أسرى حرب السودان.. ناجون من التعذيب يواجهون معركة جديدة للبقاء
30 مارس 2025
بعد استعادة الجيش السوداني لمدينة الخرطوم من قبضة الدعم السريع، برزت تساؤلات حول أوضاع الأسرى والمختطفين في الحرب السودانية. تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع فيديو توثق الظروف القاسية التي تعرض لها الأسرى. وتشير المعلومات الى أن الأسرى عانوا من أوضاع إنسانية كارثية أدت إلى وفاة أعداد منهم بسبب الإهمال الطبي المتعمد.
يكتسب هذا الملف أهمية خاصة لكونه يعكس انتهاكات جسيمة محتملة للقانون الدولي الإنساني، ما يثير تساؤلات حول المسؤولية القانونية والإنسانية لقوات الدعم السريع، وسط مطالبات بتصنيفها كمنظمة إرهابية.
كشف مصدر أمني مشارك في عمليات تحرير الأسرى، عن تفاصيل صادمة حول أوضاع المحتجزين لدى قوات الدعم السريع
عملية تحرير الأسرى
كشف مصدر أمني مشارك في عمليات تحرير الأسرى، عن تفاصيل صادمة حول أوضاع المحتجزين لدى قوات الدعم السريع، مشيرًا إلى أن من بين الأسرى مدنيين مختطفين، فيما لا يزال يجري التحقق من وجود نساء في مراكز الاحتجاز، رغم ورود معلومات عن معتقلات تضم نساء.
وبحسب المصدر الذي تحدث إلى"الترا سودان"، تم العثور على 380 أسيرًا ومختطف في عدة مواقع، أبرزها شمال غرب سوق جبل أولياء، بالقرب من مستشفى الأمل، بالإضافة إلى معتقلات متفرقة. وأكد المصدر أن الأوضاع الإنسانية داخل هذه المراكز كانت كارثية، حيث توفي 12 أسيرًا قبل يومين بعد تحريرهم، نظرًا لوضعهم الصحي المتدهور، فيما توفي أسير آخر بالأمس في القطينة بعد إجلائه.
وأوضح المصدر أن وزارة الصحة بالتنسيق مع الإسناد المدني في "لواء البراء بن مالك – القطاع الصحي"، تدخلت لتقديم الرعاية الطبية للأسرى فور تحريرهم. وتم اتباع بروتوكول الإجلاء المعتمد، والذي يشمل تزويد الأسرى بالسوائل، وعزل الحالات، وفقًا للحاجة الطبية والتخصص. ونُقل بعض المحررون عبر حافلات درجة أولى من جبل أولياء إلى القطينة لاستكمال علاجهم.
إضافة إلى ذلك، أظهرت الفحوصات الأولية التي أُجريت للأسرى المحررين، أنهم يعانون من مشكلات صحية خطيرة ناجمة عن الظروف القاسية التي تعرضوا لها خلال فترة احتجازهم. وتتنوع هذه المشكلات بين الإسهالات الحادة، والحساسية الشديدة المصحوبة بطفح جلدي، كما كشفت الفحوصات عن فقدان جزئي للسمع والبصر لدى بعضهم، بالإضافة إلى العشى الليلي الناتج عن نقص حاد في الفيتامينات. ولم تقتصر المعاناة على ذلك، إذ عانى العديد منهم من التقيؤ المستمر، ما يزيد من خطر فقدان السوائل والعناصر الغذائية الأساسية. كما "وُجدت جروح خطيرة وآثار تعذيب على أجسادهم" بحسب المصدر.
وكشف المصدر عن تعرض بعض الأسرى لانتهاكات مروعة، إذ تم رصد ثلاث حالات إخصاء وحشي، ما تسبب في انهيارهم النفسي بشكل تام. وأشار إلى أن بعض الأسرى كانوا محتجزين في غرف مظلمة لفترات تقارب العامين، ما جعلهم يصابون بالصدمة عند رؤية الشمس لأول مرة بعد احتجازهم.
وأكد المصدر أن عمليات الإجلاء والإسعاف لا تزال مستمرة، وسط أوضاع إنسانية صعبة تتطلب تدخلاً عاجلاً لإنقاذ الأسرى الذين لا يزالون في قبضة قوات الدعم السريع.
الإجراءات الطبية
في هذا الصدد، يجد الأسرى المحررون أنفسهم في مواجهة معضلة صحية خطيرة: سوء التغذية الحاد. لكن ما قد يبدو حلاً بديهيًا—إطعام الجائعين—قد يكون في الواقع خطرًا كبيرًا، وفقًا لما أوضحه، الطبيب البشري والمتخصص في مجال التغذية، عبد المنعم محمد القاسم، في حديثه لـ"الترا سودان".
يقول الطبيب عبد المنعم: "عندما يعاني الجسم من الجوع وسوء التغذية لفترات طويلة، فإن أعضاءه، وخصوصًا الجهاز الهضمي، تصبح غير قادرة على التعامل مع الطعام الجديد." ويضيف موضحًا أن أول خطوة ينبغي اتخاذها مع الناجين من المجاعة ليست تقديم الطعام، بل إجراء "فحوصات عامة" لتقييم وضعهم الصحي قبل إدخال أي غذاء إلى نظامهم.
أوضح أن الحالات تعاني مما يعرف بالمشاكل الاستقلابية، وهي اضطرابات وظيفية تجعل أجسامهم غير قادرة على معالجة الطعام بشكل طبيعي."
خطر إعادة التغذية المفاجئة
يشير الطبيب عبد المنعم إلى ظاهرة تُعرف بـ"متلازمة إعادة التغذية" (Refeeding Syndrome)، وهي حالة خطيرة تحدث عندما يُعاد تقديم الطعام بسرعة إلى شخص يعاني من سوء تغذية حاد. يوضح قائلًا: "هؤلاء الأشخاص يعانون من زيادة في حساسية الأنسولين، وعند إعطائهم الطعام فجأة، يحدث اضطراب في توازن الأملاح المعدنية، ما قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل الفشل الكلوي أو مشكلات القلب."
