إدانة تاريخية لكوشيب.. خطوة نحو العدالة
9 أكتوبر 2025
بعد مرور أكثر من عقدين على اندلاع الحرب في دارفور، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أول حكم لها بشأن جرائم الإقليم، بإدانة علي كوشيب، أحد أبرز قادة المليشيات المعروفة بـ"الجنجويد"، بارتكاب 27 جريمة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بين عامي 2003 و2004. وتمثل هذه الإدانة لحظة تاريخية لضحايا دارفور الذين انتظروا العدالة لما يزيد عن 22 عامًا، منذ أن أودت أعمال العنف بحياة مئات الآلاف وتسببت في نزوح الملايين.
وكانت المحكمة قد تسلمت ملف دارفور من مجلس الأمن الدولي في آذار/مارس 2005، بموجب القرار 1593، وهو أول إحالة من نوعها للمحكمة منذ تأسيسها عام 2002، ما منحها تفويضًا بالنظر في الجرائم المرتكبة في الإقليم. وفي عام 2007، أصدر المدعي العام للمحكمة مذكرات توقيف بحق علي كوشيب وأحمد هارون، ثم لاحقًا بحق الرئيس المخلوع عمر البشير ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، لتصبح دارفور واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في سجل العدالة الدولية.
بعد مداولات استمرت لأكثر من عامين، خلصت الدائرة الابتدائية الأولى إلى إدانة كوشيب بارتكاب جرائم القتل، والتعذيب، والاضطهاد، والاعتداء على الكرامة الإنسانية
وبعد مداولات استمرت لأكثر من عامين، خلصت الدائرة الابتدائية الأولى إلى إدانة كوشيب بارتكاب جرائم القتل، والتعذيب، والاضطهاد، والاعتداء على الكرامة الإنسانية، بوصفها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، سواء بصفته مرتكبًا مباشرًا أو شريكًا في الأوامر الصادرة إلى مليشيا الجنجويد خلال العمليات العسكرية في مكجر ودليج وكدوم وبنديسي.
ويُتوقع أن تعلن المحكمة في مرحلة لاحقة العقوبة التي ستُفرض على كوشيب، إلى جانب فتح إجراءات لجبر الضرر وتعويض الضحايا. كما يتيح النظام الأساسي للمحكمة لكل من الادعاء والدفاع حق استئناف الحكم أمام دائرة الاستئناف. في الأثناء، تواصل المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاتها في الجرائم التي ارتكبت في دارفور منذ اندلاع الحرب مجددًا في السودان في أبريل 2023، في ظل تفويضها القائم بالإقليم.
إنصاف للضحايا
في هذا الصدد، توضح المحامية وناشطة حقوق الإنسان أروى صابر في حديثها لـ الترا سودان أن المحكمة الجنائية الدولية اعتمدت في إدانة علي كوشيب على “التحقيقات والأدلة التي تُظهر تورطه المباشر وشركاؤه في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”، مؤكدة أن “الوقائع المقدمة أمام المحكمة توضح دور الحكومة السودانية، عبر شرطة الاحتياط المركزي، في دعم هذه الجرائم، وهو ما يجعل المسؤولية واضحة”.
وحول أهمية الحكم، تشير أروى إلى أن “الإدانة تمثل سابقة مهمة في العدالة الدولية لجرائم دارفور، إذ تُظهر أن القضاء الدولي قادر على مساءلة كبار المسؤولين حتى بعد سنوات طويلة على الجرائم”، مضيفة أن “هذا الحكم يفتح الطريق لملاحقات متهمين آخرين مثل البشير وأحمد هارون، إذا توفرت الإرادة الدولية والسياسية اللازمة لتسليمهم ومقاضاتهم”.
محامية: إذا أرادت حكومة السودان محاكمة هؤلاء المطلوبين داخليًا، فهي تحتاج إلى دولة قائمة على سيادة القانون، أو نظام محاكم مختلطة، وهو ما يعكس التحدي الكبير في مزامنة العدالة الدولية مع العدالة الوطنية
أما عن التحديات المحتملة لتنفيذ مذكرات التوقيف، فتقول صابر إن “تنفيذ هذه المذكرات صعب في ظل غياب الإرادة أو القدرة لدى حكومة بورتسودان، كما أن المحاكم السودانية الحالية غير مجهزة للتعامل مع جرائم ضد الإنسانية، سواء من حيث القوانين أو القضاة أو البنية القضائية”. وتضيف: “إذا أرادت حكومة السودان محاكمة هؤلاء المطلوبين داخليًا، فهي تحتاج إلى دولة قائمة على سيادة القانون، أو نظام محاكم مختلطة، وهو ما يعكس التحدي الكبير في مزامنة العدالة الدولية مع العدالة الوطنية”.
بوابة أمل
