أزمة وسط حجاج السودان ورواية حكومية تتهم جهات بالتضليل

ليس من المعتاد أن يمر موسم الحج بالنسبة للسودانيين، منذ سنوات طويلة، دون أن يثير استياء الرأي العام جراء الشكاوى من الإهمال في خدمات الإعاشة والسكن والنقل، من السلطات الحكومية المشرفة على الحجيج، انطلاقًا من الأراضي السودانية وحتى بالمملكة العربية السعودية.

بلغ عدد حجاج السودان هذا العام حوالي 11.5 ألف حاج، بينهم قرابة ألفي حاج على النفقة المرتفعة "الحج السياحي"، إلى جانب 500 حاج من القوات النظامية، وفق رئيس المجلس الأعلى للحج والعمرة.

تراوحت تكلفة الحاج الواحد بين 5.4 آلاف إلى 5.7 آلاف ريال سعودي. وتتحصل هذه التكلفة عن طريق الوكالة الحكومية التي تسددها للنقل الجوي والبحري، والإقامة، والإعاشة، والخدمات المختلفة.

جرت مساجلات على شبكات التواصل الاجتماعي حول تعرض الحجاج السودانيين للإهمال من قبل الجهة الحكومية المسؤولة

وجرت مساجلات على شبكات التواصل الاجتماعي حول تعرض الحجاج السودانيين للإهمال من قبل الجهة الحكومية المسؤولة، بخفض جودة الأطعمة، وعدم تهيئة أماكن الإقامة، ورفع أسعار الأضاحي.

ويعتقد محمد المهدي، وهو صاحب وكالة سفر عملت في مواسم الحج في السنوات الماضية، أن الوقائع تشير إلى وجود رغبة حكومية في "التكسب" من موسم الحج، خاصة أن الهيئة الحكومية تخضع للمحاصصات السياسية منذ عهد نظام البشير.

ويرى مهدي، في حديث لـ"الترا سودان"، أن تكلفة الحج تعتبر الأعلى بين دول المنطقة بنسبة 30% لشخص سيكون في حالة انتقال وإعاشة وسكن لفترة تقل عن ثلاثة أسابيع، ولا يمكن حساب هذه الخدمات بمبلغ يصل إلى 5.7 آلاف ريال سعودي.

وشكا الحجاج السودانيون من الخدمات المتواضعة في الأطعمة المقدمة، ومواقع السكن، وافتقارها إلى البيئة التي تلائم آلاف الحجاج الذين يؤدون الحج على نفقتهم الخاصة بأموال طائلة.

مجلس الحج والعمرة: نتعرض لحملات إعلامية مشوهة

من جانبه، اتهم المجلس الأعلى للحج والعمرة "هيئة حكومية سودانية" من سمّاهم بـ"المضللين"، بنشر معلومات غير دقيقة على المواقع الإلكترونية، على حد قوله.

وأضاف بيان المجلس الأعلى للحج والعمرة، الذي صدر في وقت متأخر من مساء الأربعاء 11 حزيران/يونيو 2025، أن إدارة أعمال الحج في السودان تتم وفق خطة وطنية محكمة أُجيزت من مجلس الوزراء الموقر، وتحت إشراف مجلس السيادة الانتقالي والقطاع الخاص، وبتنسيق شامل مع الجهات السعودية، استنادًا إلى وثيقة تنظيم شؤون الحجاج السودانيين، الموقعة مع وزارة الحج والعمرة بالمملكة العربية السعودية.

وتابع البيان: "إدارة عمليات الحج ليست مجرد عمل تنظيمي روتيني، بل عبادة جماعية ذات قدسية شرعية وأمانة وطنية عليا، يُؤدّى فيها العمل بأقصى درجات الإخلاص والتجرد والمهنية، ضمن سياق دقيق ومركب يراعي الجوانب الشرعية والتنظيمية والإنسانية".

وقال البيان إن المجلس الأعلى للحج تمكن من إكمال إجراءات 11.500 ألف حاج من داخل السودان، من بينهم 709 حجاج من السودانيين بالخارج، قدموا من 91 دولة حول العالم.

