إدلب السودانية؟.. دارفور في قلب رهانات الدعم السريع
1 مايو 2025
بدأت فكرة هذا التحليل من تغريدة لمدوّن سوداني توقّع فيها أن يتخذ الدعم السريع من دارفور نموذجًا شبيهًا بـ"إدلب السورية": منطقة انسحاب مؤقت، إعادة ترتيب للصفوف، ثم عودة إلى الانتشار الواسع والسيطرة. بدت المقارنة للوهلة الأولى بعيدة، نظرًا لاختلاف السياقيين السوداني والسوري، فالحرب في السودان هي حرب استتباع بأدوات محلية، أما في سوريا فكانت ثورة مسلحة ضد نظام الأسد، وشتان ما بين الحرب ضد الدولة والحرب ضد النظام.
والحديث هنا عن مقاربة الأوضاع العسكرية والميدانية، وليس في تعريف الحرب، فعند تأمل تحركات الدعم السريع الأخيرة في دارفور، تصبح الفرضية أكثر واقعية.
الحسم في دارفور لا يرتبط فقط بحسم عسكري ميداني بل هو معركة سيادية وجودية ستحدد مستقبل الدولة السودانية
فالهزيمة في وسط السودان- في الخرطوم، والجزيرة، وسنار- قد لا تكون النهاية، بل بداية لمرحلة جديدة. فهناك تقارير عن خط إمداد مفتوح عبر مطار نيالا، وحصول الدعم السريع على مسيّرات استراتيجية ومنظومات دفاع جوي، إلى جانب تحركات في الصحراء الغربية لإعادة فتح خطوط الإمداد مع ليبيا، بعد أن كانت قد قُطعت من قبل القوة المشتركة المتحالفة مع الجيش. كلها مؤشرات على استعداد الدعم السريع للتموضع غربًا، حيث يملك نفوذًا أقدم، تمهيدًا لمعركة لاحقة.
وتبدو الفاشر اليوم في قلب هذه الحسابات، مع تزايد المؤشرات على أن السيطرة عليها قد تمثّل مدخلًا لإعلان سلطة أمر واقع في دارفور، خصوصًا بعد توقيع عبد العزيز الحلو على "تحالف التأسيس" الذي يهدف لإعلان حكومة موازية في السودان. مع رصد لتحركات قوات مشتركة من الحركة الشعبية والدعم السريع في جنوب كردفان والنيل الأزرق بهدف شد الأطراف وفتح جبهات جديدة ضد الدولة وجيشها تمهيدًا للتمدد في عموم كردفان.
في المقابل، يواصل الجيش السوداني تحركاته بثقة متزايدة، بعدما صمد بشكل لافت منذ الأيام الأولى للحرب. ورغم أن الدعم السريع سيطر على معظم العاصمة خلال ساعات، فإن الجيش قلب المعادلة بعبوره الكباري في 26 أيلول/سبتمبر 2024، ثم توالت انتصاراته في الخرطوم، الجزيرة، وسنار، وصولًا إلى السيطرة على أم روابة والرهد، وفك حصار الأبيض عبر متحرك الصياد.
وتشير تقارير إلى استعدادات لعملية برية واسعة في كردفان ودارفور، مع تعزيز قدرات الجيش بأسلحة جديدة. ورغم استعانته بقوات مساندة مثل كتائب البراء ودرع السودان والمستنفرين، يظل الجيش هو صاحب القرار والسيطرة على الأرض.
صراع بهذه الدرجة من العنف والانتهاكات لا يمكن اختزاله في معادلات "الحواضن"، بل يتطلب فهمًا أعمق لبنية القوة والعنف والإكراه
إلى جانب ذلك، التحولات الأخيرة غيّرت مواقف شرائح واسعة من المواطنين، الذين باتوا يعبّرون عن رفضهم لانتهاكات الدعم السريع ويدعمون ما يعتبرونه استعادة للدولة. وهذا ليس بالضرورة تحوّلًا في "الحاضنة الاجتماعية" كما يروّج البعض، بل انعكاس لتغيّر المزاج العام استنادًا إلى الوقائع والممارسات.
ومن أبرز الخطابات التضليلية التي استثمرتها مليشيا الدعم السريع خلال هذه الحرب هو خطاب "الحواضن الاجتماعية"، وهو توصيف يُستخدم لتبرير وجودها في مناطق بعينها، أو لتجنيد السكان المدنيين بالقوة أو الترغيب، عبر تصوير الصراع كحرب وجودية تستهدف مكونات بعينها. لكن هذا الخطاب، بالإضافة إلى زيفه الأخلاقي، يخدم في جوهره أهدافًا استراتيجية تتعلق بإعادة تعريف الحرب على أسس إثنية، وتفكيك فكرة الوطن الجامع.