من جهته، يقول الباحث السياسي مصعب عيسى في حديثه لـ الترا سودان إن الحكم يمثل “خطوة نحو تحقيق العدالة للمتضررين من الحرب في دارفور، وبوابة أمل لأسر الضحايا الذين شعروا طويلاً بأن الإنصاف بعيد المنال”. ويضيف أن “مرتكبي جرائم الحرب والإبادة الجماعية يجب ألا يفلتوا من العقاب، لأن القضاء الوطني في كثير من الدول يكون عاجزًا عن محاكمتهم، بحكم نفوذهم وسلطتهم، ولولا هذا النفوذ لما تمكنوا من ارتكاب أفعال منافية للفطرة والطبيعة الإنسانية”.
ويشير إلى أن “علي كوشيب مجرم وكان لا بد أن يُحاسب”، داعيًا المحكمة إلى “محاكمة قادته وداعميه من رموز النظام البائد الذين وفروا له الغطاء والدعم”. ويعتبر أن “هذه مسؤولية كبرى تقع على عاتق المحكمة بوصفها جهة قضائية دولية هدفها إنصاف المظلومين في كل مكان بالعالم”.
ويوضح عيسى أن “عددًا من الدول لا يعترف بالمحكمة الجنائية الدولية ولم يوقّع على نظام روما الأساسي، بسبب شكوك تتعلق بحيادها وازدواجية تعاملها مع الانتهاكات في العالم، خاصة في سنواتها الأولى”. لكنه يرى أن “زيادة عدد الدول المعترفة بالمحكمة يصب في مصلحتها ومصلحة العدالة الدولية على حد سواء، إذ يرتبط ذلك بعامل الثقة وبما تقدمه المحكمة من ضمانات وحياد يبعدها عن التوجهات السياسية”.
ويضيف أن “الإدانة يجب أن تفتح الباب أمام ملاحقات أخرى بحق المتهمين بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان”، مشيرًا إلى أن “السودانيين ما زالوا يشاهدون في هذه الحرب انتهاكات يدفع ثمنها الأبرياء الذين لا ناقة لهم فيها ولا جمل”.
ويرى عيسى أن “المجتمع الدولي لا يخلو من تأثيرات توازن القوى والأجندات السياسية، بدءًا من الأمم المتحدة ومؤسساتها الفرعية، وصولًا إلى المحكمة الجنائية نفسها، التي قد تتأثر بذلك بشكل أو بآخر، لكن رغم ذلك فإن وجود مثل هذه المؤسسات يظل مهمًا”.
باحث: الحكم ربما يشكل رسالة سياسية لطرفي النزاع في السودان بأن الملاحقة الدولية قادمة في ظل التعنت والإصرار على استمرار الحرب
ويتابع أن “الحكم ربما يشكل رسالة سياسية لطرفي النزاع في السودان بأن الملاحقة الدولية قادمة في ظل التعنت والإصرار على استمرار الحرب”، موضحًا أن “استمرار القتال يعني استمرار الانتهاكات”.
ويؤكد أن “الجانبين عرضة فعلًا للمساءلة الدولية، فقد أثبتت التقارير انتهاكهما لحقوق الإنسان في هذه الحرب، إضافة إلى الجرائم السابقة في دارفور وفض اعتصام القيادة العامة الذي فشلت لجنته في أداء مهمتها بسبب الضغوط السياسية”.
وحول العلاقة بين التسوية والمحاسبة، يقول عيسى إن “المتورطين في الجرائم لديهم تخوفات حقيقية من الملاحقة، وقد يسعون إلى تسويات سياسية مقابل الإفلات من العقاب، لكن التسوية لا تعني بالضرورة عدم المحاكمة، لأنها مسألة سياسية، بينما الملاحقة الجنائية مسار قضائي، ويتطلب الأمر توازنًا في إدارة الملفين دون الإخلال بحق الضحايا في العدالة”.
ويختم بالقول إن “التعويل على المجتمع الدولي في حل القضايا الداخلية يظل محدودًا مهما كان تأثير تلك المؤسسات، فمسؤولية وقف الحرب وتحقيق العدالة تقع أولًا على عاتق الشعوب نفسها، لأنها الأدرى بمصيرها والأحرص على مستقبلها”. ويدعو إلى “التركيز على إيقاف الحرب وبناء مؤسسات مدنية وقضائية نزيهة قادرة على المحاكمة مستقبلاً”، معتبرًا أن “توقيت محاكمة كوشيب يحمل رسالة إلى طرفي النزاع وإلى القوى المدنية بضرورة التمسك بالعدالة الانتقالية واستثمار الضغط الدولي لصالح عملية السلام والتحول المدني الديمقراطي”.
في النهاية، يُعد حكم المحكمة الجنائية الدولية بحق علي كوشيب خطوة مهمة على طريق العدالة، لكنه أيضًا تذكير مؤلم بعمق الجراح التي لم تلتئم بعد. فدارفور لم تنل سلامها بعد، والبلاد بأسرها ما زالت تغرق في دورة عنف جديدة. وبينما يحتفي البعض بانتصار العدالة، يتساءل آخرون عمّا إذا كانت هذه العدالة قادرة فعلاً على تغيير واقعٍ تحكمه “المليشيات” والسلاح، أم أنها ستظل شاهدًا رمزيًا على مأساة لم تنتهِ بعد.
الكلمات المفتاحية

