02-يناير-2020

من جداريات الثورة (الترا سودان)

أيقونات الثورة السودانية هي وجوه جديدة وخلفها تاريخ نضالي كثيف، لها إسهامات كبيرة في سقوط النظام البائد. أحبها الشعب السوداني وردد أغانيها، يخفون خلفهم قصصًا وحكايات لا يعرفها كثيرون، وآمالًا كبيرة غايتها بناء سودان جديد على أساس شعارات الثورة (حرية، سلام وعدالة). من استمعنا إليهم في هذه المساحة هم جزء ضئيل من أيقونات الثورة السودانية، ولعل العدد الأكبر من قصص أبطال الثورة لم تُرو ولم تُسمع بعد، لكن فلتكن هذه هي بداية لسرد قصصهم والاستماع للحظات حاسمة في عمر الثورة ونجاحها.

الثورة ابتدأت منذ (30) عامًا

صفاء توتو: الثورة لم تفتح ملف قضايا الأرض والإنسان، وتحول إنسان النوبة لنازح بعد سرقة مشاريعه وتدمير موطنه الأصلي

عاشت السيدة أماني حضرة، حياةً مليئةً بالنضال وتجارب الاعتقال، كان والدها مصادمًا شرسًا لنظام الرئيس السوداني الراحل جعفر نميري، وعانى مع أسرته من الملاحقة الأمنية الدائمة، وأخوها تردد على زنازين الإنقاذ منذ بداية توليها للسلطة، وتم اعتقاله في الحراك الأخير ومنعت عنه الزيارة.

اقرأ/ي أيضًا: مترجم: "حميدتي" يتحدث عن الإبادة الجماعية والذهب والحروب الخارجية

تعاني أماني من كسر في القدم وأمراض القلب، لكنها لم تستسلم، ودخلت محيط القيادة العامة منذ أول لحظات في 6 نيسان/أبريل وجابهت مع الثوار القمع الأمني إلى حين سقوط المخلوع عمر البشير.

ساهمت السيدة أماني بإنشاء خيمة "أبناء شمبات" وتبرعت من جيبها الخاص بتوفير المعدات الأساسية، كانت تقدم للمعتصمين حوالي (700) سندويتش للإفطار يوميًا، لاحقًا تشارك معها الأهل والأصدقاء هذا العمل الضخم.

تقول أماني عن ربات المنازل ومشاركتهن في الثورة: "شعرت السيدات بوجع الأبناء وتفهمن سبب خروجهم للشارع، يحتسبنهم شهداء من أجل قضية عادلة تهدف لإسقاط النظام. عمل النظام القديم على قمعنا مدة (30) عامًا، كنا نموت خلالها كل يوم ومنذ ذاك الحين ونحن نناضل. حقننا النصر لكن الطريق لا يزال شاقًا وطويلًا لانتزاع الحقوق".

للنساء أكثر من قضية عادلة

ثريا حبيب، ناشطة سياسية وقيادية في تيار الوسط للتغيير، امرأة لها دورها المشهود في تأسيس المجموعة النسوية السياسية والمدنية المعروفة بـ"منسم"، تكونت المجموعة قبل اندلاع الثورة بشهر وشاركت ثريا في جميع مراحلها، عرفت "منسم" إبان الثورة بضخامة عدد عضويتها كأكبر تحالف ضم النساء منذ بدايات حكومة الإنقاذ. شاركت السيدة ثريا حبيب في تكوين مجموعة "نساء ضد العنف" إضافة إلى مشاركتها مع مجموعة نساء في تكوين تحالفات ضد غلاء المعيشة والظلم. الغرض من جميع هذه المكونات هو إدارة التنوع النسائي والاتفاق على حد أدنى من الأهداف المشتركة غايتها نيل المرأة حقوقها وكرامتها.