وأشار البيان إلى أن بعض الأشخاص استغلوا زيارة عفوية لبعض أفراد البعثة في المشاعر المقدسة، بنشر معلومات مضللة عبر وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، وهي لا تعكس الواقع الفعلي لأداء البعثة ولا الجهود الكبيرة التي بُذلت، كما أن بعض المنصات زُوِّدت بمعلومات مغلوطة تتعلق بمساحات الإسكان في مشعر منى.

وأوضح البيان أن توزيع مساحات السكن في مواقع مشعر منى يخضع لأنظمة دقيقة تصدرها وزارة الحج والعمرة بالمملكة العربية السعودية، ولا يخضع لاجتهاد أو قرار من أي بعثة.

وفيما يتعلق بخدمات الغذاء، فإن الشركات العاملة تحصل على التراخيص بالمملكة العربية السعودية، وتتعاقد معها بعثات الدول مع الشركات الحاصلة على الترخيص، وتُقدَّم قائمة رئيسية لأنواع الأطعمة المقدمة للحجاج.

أما فيما يتعلق بنظام الأضاحي والهدي، فيتم حساب التكلفة ضمن القيمة الإجمالية للحاج، وتُسدد إلكترونيًا عبر نظام المسار الإلكتروني السعودي، بما يضمن الشفافية الكاملة في التحصيل والتوريد، وبلغ سعر صك الهدي لهذا العام 720 ريالًا سعوديًا.

قال بيان حكومي إن تكلفة الحج للسودانيين تُعد الأقل تكلفة من الدول الأخرى

وأضاف البيان: "سعر الهدي موحّد ومُعلن من المشروع المعتمد رسميًا، أما الحجاج المُفردون الذين لا يلزمهم نسك الهدي شرعًا، فيتم رد قيمة الهدي إليهم عبر الإجراءات النظامية".

وقال بيان المجلس الأعلى للحج والعمرة إن القيمة الإجمالية للحاج تُسدد إلكترونيًا، وتشمل تكاليف النقل، والطعام، والخدمات الإلكترونية، وخدمات الطواف في المشاعر، وتُعد الأقل تكلفة من الدول الأخرى.

وشدد بيان المجلس الأعلى للحج والعمرة على أنه يُفرّق جيدًا بين النقد الهادف، وبين حملات التشويه الإعلامي التي تستند إلى مقاطع مجزأة بغرض الإساءة والطعن في ذمم القائمين على خدمة الحجيج، واصفًا ذلك بالسلوك الذي يفتقر إلى أدنى درجات الإنصاف العلمي والمهني.

أنهى الحجاج السودانيون المشاعر في الأراضي المقدسة، وعاد العشرات خلال الساعات الماضية

وأنهى الحجاج السودانيون المشاعر في الأراضي المقدسة، وعاد العشرات خلال الساعات الماضية عبر ميناء سواكن إلى البلاد، بينما أشارت أنباء إلى أن مجلس الوزراء يعتزم تكوين لجنة تحقيق.

ويعلّق مسؤول سابق في هيئة الحج والعمرة الحكومية حول أزمة الحجاج السودانيين، جراء تدني خدمات الضيافة والسكن، قائلًا إن الأولوية في الوقت الراهن هيكلة المجلس الأعلى للحج والعمرة، وإقالة جميع المسؤولين.

وتابع، مع عدم الإشارة إلى اسمه، في حديث لـ"الترا سودان": إن وجود مؤسسات لتولي نظام الحج والعمرة دون وجود برلمان يراقب الأداء ويشدد على الشفافية، يجعل هذه المؤسسات بلا رقابة دستورية.

وأضاف المسؤول السابق في هيئة الحج والعمرة: "تكلفة الحج من السودان مكلفة للغاية، لارتفاع تكلفة النقل والإعاشة، ويتحمل المجلس الأعلى جزءًا من الأزمة، إلى جانب الحكومة التي تقاعست عن مراقبة مهام هذا المجلس".