أم روابة..عودة لمشاهد الانفلات

في 30 يناير/كانون الثاني 2025، أعلن الجيش السوداني استعادة السيطرة على مدينة أم روابة بولاية شمال كردفان، بعد أن كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ أغسطس/آب 2023. ومع دخول الجيش، شهدت المدينة حالة من الهدوء النسبي والاستقرار الأمني مما أعاد بعض الطمأنينة إلى السكان الذين أنهكتهم أشهر من الانفلات.

 الاستقرار لم يدم طويلًا، ففي الأسابيع الأخيرة، عادت مشاهد الترويع إلى مدينة أم روابة

غير أن هذا الاستقرار لم يدم طويلًا، ففي الأسابيع الأخيرة، عادت مشاهد الترويع إلى المدينة، مع تزايد حالات النهب تحت تهديد السلاح، ووقوع حوادث إطلاق نار في وضح النهار، وعمليات سرقة ليلية طالت المتاجر في سوق المدينة، الشيء الذي أثار مخاوف المواطنين وأعاد إلى الأذهان الانفلات الذي ساد خلال فترة سيطرة الدعم السريع، وقد توجهت أصابع الاتهام إلى عناصر يرتدون الزي العسكري، مما زاد من تعقيد الوضع في ظل صمت الجهات الأمنية.

ورغم وجود قيادة المنطقة العسكرية، ومركز الشرطة، والنيابة العامة، فإن غياب الحسم –بحسب السكان– هو ما يتيح لهذه التجاوزات أن تتكرر، خصوصًا في ساعات المساء، وتحوّل الشوارع إلى مناطق شبه مهجورة بعد غروب الشمس.

نهب علني

عدد من المواطنين الذين تحدّثوا إلى "الترا سودان" أكدوا أنهم تعرّضوا لمحاولات نهب من قبل عناصر يرتدون زيًا نظاميًا، بعضهم في حالة سُكر، مستخدمين عبارات مثل: "كان سكان أم روابة يسلمون هواتفهم لقوات الدعم السريع، ونحن أيضًا سنأخذها".

ويقول مكاشفي وهو أحد سكان أم روابة: "تعرضتُ شخصيًا لمحاولة نهب قبل أيام، ورفضتُ تسليم هاتفي. وفي حادثة أخرى، رفض شاب أيضًا تسليم هاتفه، فأُطلق عليه النار، وقد أُصيبت ساقه إصابة بليغة أدت إلى بترها"، حسب وصفه.

مواطن: من الصعب جدًا التجوّل بعد غروب الشمس

ويضيف: "من الصعب جدًا التجوّل بعد غروب الشمس، وقد قمت بتقديم شكوى إلى أحد الضباط الذي رد علي قائلًا: (لا نريد افتعال مشاكل مع هؤلاء)". في إشارة لعناصر من القوة المشتركة.

مواطن آخر تحدث إلى "الترا سودان" أكد أنه ذهب إلى مقر قيادة القوة المشتركة لتقديم شكوى، لكن الرد كان: "ليس لدينا مستشار حاليًا.. عد بعد بضعة أيام".

شرطة مقيدة

من جهتها تقول ناشطة طوعية من المدينة فضلت حجب اسمها، في حديثها لـ"الترا سودان"، إن القوات العسكرية أصبحت تُعطّل عمل الشرطة، وتفرض هيمنتها على الشأن الأمني في المدينة. وتصف هذه الناشطة الوضع بقولها: "هذه القوات العسكرية لم تترك المجال للشرطة لأداء عملها بالشكل السليم، وهذا هو السبب الذي يدفع بعض ضباط الشرطة إلى رفض وجود الجيش داخل المدينة".

وتضيف أن الشرطة تضم المباحث والشرطة الأمنية وغيرها من الأقسام المتخصصة، وهي الأقدر على التعامل مع القضايا اليومية داخل المدينة، لكن التدخل المتكرر من القوات العسكرية أضعف من فعاليتها.

وتردف: "تُوفي شاب مساء أمس نتيجة إصابته برصاص عشوائي أُطلق داخل المدينة"، وتذكر أن هذه الحادثة لم تكن الأولى.

ناشطة:  الشرطة تضم المباحث والشرطة الأمنية وغيرها من الأقسام المتخصصة، وهي الأقدر على التعامل مع القضايا اليومية داخل المدينة

وتقترح الناشطة حلًا يتمثل في "منح الشرطة كامل الصلاحيات الأمنية داخل مدينة أم روابة، وتكليف القوات النظامية الأخرى، وعلى رأسها الجيش، بمهام تأمين أطراف المدينة وحدودها. كما تدعو إلى تشكيل خلية أمنية مشتركة تُفعّل فقط في حالات التهديدات الكبرى أو العمليات التي تتطلب تنسيقًا عالي المستوى"، بحسب قولها.