اقرأ/ي أيضًا: مترجم: شبكة التمويل السرية لقوات الدعم السريع في السودان

ثورة كانون الأول/ديسمبر المجيدة، كانت ثورة النساء بامتياز، تشرح السيدة ثريا الأسباب قائلة: "هن أكثر فئة تضررت من حكم المؤتمر الوطني، عانين من العنف المنظم والقهر على مدار سنوات طويلة، تحملن الأوضاع الاقتصادية المتردية ومصاريف الأبناء. وجدنا سيدات يتحصلن على مبلغ (150) جنيًا شهريًا من ديوان الزكاة مقابل الولاء لحزب البشير، هل يستحق هذا المقدار الضئيل من المال الخضوع للنظام أم يوجب إزالته لبناء حياة كريمة؟ أسئلة طرحت على هؤلاء السيدات وتمثلت الإجابة في خروجهن للشارع".

قالت السيدة ثريا أن الكثير من النساء قبل الإنقاذ كنَ عاملات بالمصانع تحت ظروف جيدة نسبيًا، استهدفهن النظام وخرجن للشوارع للعمل ببيع الشاي وغيرها من المهن الهامشية. وأضافت أن ثمة نساء لا تربطهن علاقة بالسياسة لكنهن شاهدن صور الشهداء ومعاناة الأبناء المعتقلين وتساءلن عن ماهية الثورة ومفاهيم النضال. كل هذه الشرائح شاركت في مقدمة المواكب إلى أن تم إنجاز الثورة.

أعربت السيدة ثريا لـ"الترا سودان" عن عدم رضاها بنسبة الـ(40%) التي منحتها الوثيقة الدستورية لتمثيل النساء في المجلس التشريعي، لأنهن شاركن مع الشباب خلال مواكب الثورة بنسبة (70%). وأضافت: "نتطلع إلى زيادة النسبة لترتفع إلى (50%) لتنال المرأة السودانية حقها كاملًا بموجب الدستور".

قضايا الإنسان والأرض

نزحت "ملكة جمال جبال النوبة" صفاء توتو من موطنها الأصلي في العام 2011، بسبب الحروب وعندما اندلعت شرارة الثورة شاركت في جميع المواكب بشكل فردي قبل أن تنتظم المواكب أنحاء البلاد. عكست مظاهرات السودان طبائع الشعب السوداني كما ينبغي لها، كانت توتو تجد من يقدم لها الماء وأغصان الأشجار والخل للحماية من الغاز المسيل للدموع، إذا سقط أحد المتظاهرين يهب مشاركين لا يعرفهم لمساعدته. تواصلت دهشة توتو إلى حين الاعتصام، حيث مظاهر الإخاء بين المسلمين والمسيحيين ولفت نظرها مشهد حماية الأخوة المسيحيين للمصليين المسلمين أثناء أداء الصلاة من هجمات متوقعة تقوم بها القوات الأمنية.

صفاء توتو (ساتل)

تحقق حلم توتو بسقوط النظام، فهل تم حل مشكلة السودان وبلاد النوبة؟ قالت: "عانى إقليم جبال النوبة من انتهاكات امتدت إلى ما قبل 1989 تمثلت في الإبادة الجماعية والتهميش وتسليح القبائل ضد بعضها وضم أراض من الجبال إلى شمال كردفان. تم بيع مشاريع لرأسماليين من المركز، وتحولوا لتجار حرب في حين أن أهل المنطقة انتهى بهم المطاف إلى نازحين. قضايا الأرض والإنسان لا يمكن أن تحل خلال ثلاثة أعوام ونأمل أن تفتح هذه الملفات في القريب العاجل".

نريد الحقوق كاملة

الشاب محمد يحي المعروف بـ"دسيس مان" أحد أيقونات الثورة ومؤلف أغانيها وأناشيدها التلقائية، التقى به "الترا سودان" ليروي تفاصيل الاعتصام وقصص أغاني الثورة. يعرف نفسه كجندي مفصول من القوات المسلحة السودانية، وقتها كان يهتف بالألحان ليشجع الجنود عند الخروج للعمليات العسكرية، شارك في مظاهرات 2013 حاملًا هويته العسكرية وشعارات تغنت بها حنجرته لإسقاط النظام.