وتَروّج بعض الأذرع الأمنية داخل أجهزة الدولة لهذا الخطاب أيضًا، أحيانًا من منطلقات عنصرية، أو لتبرير سياسات التهميش والحرمان من الحقوق الأساسية، كالجنسية والتعليم، ضد مجموعات اجتماعية تعيش في الهامش. غير أن الواقع الميداني يُكذّب هذا التوصيف؛ ففي غالب هذه المناطق، ما إن تستعيد القوات المسلحة السيطرة حتى يخرج المواطنون للاحتفال والترحيب، ما يشير إلى أن دعم المليشيا لا يعكس توجهًا مجتمعيًا عامًا، وإنما فرضًا بالقوة أو استغلالًا لحالة الفراغ الأمني.
فالمليشيا التي نخوض ضدها هذه الحرب ليست ابنة بيئة اجتماعية محددة، بل منظومة عسكرية – أمنية تم تكوينها بعناصر عابرة للحدود، ومرتزقة، وتغذية خارجية، واستخدام واضح ضمن مشروع إقليمي ودولي يهدف لإعادة هندسة الدولة السودانية وتفكيكها. وبالتالي، فإن أي خطاب يسعى لتوصيف المليشيا من منطلق عرقي أو مناطقي هو في حقيقته تواطؤ غير مباشر مع مشروع الاستتباع الإقليمي، لا سيما المشروع الإماراتي.
وكما قال الدكتور أسامة عيدروس بوضوح في لقاء على قناة الجزيرة: "ما في شي اسمو حاضنة اجتماعية؛ هؤلاء أهلي!"، فإن بناء الدولة السودانية الحديثة لن يتحقق ما لم نكفّ عن إعادة إنتاج الخطابات التي تُقسّم المجتمع على أسس ما قبل وطنية. فالدعم السريع ليس تعبيرًا عن مجتمع، بل عن مشروع إجرامي عابر للدولة، ورفضنا لخطاب الحواضن الاجتماعية هو التزام أخلاقي ومعرفي بمشروع بناء أمة سودانية حديثة على أساس المواطنة والعدالة.
هذا يُبرز الحاجة إلى خطاب وطني أكثر دقة وإنصافاً، يرفض تصنيف المجتمعات على أساس الولاء القسري، ويتعامل مع الحرب بوصفها حالة فرض لا خياراً حراً. فصراع بهذه الدرجة من العنف والانتهاكات لا يمكن اختزاله في معادلات "الحواضن"، بل يتطلب فهمًا أعمق لبنية القوة والعنف والإكراه.
وبالعودة إلى مقاربة إدلب السورية، فالسودان يختلف جذريًا عن المشهد السوري؛ فدارفور، التي كانت تاريخيًا مسرحًا للنزاعات، باتت اليوم أكثر وعيًا بخطر عسكرة المجتمع وتفتيته. المقاومة الشعبية المتزايدة لانتهاكات الدعم السريع، مع صلابة الجيش السوداني الذي راكم خبرة قتالية في معارك الخرطوم والجزيرة وكردفان، يجعل من سيناريو إقامة كيان دائم في دارفور أمرًا محفوفًا بالمخاطر. أي محاولة لفرض واقع إدلب سودانية ستصطدم بممانعة شعبية حقيقية، وحملة عسكرية محتملة لاستعادة السيطرة، مدعومة بتيار وطني واسع يرفض تفكيك السودان.
أي محاولة لفرض واقع إدلب سودانية ستصطدم بممانعة شعبية حقيقية وحملة عسكرية محتملة لاستعادة السيطرة
إلى جانب ذلك، تحركات الدعم السريع لا تتم بمعزل عن رعاية إقليمية مكشوفة، في مقدمتها الدعم الإماراتي، الذي يرى في تفكيك السودان فرصة لتعزيز نفوذه الجيوسياسي في القرن الأفريقي. فاستمرار السماح ببقاء "جيب دارفور" سيكون تهديدًا مباشرًا لوحدة السودان، وفتحًا لباب التدخلات الأجنبية عبر أدوات محلية. لذلك، فإن الحسم في دارفور لا يرتبط فقط بحسم عسكري ميداني، بل هو معركة سيادية وجودية، ستحدد مستقبل الدولة السودانية: بين وطن موحّد قائم على المواطنة، أو فسيفساء من الكيانات المتناحرة على حدود النفوذ الإقليمي.
في نهاية المطاف، قد يحاول الدعم السريع إعادة إنتاج سيناريو إدلب في دارفور، لكن السياق السوداني مختلف جذريًا. فبين وعي المواطنين بخطر التفتيت، وصلابة الجيش، والانكشاف الإقليمي لأهداف الدعم السريع، تبدو فرص نجاح هذا السيناريو محدودة. ومع ذلك، فإن أي تراخٍ أو سوء تقدير قد يفتح الباب أمام كارثة وطنية يصعب احتواؤها.
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"
الكلمات المفتاحية