تصاعد القتال في بابنوسة وزيارة أممية تبحث حماية وإغاثة المدنيين
يشهد السودان تحولًا في المسار الإنساني بالتزامن مع تصاعد الهجمات العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع في إقليم كردفان، بينما يبحث أرفع مسؤول بالأمم المتحدة، الذي وصل البلاد قادمًا من نيويورك، مساري حماية المدنيين خلال النزاع المسلح إلى جانب إيصال المساعدات الإنسانية إلى المتأثرين بالحرب.

هل تُفسر تصريحات وزير الخارجية الأميركي ضمن الرسائل الساخنة إلى حميدتي؟
لم تكن تصريحات وزير الخارجية الأميركي، على هامش قمة الدول الصناعية الكبرى في كندا مساء الأربعاء 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، مجرد حديثٍ عابر، بل يضعها مراقبون دبلوماسيون وسياسيون ضمن خانة "الرسائل شديدة اللهجة" إلى قوات الدعم السريع والحلفاء الإقليميين، للتوقف عن إشعال الصراع المسلح في السودان.

بابنوسة في مرمى النيران.. هل تتجه نحو مصير الفاشر؟
عادت مدينة بابنوسة إلى الواجهة بعد هدوء استمر لأشهر، لتصبح بؤرة ساخنة في الحرب السودانية. وتصدّرت المشهد الحربي في غرب كردفان، عقب هجوم قوات الدعم السريع على مواقع الجيش في المدينة من عدة محاور.

بين المخاوف والآمال.. انقسام سوداني حول هدنة الرباعية الدولية؟
منذ إعلان دول الرباعية، التي تضم الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، الدفع بمقترحات لهدنة إنسانية بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2025، وتسليم الجانبين المسودة المتعلقة بوقف إطلاق النار للأغراض الإنسانية، يتصدر الشبكات الاجتماعية جدل واسع بين السودانيين حول جدوى الهدنة.

التعليم العالي تعيد خدمات التقديم والتوثيق إلى مقرها الرئيس بالخرطوم
أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، اليوم الأحد 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، عودة جميع خدمات التقديم الإلكتروني وتوثيق الشهادات إلى المقر الرئيس للإدارة العامة للقبول بشارع الجمهورية في الخرطوم

الجيش السوداني يدعو دول الإقليم إلى منع تدفّق الأسلحة للدعم السريع
دعا الجيش السوداني دول الإقليم إلى تحمّل مسؤولياتها ومنع تدفّق الأسلحة إلى الميليشيات والمجموعات غير الشرعية، محذّرًا من أن هذا الاتجاه يشكّل خطرًا على دول المنطقة.

سلوى بنية: الدعم السريع لم تلتزم بقرار رفع الحصار عن المدن
أكدت مفوضية العون الإنساني في السودان، اليوم الأحد 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، أن قوات الدعم السريع لم تلتزم بقرار رفع الحصار عن المدن.

المبعوث الأفريقي للإبادة الجماعية يصل البلاد لإجراء مباحثات رسمية
يبدأ مبعوث الاتحاد الأفريقي لمنع الإبادة الجماعية، السيد أداما دينق، زيارة رسمية للبلاد تستمر أربعة أيام، يلتقي خلالها عددًا من المسؤولين في وزارات الخارجية والعدل والشؤون الدينية، إلى جانب النائب العام.