وأوضح أن "هؤلاء الأشخاص يعانون مما يعرف بالمشاكل الاستقلابية، وهي اضطرابات وظيفية تجعل أجسامهم غير قادرة على معالجة الطعام بشكل طبيعي." ويضيف أن "الجهاز الهضمي يتعرض لحالة من الخمول، مما يؤدي إلى ضعف في الشعيرات المسؤولة عن امتصاص العناصر الغذائية، وبالتالي، حتى لو تناولوا الطعام، فلن يستفيدوا منه كما يفعل الشخص العادي."
لذلك، يشدد على أهمية إجراء فحوصات مخبرية محددة، منها فحص الدهون العامة، المعروف باسم 'Lipid Profile'، والذي يساعد في تقييم حالة التمثيل الغذائي لديهم." كما يضيف أن "الفحص الأهم هو اختبار البروتين التفاعلي 'CRP'، وهو ضروري لأن هؤلاء الأشخاص يعانون من ضعف شديد في المناعة، مما يجعل أجسامهم أكثر عرضة للالتهابات والأمراض المناعية."
ويردف قائلاً: "إذا أظهرت نتائج فحص CRP معدلات مرتفعة، فهذا يعني أن هناك اضطراباً في الجهاز المناعي، وبالتالي، لا يمكن تقديم الطعام لهم مباشرة دون إشراف طبي دقيق."
ويشدد على ضرورة "إدخال هؤلاء المرضى إلى المستشفى لمتابعة حالتهم الصحية، وإجراء فحوصات إضافية مثل اختبار السكر التراكمي إلى جانب تحليل الدهون والالتهابات المناعية." ويختم بالقول: "إذا أظهرت الفحوصات نتائج جيدة وكانت العلامات الحيوية مستقرة، يمكن حينها البدء في تقديم الغذاء تدريجياً، وفق خطة طبية مدروسة."
خطوات العلاج والتغذية التدريجية
بعد إجراء الفحوصات الطبية والتأكد من استقرار الحالة الصحية للأسرى المحررين، يتم الانتقال إلى مرحلة التغذية العلاجية التدريجية. يوضح الدكتور عبد المنعم محمد القاسم، أن "الخطوة الأولى في هذه المرحلة هي تزويدهم بالسوائل عن طريق الحقن الوريدي، مثل محاليل الملح والجلوكوز، لضمان استعادة توازن السوائل والأملاح في الجسم."
بعد ذلك، يتم البدء في "تحفيز الجهاز الهضمي"، حيث يوضح الدكتور أن "الجهاز الهضمي يكون خاملاً، لذا يجب تقويته بمكملات مثل البيتين (HCL)، أو تناول خل التفاح العضوي لتعزيز إفراز حمض المعدة." كما يوصي بتقديم "شوربة العظام" لتعويض الأملاح المعدنية المفقودة تدريجيًا.
أما عن البروتين، فيقول: "البروتين الحيواني ضروري، لأنه يعوض العناصر الغذائية المفقودة دون التسبب في اضطرابات هرمونية إضافية." ويوضح أن الناجين لا ينبغي أن يُقدم لهم النشويات بسرعة، لأنها قد تزيد من ضعف جهازهم المناعي.
كما يشدد عبد المنعم على ضرورة تجنب النشويات المصنعة مثل الخبز، لأنها قد تؤدي إلى تفاقم ضعف المناعة لديهم، موضحًا أن "هذه الأطعمة تحتوي على مركبات قد تسبب تهيج الجهاز المناعي، وتزيد من سوء الحالة الصحية." بدلاً من ذلك، يتم إدخال نشويات صحية مثل البطاطس، البطاطا، والأرز، بجرعات صغيرة ومتدرجة.
بعد تحسن الحالة الصحية واستعادة جزء من الطاقة، يتم إدخال برنامج تمارين رياضية خفيفة لتعزيز بناء الجسم، واستعادة الوزن الطبيعي بطريقة صحية. ويشير الطبيب إلى أن "التمارين تساعد في إعادة بناء العضلات وتحسين اللياقة العامة."
بهذه الطريقة، يتم ضمان إعادة تأهيل الأسرى المحررين بشكل تدريجي وآمن، مما يساعدهم على استعادة صحتهم وقوتهم بشكل مستدام
الانتهاكات والمسؤولية القانونية
تثير هذه الانتهاكات الخطيرة تساؤلات حول مدى التزام قوات الدعم السريع بالقانون الدولي الإنساني. وبحسب خبراء قانونيين، فإن معاملة الأسرى وفق هذه الأساليب قد ترقى إلى جرائم حرب، وفقًا لاتفاقيات جنيف التي تنظم معاملة أسرى الحرب وتفرض توفير الحد الأدنى من الرعاية الطبية والغذائية لهم.
يأتي ذلك في ظل مطالبات متزايدة بتصنيف قوات الدعم السريع كمنظمة إرهابية، خاصة بعد توثيق انتهاكات ممنهجة ضد المدنيين والأسرى على حد سواء. ويرى محللون أن هذه الجرائم تستوجب تحقيقًا دوليًا موسعًا، مع ضرورة تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة.
وفي المحصلة، تبرز قضية أسرى الحرب في السودان كأحد الملفات الإنسانية الأكثر مأساوية في ظل الحرب المستمرة. وبينما تستمر عمليات الإجلاء والعلاج، تبقى الحاجة ملحة لتحقيق مستقل يكشف حجم الانتهاكات ويضمن محاسبة المسؤولين، كي لا تمر هذه الجرائم دون عقاب.
الكلمات المفتاحية

