بدأت البنوك في الولايات الواقعة تحت سيطرة الجيش استبدال فئتي الـ(500) جنيه و(1000) جنيه مقابل وضع المبالغ في حسابات مصرفية، مع اتخاذ تدابير مرنة للسماح للمواطنين بإنشاء حسابات مصرفية، بهدف استقطاب الأموال من القطاع التقليدي إلى القطاع المصرفي، الذي يشكل النسبة الأكبر من التعاملات المالية.
لم تشهد البنوك ازدحامًا، فيما يعزو اقتصاديون عدم الإقبال إلى شح المال في أيدي المواطنين
في ذات الوقت، أعلن بنك السودان أن إجراءات استبدال العملتين المستهدفتين شملت جميع المدن الكبيرة والآمنة نسبيًا، وأبرزها: بورتسودان، وكسلا، وعطبرة، وحلفا الجديدة، والقضارف، ووادي حلفا، ودنقلا، وبربر، وكريمة. بينما لم تشمل العملية العاصمة الخرطوم، وأجزاء من النيل الأبيض، وولايات كردفان، وإقليم دارفور.
يستهدف البنك المركزي السوداني استبدال العملات من فئتي الـ(500) و(1000) جنيه، ليصل إلى مرحلة مناسبة خلال مطلع العام 2025، على أن تبدأ عملية مالية تعتمد على الحسابات المصرفية بدلًا من الأوراق النقدية المتداولة.
وصف خبراء اقتصاديون طرح فئتين نقديتين جديدتين من قبل البنك المركزي من العاصمة المؤقتة بأنها "حرب العملات" بين الجيش وقوات الدعم السريع. في المقابل، سارع البنك المركزي، الثلاثاء 10 كانون الأول/ديسمبر 2024، إلى إبراء ذمة الأوراق النقدية المتداولة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، حتى لا يضطر الطرف الآخر إلى خطوات أحادية، وفق خبراء اقتصاديين.
صرح الباحث في القطاع المصرفي محمد عوض لـ"الترا سودان" أن استبدال العملة يمثل جزءًا يسيرًا من الأزمة الكلية في الاقتصاد، الذي تأثر بالشلل التام منذ اندلاع الحرب قبل (20) شهرًا. وأضاف أنه لا توجد مصادر تمويل، سواء من المؤسسات الدولية أو الناتج المحلي الإجمالي المتمثل في الأسواق والصناعات والإنتاج الزراعي.
وأوضح عوض أن البنوك لم تشهد ازدحامًا كثيفًا كما كان يحدث قبل سنوات في مثل هذه اللحظات عندما تقرر الحكومة استبدال العملة، لأن غالبية المواطنين لا يملكون المال ليتوجهوا للاستبدال، والمتوفر القليل بحوزتهم يشترونه للطعام والدواء والسكن. وأشار إلى أن الكتل المالية المستهدفة بالاستبدال توجد عادة في الأسواق، التي توقفت عن العمل وخارج نطاق الخدمة منذ اندلاع القتال.
وأردف: "هذه الروشتة الاقتصادية كانت تجذب تجار الأسواق في العاصمة الخرطوم، التي تُعد مركز المال، إذ تستحوذ على 70% من الكتلة النقدية في البلاد. إلا أنها توقفت منذ (20) شهرًا بسبب الحرب، وأغلب الكتلة المالية إما نُهبت أو نُقلت إلى خارج البلاد في شكل عملات أجنبية".
ويرى عوض أن الحكومة درجت على اتخاذ الحلول بالطرق الدعائية والسياسية، بدلًا من مواجهة الأزمة مباشرة. وأكد أنه لا يمكن إصلاح السياسات المالية والنقدية دون المرور عبر بوابة وقف الحرب وإنهاء الصراع المسلح، الذي قضى على مناطق الإنتاج في وسط البلاد وأوقف الأوضاع كليًا في العاصمة الرئيسية.
تُقدّر الكتلة النقدية المتداولة قبل اندلاع الحرب بنحو (900) تريليون جنيه سوداني. وانعكس الصراع المسلح على البنوك والوكالات المالية، حيث توقفت 55% من البنوك في العاصمة السودانية، فيما توقفت أكثر من (445) وكالة من أصل (895) في الولايات التي تشهد عمليات عسكرية.
شهدت بعض البنوك في مدينة وادي حلفا بالولاية الشمالية، الواقعة قرب الميناء البري بين السودان ومصر، إقبالًا طفيفًا من المواطنين لإيداع الأموال النقدية المستبدلة. كما طُرحت الأوراق النقدية الجديدة في السوق الرئيسي من فئتي الـ(500) و(1000).
يشدد البنك المركزي على ضرورة تسخير كافة الإمكانيات في الولايات المستهدفة لاستبدال العملة، مع مراقبة العملية بواسطة لجنة مكونة من الحكومة المحلية والأجهزة الأمنية والعسكرية ووحدات التحريات المالية.
تقول رويدة، التي تدير متجرًا في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، إن الحرب نقلت المواطنين إلى ثقافة استخدام التطبيقات المصرفية الأكثر انتشارًا في السودان. وأوضحت أن المواطنين اعتمدوا على التحويلات المالية نظرًا للوضع الأمني والعسكري.
وأضافت: "بسبب صعوبة الحركة أثناء الحرب، والحاجة إلى الحصول على المساعدات سريعًا، استبدل المواطنون حركة الأموال من التعامل النقدي المباشر إلى تلقي التحويلات عبر التطبيقات المصرفية. لذلك، فإن حركة استبدال العملة لن تكون كبيرة، خاصة أن الغالبية لا يملكون مدخرات مالية".
باحث: تغيير العملة وتشجيع الناس على الخدمات المصرفية إجراء صحيح، لكنه يتطلب أن يشعر الجمهور بأن الاقتصاد يُدار بصورة طبيعية، وليس كاقتصاد حرب
فيما يرى الباحث محمد عوض أن تغيير العملة وتشجيع الناس على الخدمات المصرفية إجراء صحيح، لكنه يتطلب أن يشعر الجمهور بأن الاقتصاد يُدار بصورة طبيعية، وليس كاقتصاد حرب. وأشار إلى أن التطبيقات المصرفية المستخدمة مقتصرة على المدن التي تتوفر فيها خدمات نسبية من الإنترنت والاتصالات، مما يجعل تعميم التجربة في جميع الولايات أمرًا صعبًا.
أوضح عوض أن استبدال العملة كلف الحكومة نحو (70) مليون دولار، حيث جرت عملية الطباعة في دولة خارجية بسبب وقوع مطابع العملة في نطاق العمليات الحربية بالعاصمة الخرطوم منذ منتصف نيسان/أبريل 2024.
ورجح عوض أن تتدرج الحكومة في استبدال جميع العملات، خاصة الفئات الصغيرة، خلال العام القادم. وأكد أن طباعة فئتين جديدتين تعكس خطة طويلة المدى لإلغاء العملات القديمة، بهدف إحكام السيطرة على السياسات المالية.