؤازرة متضرري الفيضانات