أم روابة..عودة لمشاهد الانفلات
الاستقرار لم يدم طويلًا، ففي الأسابيع الأخيرة، عادت مشاهد الترويع إلى مدينة أم روابة

أزمة وسط حجاج السودان ورواية حكومية تتهم جهات بالتضليل
ليس من المعتاد أن يمر موسم الحج بالنسبة للسودانيين، منذ سنوات طويلة، دون أن يثير استياء الرأي العام جراء الشكاوى من الإهمال في خدمات الإعاشة والسكن والنقل، من السلطات الحكومية السودانية المشرفة على الحجيج

الفريشة فريسة.. حملات المحلية تُضيق الخناق على الفريشة والباعة الجائلين في بورتسودان
منذ مطلع أيار/مايو، تقود المحلية حملة واسعة تستهدف "الفريشة" والباعة الجائلين و"ستات الشاي". ويشهد سوق بورتسودان هذه الأيام حالة من التوتر والقلق في أوساط هؤلاء الباعة، في ظل حملات مكثفة تنفذها المحلية بالتعاون مع اللجنة الأمنية، تستهدف إزالة البسطات ومصادرة البضائع

الموت مقابل الماء.. الخوي بين الدعم السريع والقوة المشتركة
منذ دخول قوات الدعم السريع إلى مدينة الخوي بولاية غرب كردفان، تحوّلت حياة سكان القرى الواقعة شمال المدينة إلى جحيم يومي، فبينما كانت هذه المناطق تعتمد بشكل شبه كامل على المدينة لجلب مياه الشرب، أدى الوضع الأمني المتدهور إلى قطع هذا الشريان الحيوي

تقدّم في حملة تطعيم الكوليرا بالخرطوم وسط دعوات لزيادة الإقبال
بلغت نسبة التغطية التراكمية لحملة التطعيم ضد مرض الكوليرا في خمس محليات بولاية الخرطوم 29% خلال الأيام الثلاثة الأولى من انطلاق الحملة، بحسب ما أعلنت الغرفة الاتحادية لحملة التطعيم، وهي النسبة المستهدفة للفترة نفسها. وتستمر الحملة، التي تستهدف 12 وحدة إدارية، حتى الخميس المقبل الموافق 19 حزيران/يونيو الجاري.

الدعم السريع: أسقطنا طائرة مسيرة بعيدة المدى في نيالا
قالت قوات الدعم السريع إنها أسقطت طائرة مسيرة "طويلة المدى وعالية الحمولة" حلقت في سماء نيالا بولاية جنوب دارفور، مساء الجمعة، 13 حزيران/يونيو 2025.

شجرة الحوصلة
وصلنا إلى البيت المنشود بعد حلول الظلام بقليل. أبهرتني فخامة البنيان، فلم أكن أتوقع في كل الأحوال أن الرجل الذي يقصده صديقي عمر للاستعانة بقدراته يسكن في قصر بهذا البهاء.

أمر طوارئ بتعديل ساعات حظر التجوال في الولاية الشمالية
أصدر والي الشمالية الفريق ركن عبد الرحمن عبد الحميد إبراهيم، أمر طوارئ، بتعديل ساعات حظر التجوال للأشخاص والمركبات في الولاية، لتبدأ من الساعة العاشرة مساء حتى الساعة الخامسة صباحًا.