وفي الصدد حاول موقع "الترا سودان" الحصول على تعليق من الشرطة في مدينة أم روابة حول هذه الانتهاكات، لكنها لم يتلقَّ ردًا حتى لحظة نشر هذا التقرير.

وفي السياق، أعلنت شرطة مدينة أم روابة عن استئناف عملها بعد توقف قرابة العام ونصف، وعن بدء تلقي البلاغات والشكاوى في يوم 9 تشرين الثاني/ فبراير 2025 الماضي بمباني الشرطة بعد سيطرة الجيش السوداني على المدينة في أواخر كانون الثاني /يناير 2025.

من جانبه، يرى الباحث السياسي عبد الرحيم الفاضل، في حديثه لـ"الترا سودان"، أن أحد أبرز التحديات التي تواجه المدن التي استعادها الجيش السوداني مؤخرًا، يتمثل في "صعوبة السيطرة على سلوك أفراد المليشيات المساندة للجيش، والتي غالبًا ما تعمل دون انضباط مؤسسي واضح".

ويضيف: "وجود هذه القوات الرديفة، رغم دورها في دعم العمليات العسكرية، يمثل عبئًا أمنيًا بعد استعادة السيطرة، خصوصًا عندما لا تخضع للرقابة العسكرية المباشرة".

باحث: هذه الحوادث ستستمر إذا لم تُتخذ خطوات عاجلة لإعادة ضبط المشهد الأمني، وتمكين الشرطة من أداء دورها

ويؤكد أن ما يحدث في أم روابة ليس بجديد، فقد رُصدت حوادث مشابهة في مدني وشرق النيل وأم درمان إبان سيطرة الجيش على تلك المناطق. ويشير إلى أن تلك التجاوزات "تحدث أحيانًا من منتسبي الجيش والمستنفرين وليس المليشيات المساندة فقط"، بحسب وصفه.

 ويعتقد أن "هذه الحوادث ستستمر إذا لم تُتخذ خطوات عاجلة لإعادة ضبط المشهد الأمني، وتمكين الشرطة من أداء دورها، وتحديد مهام باقي القوات بدقة وصرامة".

ويختم حديثه بأن "ما يجري في أم روابة ليس مجرد تفلتات فردية، بل تعبير عن غياب القرار الرادع، وافتقار السلطات المحلية الى جانب الشرطة والنيابة للصلاحيات الكافية أو الإرادة السياسية لحسم الانتهاكات، وهذا قد يُفقد السكان ثقتهم مرة أخرى في مؤسسات الدولة".

حوادث سرقة

من جهة أخرى، يقول إبراهيم، وهو تاجر في سوق أم روابة، في إفادته لـ"الترا سودان"، إن "هناك ظاهرة مؤسفة تتكرر في سوق أم روابة وتؤثر سلبًا على حياة التجار".

ويضيف: "نشهد باستمرار عمليات كسر للمحلات التجارية في الليل، وأن هذا الوضع غير مطمئن، خصوصًا أنه يحدث في منطقة من المفترض أنها آمنة، تتواجد بها قوات من الجيش والشرطة وقوات مساندة أخرى"، بحسب وصفه.

وفي هذا السياق، فرضت سلطات محلية أم روابة قبيل عيد الأضحى حظرًا للتجول يبدأ من الساعة التاسعة مساءً وحتى السادسة صباحًا.

ويشير إبراهيم إلى أنه في كل صباح، يستيقظ أحد التجار ليجد محله –أو محل جاره– قد تم كسره وسُرقت محتوياته، والمقلق أن هذا يحدث رغم وجود حظر تجول". يتساءل: "كيف يمكن لمواطن عادي أن يتجول ليلًا داخل السوق ويقوم بهذه الأفعال؟".

يُعد سوق أم روابة من أبرز الأسواق التجارية في ولاية شمال كردفان، ويشكل مركزًا حيويًا للحركة الاقتصادية في المدينة

ويُعد سوق أم روابة من أبرز الأسواق التجارية في ولاية شمال كردفان، ويشكل مركزًا حيويًا للحركة الاقتصادية في المدينة، حيث يعتمد عليه عدد كبير من السكان في كسب أرزاقهم، ويضم محالًا متنوعة تشمل تجارة المواد الغذائية، والملابس، والإلكترونيات، وغيرها.

ومع تزايد الحوادث والانتهاكات، تتعالى أصوات المواطنين في أم روابة مطالبة بوضع حدٍ للتفلّتات الأمنية ومحاسبة المتورطين، ويؤكد ناشطون أن صمت الجهات المسؤولة لم يعد مقبولًا، ففي ظل وجود مؤسسات أمنية وقضائية كاملة، لا يزال الغائب الأكبر هو الحسم والإرادة الجادة لحماية الناس وفرض سيادة القانون.