"كنداكة جات.. بوليس جرا، المجلس بيحب الجرجرة" هو مقطع هتاف شهير من تأليف دسيس، ويعود أصل الحكاية لأحد المواكب في موقف مواصلات "جاكسون" حيث صد المتظاهرين عربات الشرطة وهربت الشرطة من أمامهم فأطلقت مجموعة من البنات "زغاريد" الفرح بصوت عالٍ، أشتعل حماس الشباب فور سماعهم لأصوات النساء وألقوا إطار سيارة محترقًا في وجه الشرطة. فأنشد دسيس شعاره الشهير "كنداكة جات بولس جرا".

محمد يحي (السوداني)

اقرا/ي أيضًا: انعقاد مؤتمر أصدقاء السودان والتزام بالمساهمة لتحقيق انتقال ديمقراطي ناجح

إبان الاعتصام مرَ دسيس بجماعة من الشباب والبنات وسمع الحوار الدائر بينهم عن عدم توفر احتياجات أساسية بالميدان ورغبتهم بالعودة لمنازلهم، طالبهم بالبقاء وحراسة مكاسب الثورة وتغنى لهم بأهزوجته الشهيرة "بس أنت حاول بيت.. فرشة ومعجون نديك.. شاي الصباح نسقيك".

اتهم دسيس تجمع المهنيين السودانيين وقوى الحرية والتغيير بسرقة الثورة، وطالب بالقصاص للشهداء ومواصلة محاكمة أعضاء النظام البائد وإن سرق أحدهم "مليمًا من أموال الشعب السوداني. ودعا الشعب للترابط ونبذ العنصرية والكراهية لبناء وطن جديد للأجيال القادمة.

الثورة فعل مستمر

محمد ناجي الأصم: مستقبل البلاد يعتمد على الشباب ونأمل أن ينتظموا في كيانات قوية تقود عملية التنوير الاجتماعي والمعرفي

قال عضو تجمع المهنيين السودانيين وأحد أيقونات الثورة السودانية، الطبيب محمد ناجي الأصم، إن التجمع طرح في بدايات الحراك الأول قضية الأجور وهي محور بحث دائم مع السلطة الانتقالية لأن الأخيرة هي حكومة الثورة وعليها تحقيق أهدافها، وهذا ما سيظهر جليًا في موازنة العام القادم. وعاد الأصم ليقول: "زيادة الأجور دون عملية إصلاح اقتصادي لن تحقق الفائدة المطلوبة. يتمتع السودان بطاقات هائلة تتمثل في الشباب لكن الحكومة السابقة عملت على هدم هذا البناء، دورنا الحالي دراسة كيف سيتحول السودان من مستهلك لدولة منتجة؟ عملية التحول هي التي ستخلق الفارق في حياة المواطنين لكنها تتطلب زمنًا ودراسات كثيرة لننهض بالبلاد من دائرة الفقر".

الأصم (تويتر)

تحدث الأصم عن أهمية صياغة النجاح الفردي قائلًا: "يسود نمط تفكير عام بأن الفرد صاحب الشهادة الجامعية والمرتب الثابت هو الناجح وخلاف ذلك يعد فشلًا، نريد إعادة صياغة النجاح الفردي واستغلال الموارد الزراعية وتأسيس نظام اقتصادي واجتماعي جديد قائم على الحقوق والواجبات".

حققت الثورة السودانية انتصارات عدة، تمثل بعدها الأكبر في العبور بالشعب السوداني للحرية والتعبير عن قضاياه دون خوف من بطش السلطة، يحدثنا الأصم قائلًا: "المطلوب خلال السنوات الثلاث القادمة بناء كيانات قوية ينضم لها الشباب، تمتلك أهدافًا مشتركة وقيادةً حكيمة غايتها خلق التنوير الاجتماعي".

أكد الأصم إن عملية السلام لا تبنى بالاتفاقيات السياسية وحدها، ولا بد من الجهد الجماعي لأن الثورة فعل مستمر ينشغل بالقضايا التاريخية ويبحث في جذور الأزمة لتمهيد الطريق لجيل المستقبل للعيش بسلام.

 

اقرأ/ي أيضًا

مصادر خاصة: قوش والمهدي اتفقا على استلام السلطة وتقاسما ملايين الدولارات

السودان.. "الانقلاب" ممنوع بأمر "الشعب" و"الديمقراطية" محروسة بإرادة الجماهير