هل تحالف "صمود" قابل للإصلاح؟
بما أن تحالف "صمود" يرغب في سماع الآراء المخالفة، يجب عليه الوضع في الاعتبار أن الإصلاح، بالنسبة للقوى المدنية المنخرطة في البحث عن الحكم المدني والديمقراطية، يمكن أن يحدث إذا تحملت "عملية جراحية قاسية"، وقررت العودة إلى نقطة الصفر عند حدود ثورة ديسمبر، ومراجعة التحالفات التي ارتُكبت فيها أخطاء فادحة

الإسلاميون في السودان.. من الشعارات إلى واقع الانهيار
لم ينتظر الإسلاميون كثيرًا عقب سقوط نظامهم، فانخرطوا في معارضة السلطة الانتقالية التي ورثت كثيرًا من التحديات على عدة أصعدة؛ أبرزها تعدد الجيوش، والانهيار الاقتصادي، والديون الهائلة التي ظلت تتراكم، وملف العدالة

السودان.. هل يذهب نحو السيناريو الليبي؟
يعتقد كثيرٌ من السودانيين أن مآلات هذه الحرب ستشبه كثيرًا السيناريو الليبي، وأننا موعودون بنظامين يقسِّمان السودان شرقًا وغربًا؛ تكون فيه القوات المسلحة تحكم الجزء الشرقي، الذي يضم "الإقليم الشرقي والعاصمة الخرطوم ووسط السودان وبعضًا من إقليم كردفان"، بينما تتحكم مليشيا الدعم السريع في غرب السودان (ولايات دارفور وبعض من إقليم كردفان)، ويحدث وقف دائم لإطلاق النار، وتستمر الحياة هكذا.

13 إصابة بينها حالتا وفاة بضربات الشمس بولاية البحر الأحمر
كشفت اللجنة الفنية للطوارئ الصحية بوزارة الصحة ولاية البحر الأحمر، عن تسجيل 13 حالة إصابة بضربات الشمس، بينها حالتا وفاة بولاية البحر الأحمر.

سيول مفاجئة تتسبب بنزوح عشرات الأسر في شمال دارفور
أعلنت مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة أن السيول الناجمة عن أمطار غزيرة اجتاحت بلدة دار السلام في ولاية شمال دارفور خلال يومي 14 و15 تموز/يوليو الجاري

زيادة جديدة في الدولار الجمركي تحدث سخطًا في أوساط المستوردين بالسودان
قال متعاملون في التخليص الجمركي، إن الحكومة نفذت زيادة جديدة في التعرفة الجمركية الخاصة بعمليات الاستيراد، برفع القيمة من ألفي جنيه إلى 2400 جنيه اليوم الأربعاء.

الهلال والمريخ يعتذران عن خوض نهائي كأس السودان
أعلن ناديا الهلال والمريخ في بيان مشترك، أمس الثلاثاء، اعتذارهما عن خوض مباراة نهائي كأس السودان، المقررة في 26 تموز/ يوليو الجاري على ملعب بورتسودان، مبررين ذلك بجملة من التحديات التي رافقت مشاركتهما في البطولات خلال فترة الحرب.