17-ديسمبر-2024
حياة تحت القصف في أم درمان

تعود المواطنون على الحياة تحت القصف في أم درمان (أرشيفية/غيتي)

لا يفارق القلق مواطني مدينة أم درمان، سيما الأحياء الواقعة تحت سيطرة الجيش في محلية كرري والأحياء العريقة، مع استمرار القذائف التي تطلقها قوات الدعم السريع. وفي بعض الأحيان، تستمر صباحًا ومساءً.

بسبب استمرار القصف المدفعي، اعتاد المواطنون على طقوس لحماية أنفسهم أثناء وقوع القذائف على أحياء أم درمان

"بدت" بالعامية السودانية تعني "بدأت"، في إشارة لبداية القصف المدفعي. هكذا يردد المواطنون في أم درمان حينما يسمعون الأصوات العالية للقذائف الصاروخية التي يصل مداها إلى أبعد المسافات، قاطعةً الكيلومترات. يعيش سكان أم درمان "حياة تحت القصف".

من خلف الجدران، تفكر صفية في كيفية التعامل مع الأصوات، وهي تتصبب عرقًا من فرط الخوف على أطفالها في الشقة السكنية الصغيرة التي حصلوا عليها من أحد أقربائها عقب النزوح من الخرطوم إلى أم درمان بحثًا عن الأمان.

"تاك تاك" تصف صفية صوت المدافع لحظة الانطلاق من الفوهات أو الارتطام بالمباني القديمة، في حرب لم يظن السودانيون أنها ستطرق ديارهم وسط البلاد بواسطة قوات شبه عسكرية كانت حليفة حتى آخر اللحظات مع الجيش والحكومة التنفيذية المركزية، واستحواذ قائدها على منصب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي.

تضيف صفية: "عادة نطفئ الإضاءة في المنزل عند بداية القصف، لاعتقادنا أو شعورنا أن الأماكن المُضاءة قد تكون هدفًا للقذائف، رغم أن هذه المعلومة قد لا تبدو معقولة في بعض الأحيان".
تفسر رواية هذه السيدة كيف أن المدنيين في السودان يلجأون إلى حلول فردية لحماية أنفسهم خلال العمليات الحربية المستعرة في البلاد منذ (20) شهرًا، مع تراجع ضغوط المجتمع الدولي لتوفير حماية مستمرة ومستدامة للمدنيين خلال النزاع المسلح.

شارع الوادي، أحد أكبر شوارع أم درمان، حيث سلسلة المتاجر والمطاعم، تعتقد ليلًا أن الحرب لا تدور في الأنحاء. هناك موقد شواء وآلة صنع الآيس كريم، وهذا شاب يعد السندوتشات من الفول والفلافل، والفتيات والشبان في حالة تسوق بين متاجر التجزئة.
هذه الأنشطة دفعت المواطنين إلى النزوح نحو هذه المنطقة الآمنة والواقعة تحت سيطرة الجيش، لكن القذائف الصاروخية التي تطلقها قوات الدعم السريع، وفق إفادات تنسيقية لجان المقاومة في كرري ومتطوعي مستشفى النو، تجعل الحياة عسيرة إلى حد كبير وتضعك في أي لحظة على لائحة الضحايا.

"لا تبقَ خارج المنزل، وأغلق الأبواب، ولا تتحدث بالهاتف"، طقوس أصبحت وكأنها تسري بين المواطنين في أم درمان في لحظات القصف المدفعي، الأكثر رعبًا بالنسبة للأطفال، إذ لم ينجُ العشرات من الإصابة وبتر الأطراف بسبب القذائف.

ليس بالإمكان في هذا الوقت طرح الأسئلة عن نوعية تسليح قوات الدعم السريع التي احتفظت بمناجم جبل عامر لسنوات طويلة وحصلت على مليارات الدولارات من شحنات الذهب التي صُدرت خارج البلاد دون أي مساءلة

ليس بالإمكان في هذا الوقت طرح الأسئلة عن نوعية تسليح قوات الدعم السريع التي احتفظت بمناجم جبل عامر لسنوات طويلة وحصلت على مليارات الدولارات من شحنات الذهب التي صُدرت خارج البلاد دون أي مساءلة من البرلمان أو الحكومة التنفيذية إبان حكم البشير. كما لم يكن ممكنًا للحكومة الانتقالية في عهد عبد الله حمدوك أن تتحرك في هذا الإطار مع الجيوش المنتشرة لهذه القوات في أرجاء العاصمة السودانية.

ولا تتوفر إحصائية رسمية عن عدد ضحايا القصف المدفعي في أم درمان، سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش، فيما يمكن الإشارة إلى أن متوسط الضحايا يصل إلى (15) شخصًا كل شهر.
وكان الأمين العام لوزارة الصحة بولاية الخرطوم قد أكد أن القصف المدفعي لقوات الدعم السريع على مناطق أم درمان يستهدف المدنيين، خاصة أثناء الفترة الصباحية، بينما يبحث المواطنون عن سبل كسب العيش.